التفسیر الأستاذ محسن الفقیهی

47/05/21

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: تفسیر قرآن الکریم/سورة البقرة /آیة المأتان و الرابع و الثلاثون

 

﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾[1]

يدور الحديث حول تفسير الآية الرابعة و الثلاثين بعد المائتين من سورة البقرة.

يقول الله تعالى: من يتوفّى منكم و يترك أزواجاً، على تلك النساء أن يعتددن لأنفسهن مدّة أربعة أشهر و عشرة أيّام. و العبارة ﴿يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً﴾ تعني أنّ على هؤلاء النساء أن يصبرن أربعة أشهر و عشرة أيّام و لا يتزوجن.

مدی الحکم:

إطلاق الآية يشير إلى أنّ حكم عدّة الوفاة يشمل جميع النساء؛ سواء كنّ مدخولاً بهن (أي الزوجة التي قاربها زوجها) أو غير مدخول بهن، و سواء كنّ يائساتٍ أو غير يائسات. بناء على ذلك، كلّ امرأة يتوفّى عنها زوجها يجب أن تراعي عدّة الوفاة، أي أربعة أشهر و عشرة أيام.

بلوغ الأجل و إطلاق المرأة:

یقول الله- تعالی: ﴿فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ...﴾؛ هذا يعني أنّه عندما تنتهي هذه المدّة، فلا حرج أو إشكال بعد ذلك إن قامت تلك المرأة بما تراه مناسباً في شأن نفسها (من زواج أو قرارات أخرى).

قوله- تعالی ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ﴾ الخطاب موجّه إلى المحيطين بها و الأقارب؛ أي أنّ الأب أو الأمّ أو أقارب الزوجة أو عائلة الزوج لا يحقّ لهم التدخّل في شأنها بعد انتهاء العدّة. تقديم المشورة لا إشكال فيه، لكن تحمیل الرأي أو منع الزواج، ممنوع. فبعد انتهاء العدّة، المرأة حرّة في اتخاذ أيّ قرار (أن تتزوج أو لا تتزوج) و ليس لأحد الحقّ في منعها.

تحذير أخلاقي و إلهي:

في نهاية الآية قال: ﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾؛ أي إنّ الله خبير و عليم بما تفعلونه. فعلى المرأة أن تكون حذرةً من تصرّفاتها في فترة العدّة؛ بمعنى أن تمتنع عن الزينة و تراعي الحدود الشرعيّة، و على المحيطين بها أن يتجنّبوا الظلم و التدخّل من غير مبرّر.

مقارنة بعصر الجاهلية:

 

في زمن الجاهلية، كانت هناك عادات قبیحة جدّاً بشأن المرأة التي يموت عنها زوجها: ففي بعض الأحيان كانت تُدفن مع زوجها حيّةً. و كان البعض يحرقها. و مجموعة أخرى كانت تمنع الزواج مجدّداً على المرأة بشكل مطلق. لكن الإسلام وضع حكماً لعدّة الوفاة لإنهاء هذا الإفراط و التفريط، و ذلك لكي: يُحفظ احترام الزوج بمدّة أربعة أشهر و عشرة أيّام للعدّة، و بعد ذلك تصبح المرأة حرّةً في الزواج.

حکم المرأة الحامل:

إذا كانت المرأة حاملاً حين وفاة زوجها، فالحكم مختلف. يقول القرآن الكريم: ﴿وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾ أي إنّ عدّة المرأة الحامل هي وقت وضع حملها. بناءً على ذلك، إذا كانت المرأة حاملاً، فإنّ عدّتها تستمرّ حتّى وقت ولادة الطفل، سواء استغرقت ستّة أشهر، سبعة أشهر أو تسعة أشهر.

إذا وضعت حملها قبل أربعة أشهر و عشرة أيام، فيجب عليها أن تراعي أكثر العدة؛ أي أن تكمل أربعة أشهر و عشرة أيام، لأنّ احترام الزوج يقتضي ذلك. أما إذا كانت مدة الحمل أطول من أربعة أشهر وعشرة أيام، فإنّ نهاية عدّتها تكون وقت الولادة.

الفرق بين عدّة الوفاة و عدّة الطلاق:

في الطلاق، إذا كانت المرأة حاملاً، فعدّتها هي مدّة حملها؛ أي تنتهي عدّتها بمجرد وضع الحمل. أمّا في وفاة الزوج، إذا وضعت حملها قبل أربعة أشهر و عشرة أيام، فيجب عليها أن تنتظر حتّى نهاية هذه المدّة. هذا الفرق يدلّ على الاحترام الخاص لدی الإسلام للزوج المتوفّى.

النقطة الختامية:

توجد ثلاث نقاط أساسيّة في عدّة الوفاة:

احترام الرابطة الزوجيّة و الحفاظ على حرمة الزوج.

الحفاظ على النظام الاجتماعي و تجنّب اختلاط الأنساب.

تحرير المرأة من ظلم الجاهلیّة و قیودها.

في الختام، يحذّر الله بأنّه عليم بكلّ أعمال العباد؛ سواء قصّرت المرأة في مراعاة العدّة، أو قام المحيطون بها بظلمها.

 


[1] سورة البقرة، آية 234.