47/05/18
الموضوع: باب الالفاظ، مبحث العام والخاص
كان الكلام في الاستدلال على جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية للمخصص بتقريب أن العام تام تنظيرا و تطبيقا والخاص تام تنظيرا ولكنه غير معلوم تطبيقا فمن ثم يقدم العام على الخاص.
اجيب ان العام انما يتكفل تنظير نفسه ومقام التطبيق مقام آخر لا يتكفله الدليل. ففي الحقيقة دعوى التمسك بالعام بتنقيح المصاديق التطبيقية لا يتكفله العام او أي دليل آخر كما ان الخاص لا يتكفل التطبيق ولا يرفع الشبهة والشك كذلك العام. ففي مرحلة التطبيق لابد من التوسل بآلية أخرى ولو الأصل العملي الذي ينقح المصداق والتطبيق.
مر امس قاعدة في التفسير قاعدة جري الآيات. ولو ان آية نزلت في شخص واقتصرت عليه لمات القرآن لكن القرآن حي ويجري كما يجري الشمس. هذه القاعدة لها مناسبة بهذا البحث ونعاود ونركز عليها.
العلامة الطباطبايي والسيد الخوئي والسيد السبزواري يبنون على قاعدة الجري والتطبيق ويفسرونها في مقام التطبيق. فسروها بان القاعدة تتكفل التطبيق وان التنظير الكلي في الآيات يجري تطبيقا كالطبيعة السارية.
ربما نستطيع ان ننسب الى كثير من علماء الامامية سواء في الفقه او في علم الكلام او علم التفسير بنوا على روايات اهل البيت عليهم السلام تتعرض للتأويل ولا تتعرض للتفسير. ومرادهم من التأويل يعني التطبيق. هذا ما حذاهم ان يبتعدوا عن التفسير بالمأثور وروايات اهل البيت عليهم السلام. باعتبار انها في صدد التأويل بالتطبيق. وهذا حجة وليس فيه كلام ولكن الظهور يبنى مستقلا عن الروايات باعتبار ان الروايات ليست في صدد بيان الظهور. هذا ما بنى عليه الأكثر من طبقات العلماء غفلة.
والحال خلاف ذلك. أولا الكثير من الروايات متعرضة للتفسير ولكنه بلاشك تفسير غامض على الكثيرين لان قدرة المعصوم في بيان عناصر الظهور ليس كقدرة البشر. يحيط بعلوم عديدة علوم لغوية وعلوم قرآنية وعلوم أخرى لا يحيط بها الاخرون. فدعوى ان جل الروايات في مقام التأويل دعوى غير صحيحة. بل حتى الروايات التي تتعرض للتأويل في بيانات اهل البيت أيضا تتضمن التعرض للتفسير وتنطلق في التأويل بأقسامه العديدة.
احد أنواع التأويل في التطبيق والا له أنواع أخرى في التنظير وطبقات المراد الجدي فالتأويل له اقسام وأنواع عديدة ولا يتوهم متوهم ان التأويل هو التطبيق. هذه من الغفلات التي جرت على الاعلام. اكثر أنواع التأويل هو التنظير. نعم قسم من الأقسام هو التطبيق.
كذلك روايات التأويل التي يبين جانب التنظير الخفي تنطلق من الخفي بما لا يلتفت اليه البشر. مثلا قاعدة من قواعد علوم اهل البيت في تفسير القرآن ان وحدة السياق في القرآن خطأ كبير. القرآن نزل على عدم وحدة السياق. هذه غير وحدة السورة ووحدة الآية وبينهما فرق صعب. بصراحة ان العلامة الطباطبايي والسيد الخوئي خلطا بين وحدة السياق وبين وحدة السورة ووحدة الآية. هذا بحث مرتبط بالظهور. هذه بحوث وآليات للظهور مهمة لابد ان يلتفت اليه المستنبط.
مثلا وحدة السياق امر خاطئ في القرآن الكريم. بتعبير امير المؤمنين عليه السلام ان احد أسباب اشتباه الامة في تفسير القران انهم يبنون على وحدة السياق. حتى في جملة واحدة ما فيه وحدة السياق. مبتدأ بشكل والخبر بشكل. المقصود ان هناك قواعد في الاستظهار خاصة بالقرآن وتختلف عن لغات أخرى.
مثلا «علم المخابرات والاستخبارات قائمة على الشفرة والرمز واستعمال اللفظ في اكثر من معنى. له لغة خاصة. عالم الامن في الامن الإعلامي والامن الاقتصادي وغيره قائم على الشفرة. القرآن له أسلوب معين وخاص. وقل من يلتفت اليه.
