47/05/19
الموضوع: باب الالفاظ، مبحث العام والخاص
كان الكلام في التفصيل الذي تبناه الشيخ الانصاري في التمسك بالعام اذا كان المخصص لبيا بخلاف ما اذا كان المخصص لفظيا فلا يمكن التمسك.
كان الكلام في تعريف هذا المصطلح (الدليل اللبي) وهو دليل اعم من كونه اجماعا او سيرة او ارتكازا متشرعيا او ارتكازا عقلائيا وكان لمرحوم الاصفهاني افادة صناعية جيدة في ان الارتكاز العقلائي او المتشرعي او الدليل العقلي، التدبر والتأني في هذا الارتكاز قد يوقفنا الى منشأ القانون لهذا الارتكاز وقد يترامى هذا التدبر الى ان نقف على باقة من القوانين بحسب تفحص المجتهد والفقيه.
لماذا يوصي بهذه التوصية؟ يقول: حينئذ يخرج الدليل اللبي عن كونه دليلا لبيا مجملا كي يؤخذ بالقدر المتيقن منه حين يكون مجملا.
كثير من الارتكازات العقلائية يمكن إخراجها عن الاجمال بقوالب واطر اذا امكن التدبر في منشأها وهويته وماهيتها. ثم يترامى الى منشأ المنشأ وهلم جرا. فالوقوف على هذه السلسلة والانشعابات من القوانين يخرج الدليل عن الاجمال ويقف الباحث على مساحة ودائرة هذا الارتكاز. وهذه الفائدة ليست بقليلة سواء بلحاظ نفس موضوع الارتكاز او بلحاظ محموله او بلحاظ عدة محمولات تترتب عليه. فلا يؤخذ بالقدر المتيقن في الموضوع الكلي ولا في حكمه لانه ليس مجملا حينئذ. وهذا امر متين وجدا مهم.
من باب الفائدة المرتبطة بالبحث: في دورتين السابقتين في الأصول ذكرنا في بحث حجية الاجماع المنقول فضلا عن المحصل او الشهرة عموما او خصوص الفتوائية اقل ما يمكن ان يقال من الفائدة الصناعية للاجماع المنقول واقوى منه المحصل واقل ما يستثمر ثمرة صناعية منها انهما منبهان على وجود مدرك ومنشأ لدى المشهور او المجمعين لابد من الفحص والوقوف عليه. قد لا نوافقهم عليه ولكن لا محالة ان نقف على دليلهم. فلا يمكن ا جراء الأصول العملية او الأصول اللفظية بدون الفحص والتدبر والتأني. لان الفحص عن المعارض او المخصص او الدليل المقدم شرط في حجية الأدلة الاجتهادية فضلا عن الأدلة الأصول العملية. فمع وجود الاجماع كيف يمكن عدم الفحص مع انه قرينة عقلائية على وجود دليل واصل.
خلاف ما يذكره الانسداديون منهم السيد اليزدي رحمه الله (فيه محاورة جرت بين السيد اليزدي والمحقق العراقي ولم يكن حاضرا في ذاك المحضر الا تلميذه السيد علي يثربي والناقل عنه احد الأساتذة رحمة الله عليه الذي كان على علاقة وتيدة وانا انقل منه. جرت محاورة بينهما عند شط الكوفة واشكل العراقي على السيد اليزدي بان ليس له مدرك. قال السيد اليزدي: هناك ثلاثمأة مسألة ليس لها مدرك الا الاجماع. والعدد ليس مبالغة لان الاجماعات في الأبواب الفقيهة اكثر منها وفي قناعة السيد اليزدي ان ليس لها مدرك الا الاجماع. لكن في قناعتي الشخصية لها مدارك وادلة لابد من الفحص لها وسنبين في بحث الانسداد إيجابيات نظرية الانسداد وسلبياتها. عادة كل مبنى له إيجابيات وسلبيات نظير الاخباريين في خلافهم مع الأصوليين كما يقول الشيخ محمد رضا المظفر ان هذا الخلاف نضجت الطرفين كالخلاف بين المتكلمين والفلاسفة. على أي حال اذا يتدبر الباحث اكثر فاكثر سيرى ان هناك دليل على قول المجمعين. مثل مسألة «من زنى بذات البعل حرمت عليه مؤبدا» والمعاصرون لا يلتزمون عليه فتوى والحال اننا وقفنا على ثلاثة عشر من المتقدمين والمتاخرين عنونوا هذه المسألة وصرحوا بالاستدلال الواضح جدا فيما هو واصل من الأدلة.)
