الأستاذ السيد احمد الصافي
الأصول

47/05/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الأصول العملية/الاستصحاب الكلي /الاستصحاب الكلي

ما زال الكلام في بيان ما أفاده السيّد اليزدي (قده)، وقد تقدّم أنّه طرح المطلب في مقام التصوّر، فبيّن أنّ عندنا أحكاماً مترتّبة على عنوان المذكى، كالحلّية والطهارة، كما أنّ عندنا أحكاماً أُخرى مترتّبة على عنوان الميتة، وهي الحرمة والنجاسة. ومن هنا يمكن ـ في مقام الأصول العملية ـ وقوع التعارض بين الاستصحابين؛ لأنّ أصالة عدم التذكية تقابلها أصالة عدم كون الحيوان ميتة، فيتساقطان كما تقدّم بيانه.

وقد كان الغرض من هذا كلّه تحديدُ الأصل العملي في المقام، أي تشخيصُ ما هو المرجع عند الشكّ، فنحرز الأصل المناسب أوّلاً، ثم ننتقل بعد ذلك إلى الأدلّة اللفظية: فإن كانت تامّةً التُزم بها، وإن لم تكن، أو كانت متعارضة أو مجملة، رجعنا إلى الأصول العملية التي تمّ تمهيدها في هذا الموضع.

وهذا كلّه ـ كما أشار السيّد اليزدي ـ إنّما هو في مقام التصوّر وتحقيق ما تقتضيه

القاعدة.

أمّا في مقام العمل، فلا بدّ من تحديد الموضوع الذي علّق الشارعُ الأحكامَ عليه: هل هو عنوان المذكى؟ أو عنوان الميتة؟ ولا يتحقّق ذلك إلا بعد تحقيق معنى الميتة، لكونه العنوان الوارد في النصوص، كما في قوله تعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ﴾، وكما ورد في الروايات الشريفة أيضاً.

ومن هنا كانت الحاجة ماسةً إلى تحقيق المفهوم اللغوي للميتة، وقد تقدّم في الدرس السابق تفصيلُ الكلام فيما يرتبط بالرجوع إلى أهل اللغة، وبيانُ مَن يصحّ الاعتماد على نقله، ومَن لا يصحّ، تمهيداً للدخول في تحقيق هذا العنوان المهمّ.

وعليه، فلننظر الآن إلى ما أفاده السيّد اليزدي (قده) في مسألة الميتة، وما هو المستفاد من مجموع الروايات الواردة في هذا الباب.

قال (قده) "وهو أنّ المراد من الميتة على تقدير كون الحكم…"([1] ).

والمقصود من عبارته أنّه إذا كان الحكم المترتّب ـ سواء كان النجاسة والحرمة معاً أو النجاسة فقط ـ معلَّقاً على عنوان الميتة، فلابدّ حينئذٍ من إحراز ما هو المعنى المراد من الميتة في لسان الأدلّة؛ إذ إنّ بين أيدينا أحكاماً متعدّدة تدور مدار هذا العنوان، فلا يمكن تطبيقها إلا بعد تحقيق حقيقته وبيان حدّه.

ثمّ قال السيّد اليزدي (قده) في الاحتمال الأوّل:"قد يُقال: إنّ الميتة مرادفة لعدم التذكية…".

ومراده (قده) من هذا الاحتمال: أنّه لو قلنا إنّ الميتة مساوية لعنوان غير المذكى، كان معنى الميتة هو نفس معنى عدم التذكية، والعكس كذلك. فبناءً على هذا المبنى، يكفي ـ لإثبات عنوان الميتة ـ إجراءُ أصالة عدم التذكية؛ لأنّ نفيَ التذكية عينُ إثبات الميتة، لا أنّه يثبت ضدّها، ولا أنّه يثبت لازماً عقلياً أو عنواناً آخر يحتاج إلى إثبات مستقلّ، بل باعتبار أنّ العنوانين مترادفان يكون إثبات أحدهما إثباتاً للآخر.

