الأستاذ الشيخ محمد السند
بحث الأصول

47/05/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: باب الالفاظ، مبحث العام والخاص

كان الكلام حول تفصيل الميرزا النائيني حول التمسك بالعام مع كون المخصص لبيا.

هو فصل بأن المخصص اذا كان لبيا بمنزلة اللفظي فهو مخصص اصطلاحي.

هذا التقسيم ثبوتي وليس اثباتيا. بمعنى ان المخصص تارة قانون يقدم على القانون العام وتارة هذا المخصص ليس قانونا وانما هو بلحاظ ملاك الحكم لبا. كما مر بنا مثال متمم الجعل او حكم العقل او نماذج أخرى من الدليل العام الذي ليس نسبته مع الدليل العام الآخر نسبة المخصص الاصطلاحي بل مآلا كالتخصيص ولكنه ليس تخصيصا. هذا في الحقيقة بحث ثبوتي في نفسه ان العلاقة بين القوانين لا تتخذ رسم التخصيص او قولبته بل هناك علاقات بين القوانين بلحاظ اصل فلسفة التشريع وملاك التشريع وان حكمة التشريع وفلسفة التشريع وفقه مقاصد التشريع مهيمنة على نظام التخصيص والتقييد والورود والحكومة. هذا نوع من الالتفات من الميرزا النائيني او الاعلام الى منظومة أصول القانون.

يعني لا زالت هناك علاقات بين قوالب القانون وطبقاته وهذه العلاقات مبهمة عند الاعلام ومجملة ولم تبلور ضمن اصطلاحات خاص ولكن الاعلام ارتكازا يشعرون بان بين هذه القضايا القانونية المختلفة في الطبقات او في عرض بعضها البعض علاقة حاكمة ومؤثرة تأثير التخصيص.

ان متمم الجعل خمسة اسناخ وفي كل باب من سنخ معين وبنى الميرزا النائيني عليها وهو خارج عن باب التخصيص والتقييد.

بين القوسين: اثرنا مطلبا اجمالا. مر بنا ان التخصيص والتقييد هل هو بحث اثباتي او ثبوتي او هما معا؟ محل اختلاف بين الاعلام بالنسبة الى حقيقة التخصيص والتقييد. وهذا غير الخلاف الذي مر بنا بين القدماء ومتاخري الاعصار.

نرجع: بالتالي هناك علاقات بين طبقات القوانين ولا تندرج في التخصيص والتقييد والورود والحكومة ومع ذلك مسلم عند الاعلام ان لها تأثير وان القوانين تؤثر على بعضها البعض. لا من باب التزاحم المصطلح في مقام الامتثال بل في اصل التشريع.

بعبارة أخرى: التشريع طبقات. يقال ان المرحلة الانشائية ثلاث مراحل. وهذه ربما يكون مسامحة. بل اكثر بكثير من هذه الثلاثة. طبقات الانشاء كثيرة. باعتبار ان الشارع لم يستحدث لغة قانونية اعتبارية مخالفة لللغة القانونية العقلائية العرفية باعتراف الكل. اصل اللغة هي نفسها بين العقلاء.

بين القوسين: ان الشارع لم يستخدم لغة في التقنين جديدة وبعيدة عن لغة القانون العقلائي والعرفي. مثل اللغة العربية وهي كانت موجودة والشارع استخدمها في إيصال الوحي. فلا يقال ان القرآن لانه وحي لا تحكم عليه ضوابط علوم اللغة العربية. بل ضوابط اللغة العربية جسر آلي استعمله الشارع لإنزال الوحي. لذلك يقول الله تعالى في القرآن انه لو نزل القرآن بلغة العجم فحقيقته واحدة وعظمته هو. (لو انزلناه على بعض الاعجميين لما كانوا به مؤمنين» لغة العربية آلية لا ان وحيانية القرآن مستمدة من اللغة العربية. وحيانية القرآن فوق لغات البشر كله. فاللغة العربية آلية ولغة استعملها الوحي لإيصال الوحي. هذا المطلب عظيم في باب حجية ظواهر القرآن وباب علوم التفسير.

هكذا في لغة القانون. لماذا نسمي علم القانون لغة؟ كما ان علم علوم اللغة لغة. اللغة تعني كل شيء تستعمله للدلالة على ما وراءه. استخدمت اللفظ على الدلالة على ما وراءه او استخدمت المعنى على ما وراءه او استخدمت معنى ثاني للدلالة على ما وراءه او معنى ثالثا للدلالة على معنى رابع. يعبر عنه باللغة.

فالعلوم لغة لما هو اكبر منه ووراءه. علم القانون لغة وعلم اللغة العقلية لغة. دع عن الفلسفة ومدارسها بعينها. لكن كلغة عقلية استعملها الوحي لايصال حقائق اكبر من العقل. بغض النظر عن قناعات الفلاسفة وبتعبير السيد الخوئي الصحيح ان الفلاسفة لما يقولون ان هذه المسائل قطعية فكيف اختلفوا في آلاف مسائل. هذا يدل على ان البشر يخطئون ويصيبون وليس كل ما لديه قطعيا. لانه كيف يختلف الفلاسفة في آلاف مسائل.