المقصود ان كثيرا من الاعلام بنوا على الروايات الواردة في تفسير القرآن ليست في صدد بيان بنية الظهور فصار انفكاكا وهذا خطأ.
الانكر من ذلك ان الروايات لا يمكن ان تكون الروايات في صدد معالجة ظهور القرآن ولو هذا بحوث في الحجج. ولكن بحوث مرتبطة بالالفاظ. يقولون ان ظهور القرآن ذاتي ومستقل.
نعم، ظهور القرآن ذاتي مستقل لكن من يكتشف الظهور. ﴿نزلنا اليك القرآن لتبينه للناس﴾[1] البيان وظيفة النبي صلى الله عليه وآله. ﴿ما يعلم تأويله الا الله والراسخون في العلم﴾[2] مجاوزة المعنى الاستعمالي تحتاج الى معلم الهي. ﴿ان علينا بيانه﴾[3] البيان على الله وعلى الرسول. احد الأمور التي قام بها الأول والثاني انهم احرقوا الاحاديث القدسية او الاحاديث من الله ليست قرآنا لكنها تفسير للقرآن وتأويل للقرآن من الله. هذا نوع من احراق القرآن. قام به الأول والثاني والثالث. هذه الاحاديث النازلة ملفات من الله نازلة مع تنزيل القرآن. هي مرتبطة بالقرآن. ومن هذا القبيل كثيرة.
الى درجة ان البعض من الفريقين يقولون ان السنة لا تخصص عموم الكتاب. مع ان هذا تقريبا ضرورة بين المسلمين. الخاص معالج للظهور. المقصود اننظام الحجية في القرآن ونظام الحجية في سنن المعصومين كيفية الهندسة الصناعية في الحجية مرتبكة صراحة وبحمد الله هذا الخلاف الاصولي الاخباري حول حجية ظواهر القرآن اثرى صرحة علمية. فيه جدل بينهما في كيفية حجية القرآن. وبصراحة الان اذا لم يخض الباحث والمجتهد في هذه البحوث يكون مترجل في كيفية نظام الهندسة الصناعية بين حجية القرآن وحجية الروايات. هل العلاقة بين الروايات والقرآن كالعلاقة بين اية واية وبين سورة وسورة؟ بلا شك العلاقة هكذا. لكن الكثير يغفلون عنه.
بينما هناك قليل من الاعلام الامامية التفتوا الى ذلك. مثل قطب الراوندي في كتابه فقه القرآن. دأب هذا العالم الموسوعي في كل الجوانب ان يترصد او يفحص عن القرائن التي تبينها الروايات في الآيات بحيث انتزع منها الحكم. يعني بحسب النظرة الأولى ما نستطيع ان نلتفت الى الظهور لكن ببركة تعليم اهل البيت نلتفت الى كيفية انتزاع الاحكام من الروايات. وهذا الكتاب من الكتب الرصينة جدا. فقهيا وقرآنيا.
من المسائل التي ذكرها قطب الراوندي وجه الحرمة المؤبدة لمن زنى بذات البعل
في احكام حد المحارب استطاع ان يتنبه من تعليم الروايات في الآيات الى كل احكام حد المحارب من الآيات. ما قام به الراوندي دقيق ومتين.
هذه نكتة مهمة في كيفية التنبه لكون الروايات تعالج الظهور في الآيات يحتاج الى تأمل وتأني. لان طبيعة الروايات مختصرة ومختزلة بالإشارة. الامام ليس بيانه لمرحلة الابتدائية بل يشير لمن يكون راقي الفهم.
هذه نكتة مهمة: ان روايات اهل البيت تتكفل التنظير او التطبيق. جدا بحث حساس. لا نبالغ ان قلنا ان اكثر الاعلام غفلوا عن هذا المطلب.
ثم حتى التأويل الذي غير التطبيق هو تنظير منطلق من التنظير التفسير. دائما يحرص اهل البيت هكذا. يبينون لك المعاني البطونية الغامضة انطلاقا من سطح الظاهر لا انه بيان للأمور الغامضة المقطوعة من دلالات الظاهر. بل عندهم هذا النظام تطابق الظاهر والباطن سواء في عالم الدلالة او عالم الثبوت. هذانظام عجيب اكد عليه اهل البيت.