وعليه، فتترتّب الثمرة العملية على هذا المبنى، وهي: أنّه متى ثبت أحد المترادفين ثبت الآخر بلا حاجةٍ إلى أصلٍ جديد؛ لأنّ العلاقة ليست علاقة التضاد حتى يقال إنّ نفي أحد الضدّين لا يثبت الضدّ الآخر، بل العلاقة علاقة هوهوية ومعنى واحد.

وهذا المبنى ينسجم مع ما ذهب إليه المشهور؛ إذ قالوا: إذا وُجد جلدٌ مطروحٌ مشكوكٌ في تذكيته، نُجري أصالة عدم التذكية، فنثبت أنّه ميتة، فيترتّب عليه حكمُ الحرمة والنجاسة. ومن هنا جاء إشكال الفاضل التوني (قده) بأنّ هذا الإرجاع إلى عدم التذكية إنّما ينتج لازماً أعمّ لا يُثبت عنوان الميتة بالمعنى الذي تريده النصوص، وقد تقدّم تفصيل بيانه.

ثمّ جاء الشيخ الأعظم (قده) فانتصر للمشهور، واعتبر أنّ عدم التذكية هو نفس الميتة، لا لازماً لها، فبهذا لا يرد إشكال اللزوم الأعم.

نعم، عبّر السيّد اليزدي (قده) عن العلاقة بلفظ الترادف، ويمكن تأويل كلامه حتى لو لم نُسلّم بثبوت الترادف بنحو الدقّة وذلك بأن نقول: المراد هو الصدق الموردي، أي أنّ موارد عدم التذكية هي بعينها موارد الميتة، فيتحقّق التطابق العملي بين العنوانين.

وهذا هو المعنى الأوّل الذي ذكره السيّد اليزدي (قده) في تفسير عنوان الميتة.

ثمّ بعد ذلك ذكر (قده) الاحتمال الثاني، فقال: "وقد يُقال إنّها الموتُ حتفَ الأنف…".

ومعنى كلامه في هذا الاحتمال: أنّ المراد من الميتة هو الحيوانُ الذي مات حتف أنفه، وهذا هو ظاهر استعمال لفظ الميت أو الميتة ـ بالتخفيف ـ كما ورد في الآية الشريفة: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ﴾ ثمّ قال (قده): "وعلى هذا المعنى لا تنفعنا أصالة عدم التذكية في إثبات موضوع الميتة، وهو واضح".

ومقصوده: أنّ هذا الاحتمال الثاني ـ القائل بأنّ الميتة هي الحيوان الذي مات حتف أنفه ـ يختلف عن الاحتمال الأوّل؛ لأنّ الميتة هنا عنوان وجودي، لا يرادفُ عدم التذكية. فإثبات عدم التذكية لا يثبت أنّ الحيوان مات حتف أنفه.

وبيان ذلك: أنّ التذكية أمر وجودي يُنْفَى بأصالة عدم التذكية، وكذلك الموت حتف الأنف أمر وجودي يُنْفَى بأصالة عدم الموت حتف الأنف. فمجرد نفي التذكية لا يثبت تحقّق الموت حتف الأنف. وعليه، فلا يُستفاد من أصالة عدم التذكية ـ على هذا الاحتمال ـ إثباتُ كون الحيوان ميتة.

وأمّا الاحتمال الثالث، فقد قال (قده):

"وقد يُقال أو يُحتمل: إنّ الميتة عبارة عن كلّ ما زُهِقت روحه متّصفاً بكونه غير مُذكى".

ومعنى ذلك: أنّ الميتة هنا عنوانٌ وجودي، وهو الحيوان الذي زُهِقت روحه، مع كونه لم يكن مُذكى. وعبارة "لم يكن مذكى" محمولٌ على "زُهِقت روحه" أي أنّ هذا الزهوق كان بلا تذكية شرعية.

ولهذا قال (قده): "لا ينفع في إثباته أصالة عدم التذكية؛ لأنّ أصالة عدم التذكية لا تُثبت بها الاتصاف المزبور".

فإنّ نفي التذكية لا يثبت أنّ الروح قد زُهِقت كذلك؛ لأنّ هذا الاتصاف وصف وجودي مركّب، وليس مجرّد عدم التذكية.

