الأستاذ الشيخ ناجي طالب

بحث الأصول

38/02/09

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : أحكام الجبائر

وإن كان الجرحُ في موضع المسح ولم يمكن المسحُ عليه فالواجبُ حينـئذٍ هو وضْعُ خرقةٍ طاهرة والمسح عليها بنداوة ، وذلك لمعتبرة عبد الأعلى السالفة الذكر قبل بضعة أسطر فإنه لا فرق بين أن يوجد خرقة أو أن نضعها نحن في حالة الضرورة ، فالوضوء في كلتا الحالتين ناقص ، والتعليلُ بالحرجِ يَصْدُقُ في كلتا الحالتين ، ولا دليل على احتمال وجوب التيمم في هكذا حالة ، والأصل البراءةُ ، ولك أن تؤيّد ذلك بعدّة تأيـيدات : منها قاعدةُ الميسور، ومنها لزومُ التمسّك بالعموم الأعلائي في حالات الشكّ ، وهو وجوب الوضوء ، ومنها أصالةُ عدمِ مشروعيّة سنخ آخر من أنواع الطهارات الثلاثة ، أو قُلْ : مع إمكان المبدَل لا دليل على الإكتفاء بالبدل .

وإن لم يمكن المسحُ أصلاً ـ حتى مع وضْعِ خرقةٍ طاهرة عليه والمسح بنداوة ـ سقط أصلُ وجوب المسح ، لعدم التمكّن منه ، ويتيمّم ، وذلك لعدم صدْقِ الوضوءِ من دون المسح أو من دون غَسْل ، فإنّ الغَسْل والمسح مقوّمان للوضوء ، ولوحدة المناط مع روايات التيمّم على المجنب الذي عليه جبـيرة ، من قبـيل ما رواه في يب بإسناده ـ الصحيح ـ عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد (ابن خالد أو ابن عيسى) عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن داوود بن السرحان عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل تصيـبه الجنابةُ وبه جروح أو قروح أو يخاف على نفسه من البرد ؟ فقال : ( لا يغتسل ، ويتيمم )[1] صحيحة السند .

وإن كان مجبوراً وجب غسل ما حول الجبـيرة مع مراعاة الشرائط والمسحُ على الجبـيرة إن كانـت طاهرةً أو أمكن تطهيرُها ، حتى وإن كان في موضع الغَسْل ، وذلك بالإجماع واستدلّوا على ذلك بصحيحتَي الحلبي[2] وكُلَيب الأسدي السابقتين ومرسلة زيد بن عليّ .

وقد تقول : لكنْ في صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج السابقة قال : سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن الكسير تكون عليه الجبائرُ أو تكون به الجراحة كيف يصنع بالوضوء وعند غُسل الجنابة وغُسل الجمعة ؟ فقال : ( يغسل ما وصل اليه الغَسلُ مما ظهر مما ليس عليه الجبائر ، ويدع ما سوى ذلك مما لا يستطيع غسلَه ، ولا ينزع الجبائر ويعبث بجراحته )[3] ليس فيها لزومُ المسح على الجبـيرة !

فنقول : هذا صحيح ، لكنْ مع وجود الروايات الثلاثة السالفة الذكر يَصْعُبُ القولُ بعدم وجوب المسح على الجبائر .

والظاهر عدمُ تعيُّنِ المسحِ حينـئذ فيجوز الغسلُ أيضاً ، كما هو ظاهر الشهيدين ، وذلك لأقربـيّة الغَسْل من المسح ولمعلوميّة كون المسح بدلاً من الغَسل ، فإذا أمكن الغسلُ فهو اَولَى من المسح قطعاً لأنه الأصلُ ، فإننا نـفهمُ من المسح على الجبـيرةِ بدليّةَ الجبـيرةِ عن البشرة ، فكما يجب غسْلُ البشرة يجب غسلُ الجبـيرة ، وذلك لأنّ المسح على الجبـيرة هو في مقابل غسل البشرة ، ولذلك إذا أمكن ـ من دون ضرر ولا حرج ـ أن يرمس يدَه المجبّرةَ في الماء وجب ذلك ، كما رأيتَ في موثّقة عمّار السالفة الذكر ، ويُفهم ذلك من صحيحة الحلبي أيضاً ، ولذلك سوف تفهم من روايات المسحِ إجزاءَ المسحِ عن الغسلِ ، أي الرخصة في المسح لا تعيّنَ المسحِ . واحتملوا في نهاية الأحكام وكشف اللثام أن يكون المراد من المسح هو الغسل ، وعن شرح المفاتيح للوحيد تـنـزيلُ النصوص والفتاوى عليه .

ولا يلزم أن يكون المسح بنداوة الوضوء إذا كان في موضع الغسل ، وذلك للإطلاق .

 


[1] وسائل الشيعة، الحر العاملي : ج2، ب5 من أبواب التيمّم، ح8، ص968، الاسلامية .
[2] فعن الحلبـي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه سأل عن الرجل تكون به القَرحةُ في ذراعه أو نحو ذلك من الوضوء فيعصبها بالخرقة ويتوضأ ويمسح عليها إذا توضأ ؟ فقال (عليه السلام) : ( إذا كان يؤذيه الماءُ فليمسحْ على الخرقة، وإن كان لا يؤذيه الماءُ فلينزعِ الخرقةَ ثم ليغسلها ) ومثلُها صحيحةُ كُلَيب ومرسلة زيد بن عليّ.
[3] وسائل الشيعة، الحر العاملي : ج1، ب39 من أبواب الوضوء، ح1، ص326، الاسلامية .