بحث الفقه الأستاذ سید علي الموسوي اردبیلي

46/10/15

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: أحکام الأولاد/ أحکام الحضانة/ أقوال الفقها في المسألة – القول الرابع

 

طرحنا في الجلسة السابقة اعتراض ابن إدريس على دعوى الشيخ في الخلاف.

وقد ردّ العلامة في المختلف على كلام ابن إدريس فقال: «هذا القول جهل منه، لتضمّنه الجرأة العظيمة على الشيخ وعلى غيره من متقدّمي علمائنا ونسبة الشيخ إلى قول غير الحقّ‌، وما يدريه بالإجماع والخلاف وما ورد من الأخبار، ولعلّ‌ هذه المسألة كانت إجماعيّة في زمن الشيخ رحمه الله، أفتى بها من كان في زمانه من المعتبرين، والصدوق وابن الجنيد من أكابر علمائنا قالا بذلك، وقد تلونا الخبر الدالّ‌ عليه.»[1]

ويشير في ذيل كلامه إلى مرسلة المنقري، غير أنّ هذه المرسلة لا تدلّ على ما ذكر من اختصاص حضانة الأُمّ بالابن إلى سبع سنين وبالبنت إلى تسع، بل ظاهرها أنّ الحضانة تثبت للأُمّ مطلقاً؛ كما أنّ قول الصدوق لا يوافق دعوى الشيخ في الخلاف.

ولهذا قال صاحب الحدائق: «لا ريب أنّ كلام ابن إدريس جيّد، لكنّ الأولى الاقتصار على بيان المسألة من غير تعرّض للإزراء بالشيخ رحمة الله عليه.»[2]

وأمّا الفاضل المقداد فإنّه قال في الاستدلال لهذا القول: «لا شكّ أنّ الباري سبحانه تعلّقت عنايته بتربية الولد غير المميّز، ولهذا أنّ كلّما قربت حاجته إلى التربية يزيد الله في محبّة الأبوين له وبقدر نقصان الحاجة إليهما ينقص محبّتهما له. ولا ريب أنّ محبّة الأُمّ للطفل أكمل وأزيد من محبّة الأب، وليس ثمّ حكمة لتلك الزيادة إلا للتربية، فتكون تلك الزيادة المرجّحة لحضانة الأُمّ. وحينئذٍ يكون قول الشيخ في المبسوط والخلاف قريباً إلى الصواب، بل هو أولى بالصواب.»[3]

غير أنّه يُلاحظ عليه أوّلاً: أنّه من قبيل استحسان، ولا يصحّ اتخاذه مستندًا لإثبات حكم شرعي.

وثانياً: أنّه لو سُلّم بتماميّة هذا الاستدلال، فإنّ غايته إثبات أحقّيّة الأُمّ بحضانة الطفل غير المميّز، سواء أكان ذكراً أم أُنثى، دون أن يدلّ على التفصيل الوارد في هذا القول بين الابن والبنت.

القول الرابع: الحضانة في مدّة الرضاع للأُمّ مطلقاً وبعده إلى سبع سنوات بالنسبة إلى البنت فقط

قال الشيخ في النهاية: «الأُمّ‌ أولى بالولد من الأب مدّة الرضاع. فإذا خرج عن حدّ الرضاع، كان الوالد أحقّ‌ به منها إذا كان الولد ذكراً. فإن كانت أُنثى فهي أحقّ‌ بها إلى سبع سنين.»[4]

وذهب إلى هذا القول ابن زهرة أيضاً وادّعى الإجماع عليه. [5] وقد نقله العلامة عن ابن البرّاج في كتابه «الكامل».[6]

وقد قبله جمع من الأعلام، منهم: ابن حمزة، وابن إدريس، والمحقّق الحلّي، والفاضل الآبي، والعلامة في القواعد والمختلف والإرشاد والتحرير والتبصرة، والشهيد الأوّل في اللمعة، والصيمري، والشهيد الثاني في الروضة، وصاحب الرياض، وصاحب الجواهر[7] [8] [9] [10] [11] [12] [13] [14] [15] [16] [17] [18] [19] [20] [21] من الذي ادّعی أنّ هذا القول هو الأشهر بل المشهور[22] .

قال الفاضل الآبي في بيان مستنده: «إنّ‌ الأب له استحقاق الولاية، فمصلحة المولود مفوّضة إليه، لكن ترك العمل بذلك في البنت إلى سبع للإجماع وعمل به في الباقي، فلولا الإجماع في سبع لما قلنا بذلك.»[23]

فهذا الاستدلال مبنيّ على ما تقدّم من قبوله لنسخة من كتاب «مسائل الرجال» التي وردت فيها صحيحة أيّوب بن نوح بتعبير «تسع سنين»، وفي هذه الحالة لا يكون للتفصيل القائل بسبع سنين مستند روائي، فلا يصحّ الاعتماد عليه إلا استناداً إلى دعوى الإجماع.

غير أنّه قد ظهر من تتبّع الأقوال المتقدّمة أنّ هذه الدعوى لا أساس لها.