فلا يكون بينهما ترادف، بل يكون هذا الاتصاف وصفاً وجودياً قائماً بنفسه، لا يثبت بمجرّد أصالة عدم التذكية.

ثمّ تناول المعنى الرابع للميتة فقال (فده): "وقد يقال أن الميتة عبارة عن كلِّ ما زُهق روحه بأي نحو كان خرج منه المذكّى حكماً بالحلّية والطهارة، وبقي الباقي".

ومقصوده: أنّ معنى الميت ـ على هذا الاحتمال ـ هو كلّ ما زُهِقت روحه. وهذا العنوان يشمل في نفسه الحيوان المذكى وغيره. إلّا أنّ المذكى خرج حكماً؛ لأنّ الشارع رتّب عليه الحلّية والطهارة، فارتفع عنه حكم الميتة، مع بقاء دخوله في

العنوان بحسب المفهوم.

فهذا خروج تخصيصي، لا تخصّصي؛ إذ الموضوع من حيث المفهوم يشمل المذكى، لكن الحكم لا يشمله بعد ورود التخصيص. ومثاله: قولك "أكرم الفقراء" يشمل الفقير الفاسق، ثم إذا قيل "لا تكرم الفقير الفاسق" كان هذا تخصيصاً في الحكم، مع بقاء الفاسق فرداً حقيقياً للفقراء.

وهذا هو عين ما أشار إليه الشيخ الأعظم (قده) في كلماته، إلّا أنّه مرّ عليه مروراً سريعاً.

ثمّ أردف (قده) قائلاً: "ولا يخفى أنّ مرجع هذا ـ الاحتمال الرابع ـ إلى أن كون التذكية عنواناً للحلّ، وقد عرفتَ فيه صحّة جريان أصالة عدم التذكية في رفع حكم ذلك العنوان".

ومقصوده: أنّ معنى هذا الاحتمال يرجع إلى أنّ التذكية عنوانٌ وجوديّ للحلّية، فالحلّ مترتّب على وجود التذكية. فإذا شككنا في تحقّقها، جرت أصالة عدم التذكية، فيُرفع بها حكمُ الحلّ، فيكون المشكوك غير حلال.

وبهذا يكون قد استعرض (قده) مجموع المعاني المحتملة لعنوان الميتة، وبيّن ما

يترتّب على كلّ احتمال من جهة إمكان التمسّك بأصالة عدم التذكية أو عدم إمكانه.

غير أنّ البحث لم ينتهِ بعد؛ فإنّ الكلام الذي نريد الوصول إليه هو: في مقام الإفتاء، هل الحقّ مع المشهور، أم مع الفاضل التوني؟ فلا بدّ من النظر فيما بعد ذلك لإثبات المختار.

ولذا قال السيّد اليزدي (قده): "وإنّما الشأن في تشخيص الصغرى. فنقول: الظاهر أنّ حكم حلّية اللحم معلَّق على عنوان التذكية ـ ولذا نقول: المذكى حلال ـ في ظاهر الأدلّة، من الآيات والأخبار، كما أشار إلى جملةٍ منها في المتن".

ومحصّل كلامه: أنّ المهمّ بعد بيان المعاني المتعدّدة للميتة هو تشخيص الصغرى، أي: ما الذي علّقه الشارع في مقام الإثبات على عنوان التذكية؟ والظاهر من مجموع الأدلّة أنّ حلّية اللحم إنما جُعلت معلَّقة على عنوان المذكى.

وبيان ذلك: أنّ الآية الكريمة قالت: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ﴾، ثم استثنت منها بقولـه تعالى: ﴿إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ﴾. فلدينا مستثنى منه (الميتة) و مستثنى (ما ذكيتم).

والمحرَّم هنا ـ بحسب طبيعة الأحكام التكليفية إذا تعلّقت بالأعيان ـ هو الفعل

المتعلّق بها، لأنّ الأحكام التكليفية لا تتعلّق بالأعيان بما هي أعيان، بل بما ينشأ عنها من أفعال المكلّف.

فـ"حُرِّمَتِ الميتة" تعني: حُرِّم أكلُ الميتة.

