الأستاذ السيد علي‌اکبر الحائري
بحث الأصول

47/05/24

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: الأصول العملية / تنبيهات حول دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر / التنبيه الثاني: دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر في المحصّل

1- التنبيه الرابع: دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر في المحصّل

قال المحقق النائينيّ رضوان الله تعالى عليه: لا فرق بين المحصّل الشرعيّ والمحصّل العرفيّ، فكما يجب الاحتياط في الثاني فكذلك يجب في الأوّل أيضاً، وذلك بعدّة وجوه استدلّ بها، حيث ذكر شروطاً ثلاثة للبراءة، كان الشرط الأوّل وجود الشكّ، والشرط الثاني أن يكون هذا الشيء الذي نجري عنه البراءة – أي الأمر المشكوك – أمره بيد الشارع رفعاً ووضعاً حتّى تكون البراءة صالحة للجريان، أمّا إذا كان من الأمور التي ليس أمرها بيد الشارع بما هو شارع فلا معنى لإجراء البراءة عنه. والشرط الثالث أن تكون البراءة موجبة للتوسّع لا للضيق على المكلّفين.

1.1- الوجه الثاني للزوم الاحتياط في بيان المحقّق النائيني رحمه الله

وكان الوجه الثاني عبارة عن أنّ البراءة لا تجري؛ لأنّ الشرط الثاني من شروط البراءة مفقود، فعند الشكّ في أنّ تحصيل الطهارة عن الحدث هل هو بإجراء غسلة واحدة أو غسلتين، هذا لا يكون أمره بيد الشارع رفعاً ووضعاً؛ لأنّ الشارع لا يجعل الجزئيّة لهذا السبب وإنما يوجب الغسلتين أو غسلة واحدة، لا أنّه يقول إنّني جعلت الغسلة الثانية جزءاً للسبب لتحصيل الطهارة، فليست الجزئّية من الأمور التي رفعه ووضعه بيد المولى، وإنّما إذا أراد أن يوجب غسلتين لتحصيل الطهارة يقول عند تحصيل الغسلتين أجعل وأشرّع الطهارة، لا بجعل الجزئيّة لهذا السبب بأن تكون الغسلة الثانية جزءاً لسبب تحصيل الطهارة.

وعليه فكون الغسلة الثانية جزءاً لسبب تحصيل الطهارة عن الخبث غير صالح للبراءة؛ لأنّه يفقد الشرط الثاني من الشروط الثلاثة التي ذكرها لجريان البراءة.

ولأستاذنا الشهيد رضوان الله تعالى عليه إيرادان على هذا الكلام، والإيراد الأوّل أكملناه.

1.2- الإيراد الثاني على الوجه الثاني

والإيراد الثاني أنّا ننكر أساساً هذا الشرط الذي هو أن يكون الأمر المرفوع بيد الشارع رفعه ووضعه، بل إنّما الشرط الذي يمكن ذكره للبراءة بدلاً عن هذا الشرط الثاني هو أن يكون صالحاً للرفع الظاهريّ، ومعنى الرفع الظاهري عدم إيجاب الاحتياط، فلا بدّ وأن يكون صالحاً لإيجاب الاحتياط، لا أقلّ ولا أكثر.

فنقول: صحيحٌ أنّ جعل الجزئيّة ليست بيد الشارع وإنّما الشارع يجعل وجوب الغسلتين لا أنه يقول أنا جعلت الغسلة الثانية جزءاً للسبب للتطهير عن الخبث، لكنّه يكفي لجريان البراءة عن الجزئيّة أن تكون صالحة لإيجاب الاحتياط، والبراءة معناها أنّني لم أجعل الاحتياط، وليس معناها رفع الحكم الموضوع، فالبراءة إنّما عبارة عن عدم وضع الاحتياط، فـالشارع كان بإمكانه أن يوجب الاحتياط ولم يفعل، هذا معنى البراءة.

وهذا ممكن في ما نحن فيه وصالح؛ لأنّه بإمكانه أن يوجب الاحتياط عند الشكّ في أنّ السبب للتطهير عن الخبث هل هو غسلة أو غسلتان، ولكن يقول إنّني لم أجعل الاحتياط. هذا هو الإيراد الثاني على كلام المحقّق النائينيّ رضوان الله تعالى عليه.

1.3- الفرق بين المحصّل الشرعي والمحصّل العرفي

وتحقيق الحال في الفرق بين المحصّل الشرعيّ والمحصّل العرفيّ أنّ كونَه محصّلاً عرفيّاً في المحصّل العرفيّ قرينةٌ على أنّ الشارع تبارك وتعالى لم يتصدَّ لبيان المحصّل، وإنما جعل أمر المحصّل بيد المكلّف، فهذا أمر عرفيّ أنت تكفّل به، فانظر أنّه بمَ يحصل القتل فحصّله، برصاص؟ أو بأكثر؟ فنفس كونه عرفيّاً قرينة على ما ذكر من أنّ الشارع تبارك وتعالى لم يتدخّل ولم يتصدّ لبيان المحصّل.

وفي موارد المحصّل الشرعيّ بما أنّه لا يوجد عرفاً محصّل فنفس هذا قرينة على أنّ الشارع هو الذي تصدّى لبيان المحصّل، فيسمّى بالمحصّل الشرعيّ، فهذا حقيقة الفرق بين المحصّل العرفيّ والمحصّل الشرعيّ.

فإذا أجرى الشارع تبارك وتعالى البراءة في المحصّل الشرعيّ يعني أنّه تصدى وبتصدّيه لبيان المحصّل الشرعيّ قرّر على أنّه لا يوجب على الناس الاحتياط.

والحمد لله رب العالمين.