الأستاذ الشيخ ناجي طالب

بحث الأصول

37/08/13

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : هل يستحقّ الممتـثِلُ الثوابَ على فِعْلِ الواجب أم لا ؟

هل يستحقّ الممتـثِلُ الثوابَ على فِعْلِ الواجب أم هو من باب الـمَنِّ والتـفضّل ؟

إختـلف العلماء في ذلك ، فقال بعضهم بالإستحقاق وقال البعضُ الآخر بعدمه ،

وجه الإستحقاق هو أنه إن كان القيام بعبادة المولى عزّ وجلّ من باب الشكر له تعالى على ما وهبه للإنسانِ من حياة وعقل ودِين ونِعَمٍ ، فقد قيل بأنه يستحقّ الثوابَ عقلاً ، وذلك بادّعاء عدم وجوبها عليه ، ولعلّ المشهورَ بين الفقهاء والمتكلّمين هو هذا القول ، ولعلّ دليلهم هو ما ذكرنا ، وبما أنّ الأمر خطير فلا مصلحة في أن نـتكلّمَ فيه ، فلا يوجد مؤمنٌ في العالَم يتجرّأ ويقول بأننا نمنّ على الله جلّ وعلا بعبادتِه ، فإننا إن قلنا أمام الله تعالى هذا الكلامَ لَعَلّهُ يُخرِجُنا من رحمته ويحاسبنا في الدنيا والآخرة بِعَدْلِه ، نعوذ بالله من ذلك ... لذلك تركنا هذا البحثَ لغيرنا ، فنحن مجرّدُ عبـيدٍ لله جلّ وعلا وتحت ظلّ حنانه ، نـتـنفّس برَوحه ونحيا بـِمَـنِّـه ، ولو رفع ربُّنا كَرَمَه عنّا وأوكلنا إلى أنفسنا لَوَقَعْنا في محاذيرَ لا يَعْلَمُها إلاّ هو تعالى ، نعوذ بالله من ذلك .

ودليلُ المنّ والـتـفضّل وجهان : الأوّل : إنه إنْ كان أداءُ الواجب الشرعي من باب الدَين للمولى على عبده ، فلن يستحقّ العبدُ أيّ ثواب ، والثاني : إنّ كلّ ما يصنعه العبد ويتركه هو لمصلحته ، لا لمصلحة المولى جلّ وعلا ، فلا وجه لاستحقاق الثواب . ذهب إلى ذلك جماعةٌ من العلماء . قال الشيخ المفيد : (إنّ العبد ليس أجيراً في عمله للمولى ليستحق الثواب عليه ، وإنما جرى ومَشَى على طبق وظيفته ومقتضى عبوديته ورِقِّـيَّـتِه ، ولكن الله سبحانه وتعالى هو الذي يتـفضل عليه بإعطاء الثواب والأجر)[1] .

ولعلّنا نكتب في هذا الأمر إن شاء الله ، لكن على مستوى العرفان وما فهمتُه من أساتذتي ولا أدّعي معرفة الحقيقة فإنها أكبر منّي ، يقولون إنه في المراحل الأولى من مراحل الفيض الإلهي طلبَتْ كلُّ خليقةٍ درجةً معيّنةً من الكمال في تلك المرحلة ، واستعدّ بعضُهم أن يتحمل أمانة الوَلاية لله ، فأوجبت هي على نفسها هذه الواجبات ، فكانوا اُناساً ، وبعضهم رَفَضوا ذلك فكانوا حجارةً أو تراباً ونحو ذلك ، قال الله تعالى ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَـيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً (72) ﴾ [2] ، قالوا هي أمانة الولاية ، قال الله ( هُنَالِكَ الوَلايَةُ للهِ الحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَاباً وَخَيْرٌ عُقْباً (44))[3] ، في اللغة : الوَلاية ـ بالفتح ـ هي الربوبـيَّة والنصرة ، وفي روايتين : هي ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وفسّرها الشيخ ابراهيم الكفعمي بقوله (يومئذ يتولون الله ويؤمنون به ويتبرؤون مما كانوا يعبدون ، وقيل الولاية بالنصرة لله تعالى يوم القيمة خالصة له لا يملكها سواه ، هنالك يَنصُرُ المؤمنين ويَخْذُلُ الكافرين)[4] ، فلا يـبعد أن تكون الأمانة التي عرضها الله تعالى على الخلائق فأبَين أن يحملنها وأشفقن منها لثقلها هي أمانة الولاية ، وحملها الإنسان ... يُتبع إن شاء الله تعالى

 


[1] راجع أوائل المقالات، للشيخ المفيد، ص111، ( ضمن القول في نَعِيم الجنّة، أهو تفضّلٌ أم ثواب ؟ ) طبعة المؤتمر العالمي.
[2] سورة الأحزاب، آيه 72.
[3] سورة الكهف، آيه 44.
[4] جنة الأمان الواقية وجنة الإيمان الباقية المشتهر بـ (المصباح)، تأليف الشيخ تقيّ الدين إبراهيم بن علي الحسن بن محمد بن صالح العاملي الكفعمي، الطبعة الثالثة، ص332.