كما أنّ قوله تعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ﴾ لا يراد منه الأكل، بل حرمة التزويج؛ لأنّ الحكم التكليفي إذا أُضيف إلى الأعيان أُريد به فعلٌ يتعلّق بالمكلّف.

وعليه، فقوله تعالى: "حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ … إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ" يفيد أنّ ما تذكونه ليس بحرام، بل هو داخل في دائرة الحلّ (بالمعنى الأعمّ، أي رفع الحرمة).

ولذلك قال (قده): "فعنوان التذكية ـ في ظاهر الأدلّة ـ حلّية اللحم معلّقة على التذكية، كما هو ظاهر الآيات والروايات، وقد أشار المصنّف إلى بعضها في المتن".

فالصغرى التي يريد السيّد اليزدي إثباتها هي: أنّ التذكية هي العنوان الذي علّق الشارع عليه الحلية.

ثم بعد ذلك قال (قده): "ولا ينافيه تعليق الحرمة على الميتة أيضاً أحيانا في بعض الآيات والأخبار" لكون الايات والروايات قالت حرمت عليكم الميتة.

ثمّ قال (قده): "لأنّ الأوّل أكثر وأظهر ـ وهو عنوان التذكية ـ فيُحمل الثاني ـ أي تعليق الحرمة ـ على ذكر بعض أفراد ما هو فاقد لعنوان موضوع الحلية، فيكون حراماً".

ومراده: أنّ عنوان التذكية هو الظاهر والأغلب في الأدلّة من حيث تعليق الحلّية عليه، ولذلك يحمل تعليقُ الحرمة على الميتة على أنّه بيانٌ لبعض أفراد ما فقد التذكية، لا أنّه عنوان مستقلّ يقابلها.

وبهذا يتمّ ما يتعلّق ببيان جانب الحلّ والحلية في المقام.

وأمّا حكم الطهارة والنجاسة، فالمشهور قد ذهبوا إلى أنّ هذه الأحكام تترتّب أيضاً على عنوان التذكية؛ فالمذكى عندهم طاهرٌ وحلال، وغير المذكى نجسٌ وحرام، فجعلوا المدار في الجهتين ـ الحلّ والحرمة، والطهارة والنجاسة ـ على المذكى وغير المذكى. وقد تبنّى الشيخ الأعظم (قده) هذا المبنى وانتصَر لهم.

غير أنّ السيّد اليزدي (قده) يظهر أنّ له توجّهاً آخر وإن كان يسلِّم ـ كما تقدّم ـ بأنّ الحلّية متوقّفة على التذكية، وهذا الجانب عنده واضح وثابت.

ثمّ قال السيّد اليزدي (قده): "فظاهر المصنّف في المتن أنّ موضوعه ـ أي موضوع النجاسة والطهارة ـ متحدٌ مع حكم الحلية والحرمة بحسب العنوان".

ومراده: أنّ ظاهر كلام الشيخ الأعظم والمشهور أنّ عنوان غير المذكى هو نفسه عنوان الميتة، فجعلوا المدار في الحلية والحرمة، وفي الطهارة والنجاسة، كلّ ذلك على المذكى وغير المذكى. فمتى قيل: "هذا غير مذكى" كان معناه عندهم: "ميتة"، فتترتب عليه الحرمة والنجاسة معاً.

ثمّ قال (قده): "وأمّا الطهارة معلّقة على التذكية، إلّا أنّ تتبّع أخبار المسألة يشهد بخلافه".

فهو يرى ـ بخلاف الشيخ الأعظم ـ أنّ التذكية ليست موضوعاً لطهارة اللحم والجلد، وأنّ التتبّع الروائي يشهد بأنّ النجاسة معلّقة على عنوان الميتة، لا على عنوان عدم التذكية.

وبذلك يتبيّن عنده أنّ العناوين ثلاثة:

الأول: المذكى، وهذا يثبت له الحلّية والطهارة معاً.

الثاني: غير المذكى، وهذا يثبت له عدم الحلّية فقط (أي ليس بحلال)، ولا يُثبت له النجاسة.

الثالث: الميتة، وهذا هو العنوان الذي تترتّب عليه النجاسة، لا مجرّد عدم التذكية.