الاعلام ما ذكروا هذا الكلام هنا بل ذكروه هنا. وهذه من علوم القرآن وصراحة اذا لم يخض فيها الفقيه والمتكلم سوف يترجل في بحوث كثيرة جدا لان القرآن له مواد وقرائن وجو وتاريخ التدوين اذا لم يلتفت اليه الفقيه او المتكلم او المفسر يترجل في العلوم الدينية جدا. تاريخ علوم القرآن شيء ضروري لمعرفة المواد المحتفة بآيات القرآن. ربما في هذا التفسير اكثر من عشرين سنة بتوفيق الله ومع ذلك كل يوم بعد يوم نجد كيف ان هناك سقيفة في القرآن منذ العهد الأول وماذا ارتكبوا وماذا صنعوا .اذا ما يلتفت الى هذه الأمور تغيب القرائن والنكات. فعلوم القرآن صراحة ضرورية جدا كعلوم اللغة العربية لمبحث الاستنباط من القرآن لاي علم من علوم الدين. والا يكون مترجلا في كيفية الاستنباط من ايات القرآن. كما ان هناك ضرورة لعلوم اللغة في الاستنباط اليومي فهناك ضرورة للاطلاع لعلوم القرآن.
هذا كلام الاعلام في جواب الاستدلال ان الدليل في نفسه سواء كان عاما او خاصا لا يتكفل التطبيق فمن ثم هذا الوجه غير تام.
القول الثالث بالتفصيل: قول الشيخ الانصاري. هو فصل بين ما اذا كان المخصص لبيا او كان المخصص لفظيا. اذا كان المخصص لبيا يمكن التمسك بالعموم. اما اذا كان المخصص لفظيا فلا. طبعا الكلام ليس في خصوص العام. كما مر بنا مرار ان بحث المطلق والعام سوا في البحث الا ما استثني وما صرح الاعلام بالاستثناء. والا جل الأبحاث التي تبحث في العام والخاص والمطلق والمقيد مشترك بينهما. الا ما استثني وصرح بها.
الشيخ الانصاري فصل بين الدليل المخصص اذا كان لبيا وما اذا ان لفظيا.
كلمة اللبي لا تطلق على الاحكام العقلية فقط. بل تطلق على الاجماع أيضا. يعني كل دليل ليس بلفظي يعبرون عنه بالدليل اللبي وعادة يكون مبهما من جهة الحدود او من جهة تحليل المعنى. مثلا الشهرة التي هي حجة او الاجماع او السيرة المتشرعية او الدليل العقلي.
قبل ان نتجاوز هذا المصطلح فائدة عظيمة ذكرها المرحوم الكمباني في الحجج لتفسير اللبي. هو يقول: هذا غير مقبول في التمييز بين اللبي واللفظي. هذا الاصطلاح اللبي واللفظي شيء مهم. بغض النظر عن بحث المقام.
عند المرحوم الاصفهاني نكتة لطيفة في شرحه على الكفاية ولعل في مبحث الحجج. هذه المباحث من صغريات الظهور مثل ما مر بنا في قواعد علوم القرآن مرتبطة بصغريات الظهور. هو يقول: لا نسلم ان كل دليل عقلي دليل لبي وكل دليل آت من السيرة العقلائية والسيرة المتشرعية لبي. يقول: مثلا السير المتشرعية بل السير العقلائية اذا تدبر الفقيه والمجتهد فيها والمفروض ان يتدبر ويتفطن ويحلل ارتكاز العقلائي وارتكاز المتشرعي. هذا الارتكاز احد منافذ الدليل اللبي وهو يعني العقل الباطن وليس في صورة الخواطر التفصيلية.
يقول: اللازم على الفقيه والمجهتد عندما يصل الى الدليل الارتكازي ان يتأنى ويتدبر. ان هذا الارتكاز يعتمد على تقنين وراءه او لا. التدبر والتأني شيء مهم. مثلا قبل ان يطوي في اجتهاده مراحل اللغوية يقفز الى القواعد الصناعية. هذا ليس صناعيا ولا بضاعة سليمة. اسلك مراحل الاستنباط خطوة خطوة. المواد اللغوية ثم المواد الحديثية والمواد القرآنية لابد من التأني فيها هل هي سليمة وسديدة؟ المجلسي مع ان مذهبه اخباري لكن في العلوم اللغوية في الرواية او الآية عنده حوصلة وسعة صدر في التتبع وهذا ضروري في التأني. الصناعة احد الآليات في الاستنباط وليس كل شيء. الذوق استنتاج اجمالي وليس صناعة وبدون تحشيد المواد لا يمكن ان يكون عندك ذوق.
المرحوم الاصفهاني يوصي انه يجب في الاستنباط التأني والتروي. عندما تلاحظ قانونا في السير العقلائية والمتشرعية تدبر ان هذا القانون متولد من أي قانون قبله. بحيث تصير منظومة القانون عندك واضحة. المرحوم الاصفهاني كان كثير التتبع في المواد اللغوية والعلوم اللغوية.