نعم، كونها نتاج بشري وقطرة في محيط البحر صحيح لكن لا ينافي ان الوحي استعملها كلغة عقلية. كما ان الفلسفة استعمله فالشارع استعمله. فلا يمكن ان تحارب اللغة العقلية باسم ان تحارب أخطاء الفلسفة. لازم ان تفكك بين الملفات. اللغة العقلية شيء والقناعات الفلسفية شيء آخر. كما ان اللغة القانونية شيء واشتباهات القوانين العرفية شيء آخر. كثيرا ما شذب وهذب الشارع منظومة القانون العرفي. فالعلوم لغات وليس فقط صوت ولسان. العلم لغة لايصال ما وراءه اكبر منه.

هنا نهضة في علم الأصول ان المقصود من حجية الظهور ليس حجية الالفاظ فقط. حذار. لينفجر هذا المطلب ببركات جحود الاعلام. حتى اللغة العقلية ظهور لما وراءها من الحقائق الكبرى. لغة القانون ظهور لحجية ما وراءه من الحقائق الكبرى. الظهور يعني كل لغة معنوية او صوتية يستعملها الشارع للدلالة على ما وراءها. «لقد كان في قصصهم عبرة لاولي الالباب» يعني ان قصص الأنبياء ليست المقصودة النهائية للآيات مع انها حقائق وقصص حقيقية ويريدها القرآن لكن استعملها ليعبر عنها الى الأئمة اهل البيت عليهم السلام والى كل إمام منهم. احد فلسفات قصة النبي يوسف لكي لا يعترضوا على الامام علي بن موسى عليه السلام عندما يكون عنده خطوة اختراقية للنظام العباسي وهذا ليس معناها امضاء النظام العباسي. النبي يوسف وطنه الله عزوجل ان يقتحم النظام المصري ويصلحه فكريا وعقائديا. العلامة الحلي رحمه الله اقتحم الدولة المغولية أيضا. اقرؤوا مداخلات الامام الرضا عليه السلام في النظام وليس لاحد حق الاستظهار الا اذا كان عنده علم سياسي لان هذا بحث سياسي. باب السياسة يلزم لغة السياسة. من ثم في جانب وزارة الاعلام كان بيد الامام الرضا. بل عرف ان الامام الرضا سخر المأمون من حيث لا يشعر لمزيد نشر راية اهل البيت من حيث لا يشعر وامور كثيرة وتدبيرات الامام الرضا كانت كثيرة. من ثم وصل المأمون الى ان طريقه مسدود وهو خاسر في هذه اللعبة السياسية والمنتصر هو الامام الرضا. استخدم الامام الرضا عليه السلام كل جهات الحكومة حتى الجوانب المالية والاقتصادية لكن للأسف نحن لم نركز عليه.

هذه نكتة مهمة ان الاستظهار واستنباط أي مبحث من أبواب العلم السياسي يحتاج الى علم السياسة ولغة ذاك العلم التخصصي. اذا اريد ان افتهم امنيات الائمة عليهم السلام لا يجوز ان استخدم اللغة العربية من دون ان افتهم اللغة الأمنية. حرام على الفقيه ان يتصدى لبيان النظام الأمني للأئمة وهو لا يستعين من الخبرات للنظام الأمني. باب التقية باب امني واذا لم تستعن بعلوم الامن فالفتوى حرام. علم الامن لغة واذا اريد ان افتهم بلغة استراجية في منهج الائمة في باب علم السياسة حتى لو لم يكونوا متصدرين للنظام السياسي فاذا ما اعرف علم السياسة فحرام ان استنبط مبنى الأئمة في زمن الغيبة. هؤلاء ساسة العباد.

امير المؤمنين عليه السلام يقول: رحم الله من نهض بجناح ....

هذا البيان من امير المؤمنين عليه السلام يفسر لنا كلام الصادق عليه السلام في الصحيفة السجادية: ما قام و لا يقوم ...» وهو يعني من ليس عنده قوة. اذا كان عندك قوة وتستطيع ان تحفظ البلاد وتبعد أعداء البلاد ولا تستخدم القوة وتجلس. لا تقوم يعني لا تقوم في الظاهر لكن في الباطن كن كامير المؤمنين في خمس وعشرين سنة. غلب موازين القوى. ما حصل منه عليه السلام في خمس وعشرين سنة كانت ثورة وبعدها صارت ثورة عارمة.

لذلك الامام الهادي عليه السلام في زيارة الغدير يقول: لم يكن تقية امير المؤمنين عليه السلام استكانة وسكونا بل كان لم يفتأ يسعى في إقامة الحق. حرام تعبير انه جليس البيت. هو كان جليس السعي والنشاط والقوة لكن بالنعومة والبرودة.

يشرح في الزيارة ان سكوته لم يكن وهنا ولم يكن جمودا بل كان نشاطا. اين هذا التفسير وأين التفسير في الحوزات مآت سنين.