فالسيّد اليزدي يفترق هنا عن الشيخ الأعظم والمشهور؛ إذ جعلوا "غير المذكى" هو عين "الميتة"، بينما السيّد اليزدي يرى أنّ عدم التذكية لا يثبت النجاسة، بل غايته نفي الحلية. أمّا النجاسة فمتوقّفة على عنوان وجودي آخر هو الميتة.

ولهذا قال (قده): "ولازم ما استظهرناه في عنوان موضوع الحكمين المذكورين، أنّه عند الشكّ في تحقق تذكية الحيوان يُحكم بحرمة لحمه لأصالة عدم التذكية".

أي: عند الشكّ في التذكية نجري أصالة عدم التذكية، فنحكم بـ الحرمة؛ لأنّ الحلّية متوقفة على التذكية، فإذا لم تُحرز ثبت عدمها، فيكون اللحم غير حلال.

ثمّ قال (قده): "ويُحكم بطهارته لأصالة عدم الميتة".

أي: بما أنّ النجاسة معلّقة على الميتة، وهي عنوان وجودي، فلا تثبت بأصالة عدم التذكية. فإذا شككنا في كون الشيء ميتة، نجري أصالة عدم الميتة، فيُحكم بالطهارة.

ثمّ عقب قائلاً: "ولعل هذا مستند ما اشتهر بينهم من أنّ اللحم المطروح محكوم بالطهارة والحرمة".

فهو يشير إلى أنّ شهرة الحكم بـ"الطَّهارة والحرمة" في اللحم المطروح يمكن تفسيرها على أساس جمع هذين الأصلين:

الحرمة: لأصالة عدم التذكية.

الطهارة: لأصالة عدم الميتة.

وأما قوله (قده): "واشتهر بينهم"، فيظهر أنّ مراده الشهرة بعد الفاضل التوني؛ لأنّ الفاضل التوني خالف المشهور، فكأنّ هذا التعبير مأخوذ من تداول الحكم بعد اعتراض التوني.

ولذا عبّر (قده) بقوله: "إنّ اللحم المطروح محكوم بالطهارة والحرمة".

ووجه ذلك: أنّ الحرمة تُستفاد من أصالة عدم التذكية؛ لأنّ الحلّية متوقفة على التذكية، ومع الشكّ تجري أصالة عدمها.

وأمّا النجاسة فليست معلّقة على عدم التذكية، بل معلّقة على عنوان الميتة، وهو

عنوان وجودي، ومع الشكّ فيه تجري أصالة عدم الميتة. وحينئذٍ لا يثبت عنوان

الميتة، فتجري قاعدة الطهارة: "كلّ شيءٍ طاهر…".

وأمّا استصحاب الطهارة، فقد يُشكل عليه بأنّ موضوع الطهارة في الشاة الحيّة غير موضوعها بعد زهوق الروح، ومع اختلاف الموضوع لا تتحقق وحدة القضية المتيقّنة والمشكوكة، فلا يجري الاستصحاب عند من يشترط ذلك. فالبعض يناقش بأنّ الحيوان الحيّ شيء، والحيوان بعد الموت شيء آخر، فلا مجال لاستصحاب الطهارة من حال الحياة إلى حال الموت، فيرجع حينئذٍ إلى قاعدة الطهارة لا إلى استصحابها.

وبناءً على هذا التحليل، يتبيّن أنّ السيّد اليزدي (قده) قد خالف المشهور، وخالف الشيخ الأعظم في جعل "غير المذكى" مساوياً للميتة، كما خالف الفاضل التوني في بعض ما بنى عليه.

وأمّا الفائدة التي استفدناها من كلام السيّد اليزدي (قده)، فهي أنّه قدّم لنا تصوّرات واضحة عن معنى الميتة، وبيّن اختلاف الوجوه المحتملة في تحديد هذا العنوان، وما يترتّب على كلّ احتمال من جهة جريان الأصول العملية.

وبهذا يتمّ تمام ما يرتبط بما أفاده السيّد اليزدي (قده) في هذا المبحث.

 

[ سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَ سَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَ الْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ]

 


[1] - حاشية السيد اليزدي على فرائد الأصول، ج3، ص213 وما بعدها:.