الأستاذ الشيخ ناجي طالب
بحث الأصول
37/07/28
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع : الشرط المـتأخّر
الشرط المـتأخّر
كان الكلام في مقدّمة الواجب كالسير إلى الحجّ والوضوء ، وفي قيود الواجب كـتـقيّد الصلاة بالطهارة ... وتكلّمنا عن صحيحة محمد بن قيس التي كانت تـتكلّم عن البـيع الفضولي .
والكلام اليوم هو في رواية الكافي أيضاً عن أبي علي الأشعري عن محمد بن عبد الجبار عن علي بن مهزيار قال : كتبتُ إليه (عليه السلام) : إمرأةٌ طَهُرَتْ من حيضها أو من دم نفاسها في أول يوم من شهر رمضان ثم استحاضت ، فصَلَّتْ وصامت شهرَ رمضان كلَّه من غير أن تعمل ما تعملُ المستحاضةُ من الغُسل لكل صلاتين ، فهل يجوز صومها وصلاتُها أم لا ؟ فكتب (عليه السلام) : ( تقضي صومَها ولا تقضي صلاتها ، إنّ رسول الله (ص) كان يأمر فاطمةَ صلوات الله عليها والمؤمناتِ من نسائه بذلك )[1] صحيحة السند ، هكذا روَوها في الكافي والتهذيب والفقيه وعلل الشرائع ، إلاّ أنّ الشيخ الصدوق رواها في الفقيه وعلل الشرائع هكذا في آخرها : ( لأنّ رسول الله (ص) كان يأمر المؤمنات من نسائه بذلك ) . وقولُه (عليه السلام) ( ولا تقضي صلاتَها ) مخالفٌ لما هو معروف عندنا من وجوب قضاء صلاتها أيضاً لعدم تمام طهارتها ، ولكنْ عدمُ صحّةِ بعض كلام الثقة لا يُسقِطُ سائرَ كلامِه عن الحجيّة كما هو محقّق في محلّه .
على كلٍّ ، قال المحقّق الخراساني في الكفاية ـ وتبعه على ذلك المحقّقُ النائيني والشهيد السيد محمد باقر الصدر ـ تعليقاً على رواية المستحاضة بإمكان أن يقيَّدَ الصيامُ بالغُسل بعد انـتهاء الصيامِ زمانياً ، وذلك بأن تقول إنّ صيام المستحاضة الصحيح هو المتعقَّبُ بالغُسْل بعد الغروب .
فأقول : يَرِدُ على هذا القول أنه وإن كان الأمر ممكناً ثبوتاً ، إلاّ أنه لا دليل عليه إثباتاً ، لا من خلال هذه الرواية ولا من خلال غيرها .
تـفصيل ذلك : قال العلماء : قولُه (عليه السلام) ( تقضي صومَها ) لأنها لم تغتسل لكلّ صلاتين مردّد بين سبَـبَين : فإمّا أنها يجب عليها أن تقضي صومَها لأنها لم تغتسل كلّ الأغسال : ما كان قُبَـيل الفجر وما كان عند الظهر وما كان في الليل التالي ، وإمّا لأنها لم تغتسل قبـيل الفجر وعند الظهر ، ولا إحتمال ثالث ، والإحتمال الأوّل غير عرفي ـ وهو احتمال دخالة غسل الغروب التالي في صحّة صيامها السابق ـ إذ أنّ كلّ المتشرّعة يرَون أنّ صيامها قد انـتهى ، ولذلك كان المنصرَفُ إليه هو الثاني ، على أنه لا ظهور في تقيّد صيامها بغسل الليلة التالية ، ولذلك لك أن تجري البراءة عن احتمال تقيّد صيامها بالغُسل التالي . وبهذا قال جماعة من أصحابنا[2] . ولذلك كان مِنَ الخطأ أيضاً التمثيلُ للشرط المتأخّر بهذه الرواية.
والنـتيجة هي أنـنا لم نرَ في الشرع مـثـالاً على الشرط المـتـأخّر عن المعلول .
وقد ظهر لك ممّا تـقدّم ما يلي :
1 ـ يطلَق الشرطُ على تـقيّد الواجبِ ـ كالصلاة مثلاً ـ بقيدٍ ما ، فالشرط ليس هو الكونَ على الطهارة ، وإنما الشرط هو تـقيُّدُ الصلاةِ بالكون على الطهارة ، وليس الكونُ على الطهارة إلاّ حالةً يَتّصف بها المـتـطهّرُ ، ولذلك يتّـصف هذا التـقيّدُ بالواجب النفسي كما قد يتّصف الشرط بالحرمة النفسيّة ككون المسير في أرض مغصوبة ، فنفسُ السيرِ ليس محرّماً قطعاً ، إنما المحرّم هو كون السير في الأرض المغصوبة . والذي يتّـصف بالواجب الغيري هو كون الإنسانِ على الطهارة ، السابقُ على الصلاة . لذلك كانت الشرائط داخلة دائماً في الواجبات ، كـتـقيّد الصلاة بكونها إلى القبلة ومع الستر وعن قيام ... هذه التقيـيدات كلّها شرائط ، وأمّا المـقدّماتُ الخارجة فهي ككون الشخص على الطهارة المتقدّمِ زماناً على الصلاة .
ومن الأمثلة العرفيّة قولُك لولدِك : إشترِ كلغ لحماً مشويّاً ، فالواجب ليس هو مجرّدَ شراء اللحم ، وإنما الواجب هو شراء اللحم المشوي ، فـتـقيّدُ اللحمِ بكونه مَشْوِيّاً هو شرط الواجب ، وهو داخل في الواجب ، ولذلك كان واجباً بالوجوب النفسي ، فليس هو خارجاً عن الواجب ، نعم ، شَويُ اللحمِ هو مقدّمة خارجيّة لـتحصيل شرط الواجب ، ولذلك ( شَوْيُ اللحمِ ) هو الذي يطلَقُ عليه (الواجب الغيري ) .
2 ـ لاحظتَ ممّا تقدّم أنّ كلام العلماء إنما هو في مقدّمة الواجب ، لا في مقدّمة الوجوب ، كتحقّق الزوال بالنسبة إلى تحقّق الوجوب الفعلي لصلاة الظهر ، وكحصول الإستطاعة بالنسبة إلى تحقّق الوجوب الفعلي للحجّ .
ومن هنا فلا وجه لما قد يُتوهّمُ من أنّ بقاء الحياة والقدرةِ إلى موسم الحجّ هما شرطان متأخّران ، فالشرط المتأخّر هو بقاؤه حيّاً وبقاءُ استطاعته إلى آخر الحجّ ، وإلاّ كشف عن عدم فعليّة الحجّ عليه ، فقيل بأنّ بقاءه حيّاً إلى دخوله الحرم المكّي يُسقط عنه وجوب القضاء، فهو بالتالي شرط متأخّر .
أقول : بقاؤه حيّاً إلى موسم الحجّ هو مقدّمة وجوبـيّة ـ وليس شرطاً متأخّراً وقيداً في الحجّ ـ ، مَثَـلُه كَمَثَلِ الزوال بالنسبة إلى وجوب صلاة الظهر تماماً ، فإذا بقيت الحياة إلى دخوله الحرمَ المكّي وإلى آخر الصلاة وإلى آخر الصيام كشف عن وجوبه الفعلي عليه ، وإلاّ ـ فإن مات قبل دخوله الحرمَ المكّي ـ كُشِفَ عن عدم وجوبه عليه من الأصل ، فلا يجب القضاء عنه .