المهم هذا الكلام من المرحوم الاصفهاني جدا متين ان الارتكاز ينبه على ان هناك منشأ له. والا لا يمكن ان يكون الارتكاز العقلائي مقطوعا عن المنظومة العقلائية او يكون الارتكاز المتشرعي مقطوعا عن المنظومة الشرعية. بل فيه اتصال يجب للباحث ان يتدبره وهذا هو معنى جعل الفروع للأصول التشريعية. كما قال الامام الرضا عليه السلام «نحن نلقي اليكم الأصول وعليكم بالتفريع» الأصول يعني الأصول التشريعية والفقهاء والمتكلمون والمفسرون عليهم بالتفريع. هذه نكتة لطيفة في الدليل اللبي ذكرها المرحوم الاصفهاني وحري ان يدون في علم أصول القانون لان هذه النكتة ثبوتية وليست اثباتية فقط.
من ثم المرحوم الاصفهاني يخالف كثيرا من الأصوليين في ان الدليل العقلي لبي. يرد على هذه الدعوى بعمومها ويقول الذي يتدبر في الحكم العقلي ومنشأه وماهية الموضوع فيه وماهية المحمول او المحمولات فيه لا تبقى عليه ابهام كي يقال ان الدليل العقلي لبي مجمل. لا أقول ان الكل يلتزم لكن الكثير يلتزمون بان الدليل العقلي لبي ولا يمكن التمسك بعمومه واطلاقه ويخالفهم المرحوم الاصفهاني.
الكلام الان في اصل اصطلاح اللبي واللفظي ويترتب عليه اثار بغض النظر عن خصوص مسألتنا.
مثلا قاعدة فقهية بحثها الاصوليون «الميسور لا يسقط بالمعسور» السيد محسن الحكيم قال ليس لها مدرك ورواياتها مرسلة وعمدة الدليل عليها اجماع وهو دليل لبي فنأخذ بالقدر المتيقن منه.
فرق بين تجعل قاعدة الميسور من الاطار والقالب اللفظي ومستند اليه وبين ان تقول انها مستندة الى الاجماع اللبي.
السيد محسن الحكيم مبناه انسدادي والانسداديون عندهم كل التراث منجز بالعلم الإجمالي وان تفاوتت درجات الاعتبار والتنجيز. هذه حقيقة مغفولة عنها في أجواء الحوزة العلمية. لا الكتب الأربعة فقط بل كل التراث في كل العلوم الدينية غاية الامر هم لا يعملون بالتراث عشوائيا بل يعملون بالاقوى فالاقوى. يعني يبحثون في السند لا من جهة اصل الحجية.
صاحب الرياض وبحر العلوم وكاشف الغطاء واغلب تلاميذ الوحيد البهبهاني انسداديون كالنراقي وصاحب الجواهر والشيخ الانصاري، حتى استاذنا السيد محمد الروحاني عبقري الأصول كان انسداديا. حتى سمعت احد الاعلام الموجود الان انسدادي. انا شخصيا لست انسداديا لكن ثمرات مقدمة الانسداد اعظم من نظرية الانسداد وسيأتي البحث.
فالنقطة الأولى ان غالب علماءنا في ثلاثة مأة أخيرة انسداديون
نقطة ثانية على مبنى الانسداد كل التراث منجز بالعلم الإجمالي لا بالظن.
نقطة ثالثة انهم لا يعملون بالتراث عشوائيا بل الأقرب فالاقرب والاقوى فالاقوى بجميع الصناعات. افترض عندك دليل تفصيلي يقول لك كل التراث حجة فتقدم الخاص على العام وتقدم المطلق والحاكم والوارد وتقدم صناعة انقلاب النسبة.