وقال العلامة في المختلف في توجيه هذا القول: «لنا: ما رواه داود بن الحصين عن الصادق(ع)... وما رواه فضل أبو العباس... وما رواه الصدوق في كتاب «من لا يحضره الفقيه» عن أيّوب بن نوح... وإنّما حملناه على الأُنثى جمعاً بين الأخبار.»[24]

وحاصل دعواه أنّ مقتضى موثّقة داود بن الحصين وخبر فضل أبي العبّاس أنّ الأب أحقّ بالحضانة بعد مدّة الرضاع، لكن ترفع اليد عن هذا الإطلاق في خصوص البنت بحمل صحيحة أيّوب بن نوح على الأُنثى، فينتج عنه ما ذهب إليه الشيخ في النهاية.

ثمّ ردّ العلامة على الاستدلال بمرسلة المنقري التي استند إليها الصدوق في المقنعة قائلاً بتأويلها على وجهين:

الأوّل: أنّ المراد بها أحقّيّتها إذا رضيت بمثل الأُجرة التي يأخذها غيرها في الرضاع والتربية، استناداً إلى رواية أبي العبّاس.

والثاني: حملها على صورة كون الأب عبداً، لما رواه داود الرقّي. [25]

ويرد علی دعواه الأُولی أنّ حمل صحيحة أيّوب بن نوح على البنت خاصّة في مقام الجمع بينها وبين سائر الأخبار، هو جمع تبرّعي لا شاهد عليه؛ بل إنّ مقتضى قواعد الجمع بين المطلق والمقيّد هو أن تقيّد الأخبار المطلقة الدالّة ـ على فرض صحّة أسانيدها ومداليلها ـ على أولويّة الأب في الحضانة مطلقاً بهذه الصحيحة، فيحمل إطلاقها على ما بعد سبع سنين، سواء كان الولد ذكراً أو أُنثى.

نعم، ذكر صاحب الجواهر شاهداً على جمع الأخبار علی النحو المذکور فقال في مقام توجيهه: «الشاهد الإجماع المحكيّ فيهما المؤيّد بالاعتبار، إذ الوالد أنسب بتربية الذكر وتأديبه، كما أنّ الوالدة أنسب بتربية الأُنثى وتأديبها.»[26]

والضمير في «فيهما» يرجع إلى كتابي الغنية والسرائر.

غير أنّا بيّنا سابقاً أنّ دعوى الإجماع المذكور موهونة بالنظر إلى الأقوال المتعدّدة التي سبق ذكرها، كما أنّ الاعتبار الذي تمسّك به لا يصلح أن يكون شاهداً عرفيّاً للجمع بين النصوص.

وسنناقش إن شاء الله في الجلسة القادمة ما أورده العلامة من تأويل لمرسلة المنقري.


[1] مختلف الشيعة، العلامة الحلي، ج7، ص309.
[2] الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، البحراني، الشيخ يوسف، ج25، ص88.
[3] التنقيح الرائع لمختصر الشرائع‌، الفاضل مقداد‌، ج3، ص272.
[4] النهاية، الشيخ الطوسي، ج1، ص503.
[5] غنية النزوع إلى علمي الأصول والفروع، ابن زهرة، ج1، ص387.
[6] مختلف الشيعة، العلامة الحلي، ج7، ص307.
[7] الوسيلة، ابن حمزة الطوسي، ج1، ص288.
[8] السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي، ابن إدريس الحلي، ج2، ص651.
[9] المختصر النافع في فقه الامامية، المحقق الحلي، ج1، ص194.
[10] شرائع الإسلام في مسائل الحلال و الحرام -ط اسماعیلیان)، المحقق الحلي، ج2، ص289.
[11] كشف الرّموز، الفاضل الآبي، ج2، ص200.
[12] قواعد الأحكام، العلامة الحلي، ج3، ص102.
[13] مختلف الشيعة، العلامة الحلي، ج7، ص307.
[14] إرشاد الأذهان إلى أحكام الإيمان، العلامة الحلي، ج2، ص40.
[15] تحرير الأحكام الشرعية على مذهب الإمامية، العلاّمة الحلّي، تحقيق إبراهيم البهادري، ج4، ص12.
[16] تبصرة المتعلمين في أحكام الدين، العلامة الحلي، ج1، ص143.
[17] اللمعة الدمشقية، الشهيد الأول، ج1، ص176.
[18] غاية المرام في شرح شرائع الإسلام، الصيمري البحراني، الشيخ مفلح، ج3، ص177.
[19] الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية، الشهيد الثاني، ج5، ص458.
[20] رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج12، ص157.
[21] جواهر الكلام، النجفي الجواهري، الشيخ محمد حسن، ج31، ص291.
[22] جواهر الكلام، النجفي الجواهري، الشيخ محمد حسن، ج31، ص290.
[23] كشف الرّموز، الفاضل الآبي، ج2، ص201.
[24] مختلف الشيعة، العلامة الحلي، ج7، ص307.
[25] مختلف الشيعة، العلامة الحلي، ج7، ص308.
[26] جواهر الكلام، النجفي الجواهري، الشيخ محمد حسن، ج31، ص291.