العلوم لغة. حجية الظهور ليست لفظا. حجية الظهور يعني استعمال الوحي للغة معينة. علم التفاوض ما كان يدرون بها الفقهاء. الان في العلوم افتهموا ان امير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة يتكلم حسب علم التفاوض باعظم مما اسسه البشر. هذه لغة وحجية الظهور ليست في الالفاظ فقط. بل في المعاني وراء المعاني. يعني استخدام المعاني للدلالة على معاني اكبر منها. كذلك في علم الاخلاق وعلم القلب. لابد من معرفة اللغة القلبية التي استخدمها القرآن وهو جهاز كونه الله تعالى في الانسان. معنى الانس والوصال وغيره وهذه العناوين استعملت في بيانات اهل البيت عليهم السلام.

نظام علمي هجر الف سنة في الحوزات العلمية الا بعض الاعلام كالسيد بن طاوسس والديلمي والسيد علي خان ولكن هذا نزر يسير. هذا علم كبير وعظيم وموجود في القرآن والروايات. اذا تهجر هذه اللغة تهجر مواد خطيرة في الوحي.

ماذا الفرق بين القلب والفؤاد والصدر بحسب القرآن؟ هذا نظام معقد وصعب. الامام الصادق عليه السلام في رواية يقول بالاطباق السبعة.

استعمال الوحي للعلوم كلغة لا يعني تصديق ما فيها.

باب الضريبة باب معقد في علم الاقتصاد وهو علم مستقل.كثير من الآراء الحوزوي لاجل عدم الاطلاع على العلوم الحديثة في العلوم المادية. صار الالتفات الى ان تشريعات النبي في علم الضريبة معجزة واستظهارات جملة من الفقهاء والاحتمالات خاطئة لعدم الالمام بالعلم الضريبي. فالنعي في الاستنباط في الأبواب الفقهية والعلوم الدينية عن هذه العلوم كلغة تصورية خطأ لان الشارع استعملها.

عدة مرة ذكرت مثال الكر. الى قال البعض ان الائمة ليس لديهم علم بالموضوعات والحال ان الان ظهر بحث فيزيايي رياضي معجز في بيانات اهل البيت. وحدة وزنية مع تعدد الكثافات. الكر وحدة رياضية لا يمكن ان استنبط باللغة العربية. لابد من لغة رياضية. اهل البيت محيطون بكل العلوم. اذا لابد من استخدام العلم كلغة لفهم بيانات اهل البيت.

علم التاريخ استخدمه القرآن ليوصل به علوم أخرى اعظم من القصص التاريخية. ﴿لقد كان في قصصهم عبرة﴾[1]

لغة الفيزياء البديهية ولغة الكيمياء البديهية حجة. في عقيدتنا ان الوحي محيط بكل هذه العلوم ويستعملها في أبوابها وبيئاته. الوحي شمولي لكل البيئات. اذا يستخدم نظام العلوم التكوينية.

الاستعمال العلوم الجزء البديهي او القطعي امر ضروري في الاستنباط والا يكون استنتاج الفقيه كاستنباط الرواة لا استنباط الفقهاء. فهم الفقهاء لابد فيه العلوم.

أبواب عديدة في الوحي وكل باب له لغته الخاصة وهي حجية الظهور. لا اقل من حقائق العلوم البديهيات او القطعيات او الفرضيات التي لها شيء كلغة تصورية ونأخذ التصديقات من الوحي. وقد يمضي الشارع جملة منها وقد لا يمضي.

الامام الصادق عليه السلام يشرح ان مرتاضي البشر في اتجاههم الى الله كم مسلك سلكوه. يبين اين المنزلق وأين الصحيح. في كتاب كفاية الأثر. الرواية تتعرض لنظام علم الرياضات القلبية.

عدم ارفاد الحوزة باب العلوم القلبية والرياضة القلبية يصير ارباك في ارشاد المؤمنين.

فحجية الظهور ليست فقط في اللفظ بل كل علم بلحاظ كل بيئة فالشارع استخدم تلك العلم. راجعوا رواية الامام الصادق في كفاية الأثر يشرح الامام رياضات مختلفة عند البشر. يرشد الى اخطاءهم ومضلاتهم. لا ان ينسفهم تماما. الاطباق السبعة يذكرها الامام الصادق ويقول من يرتاض يصل اليها وفي عدم انزلاقها يحتاج الى الوحي. الملكوت شيء تكويني وتستطيع ان تلج فيه لكن تحتاج الى الوحي كي يرشدك والا تكون كابليس.

الميرزا النائيني يقول ان لغة القانون والعلاقة بين طبقات القوانين وعلم القانون لم تبلور كلها بعد. مع ان مذهب الامامية من اعظم المذاهب والنحل والملل بين كل البشر عند مسيرة الف سنة في علم القانون. مع ذلك يقول جملة من محطات علم القانون الى الان لم تبلور. القانون لغة مثل اللغة العربية. فكما ان الشارع يرشد الى تصحيح اللغة العربية كذلك يرشد الى تصحيح اللغات الأخرى في العلوم احدها علم القانون ومبحث أصول القانون.

الفقهاء الامامية في موارد عديدة استخدموا لغة القانون مثل علم التشريح في الرد على الطرف الآخر في المسح.


[1] سورة الیوسف، الآیة 11.