هم يختلفون عن الانفتاحيين بان حجية التراث ليس بالظن. انما يبحثون في السند لمعرفة الأقوى فالاقوى لا من باب اصل الاعتبار. يبحثون عن اعتبار الكتاب والرواية لمعرفة الأقوى فالاقوى للتوليف في الأدلة. هذا للأسف غائب عن فكر الكثير في الجو الحوزوي. وهذا في كل العلوم الدينية وان كان المعارف لا يستند فيها الى الظن.
عندنا منجز اجمالي ولابد من تبرئة الذمة من هذا التنجيز. هذه النكتة مغفولة عند مدرسة السيد الخوئي رحمه الله. لا أقول ان نظرية الانسداد صحيحة. لكن مقدماته صحيحة فليس الأصل الاولي عدم الحجية. هذا اصل فرضي سراب. عندنا علوم اجمالي منجزة. غاية الامر من يقول بالدليل الظني يقول عندي امتثال ظني مفرغ ظني وليس ملزما وتستطيع ان تعمل بنفس منجزية العلم الإجمالي وهو امتن. حتى العمل بدليل الانسداد احوط وابرء للذمة من الدليل الظني الانفتاحي. هذا النظام الصناعي مغفول عنه في ثلاثة مأة سنة. ليس عذر لنا ان نغفل.
الأدلة الاعتقادية تلزمك بالتراث وبكل احتمال في التراث ولابد من براءة الذمة في أطراف العلم الإجمالي المنجز. هذه مقتضى القاعدة الاصيلة الرصينة. ليس الأصل الاولي عدم الحجية. بل العلم الإجمالي بضرورة الدين منجز.
على كثير الغفلات كثيرة لا نعذر باتباعها بعد الاطلاع عليها.
هذا المبحث من المرحوم الاصفهاني بحث حججي متين. لابد التأني في الدليل اللبي فتجد اطاره اللفظي وقالبه اللفظي.
باب الانسداد بغض النظر عن نظرية الانسداد عبارة عن التوليف الصناعية الشامخة في علم الأصول. هذا البحث في نظرية الانسداد بغض النظر عن النتيجة نفس المقدمات طفرة أصولية عظيمة صناعية.
ابن قبة يقول: كيف يمكن ان تثبت التراث وكل الدين بالدليل الظني؟ لا يعقل. ميرزا هاشم الآملي يقول اذا قاعدة جحفلية في الفقه تثبت برواية معتبرة واحدة؟ ليس تناسبا بينه. كيف تثبت بالدليل الظني كل التراث وكل الدين. الآية معكوسة. المنهج الذي تستند الى الظن منهج حشوي. لابد من الاستناد الى القطع والعلم. العجيب تلبيس هذا المنهج العلمي الرصين في مقدمات الانسداد بانه حشوي. عندنا علوم اجمالية كثيرة تنجز هذا التراث كله ولابد من ابراء الذمة عنها. طبعا هذا الامتثال والظن وابراء الذمة وظيفة استنباطية للاجتهاد وليس عملية فقهية فرعية للعوام.
اجمالا هذا البيان من المرحوم الاصفهاني جدا متين.
الشيخ الانصاري يذهب الى امكان التمسك بالعموم اذا كان المخصص لبيا. دليله يتمسك به الشيخ الانصاري وله وجه ولو لم يوافقه بقية الاعلام ولكنه له وجه وليس بشكل واهي.
يقول: ما دام المخصص لبيا فدائرة حجيته تنظيرا فيما هو معلوم. وما هو معلوم مصاديقا وما هو معلوم انه داخل في المخصص مصداقا وتنظيرا. لانه لبي فيقتصر فيه على القدر المتيقن. حينئذ فالمصاديق التي مشكوكة انها من المخصص فباقية في حجية العام. هذا فحوى مدعى الشيخ.
مقدار حجيته انما في ما هو معلوم مصداقا وتنظيرا. فما دام لبيا فيقتصر على القدر المتيقن. هذه الدعوى ليس دعوى بعيدة وسيأتي تفصيلات الميرزا النائيني والسيد الخوئي انها شيئا ما مستمدة من هذا الوجه ولو خالفوه في هذا التفصيل.