الأستاذ الشيخ ناجي طالب

بحث الأصول

37/07/07

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : الأمر الرابع المرّة والتكرار

الأمر الرابع : هل تـفيد صيغة الأمر كـفايةَ الإمتـثالِ مرّةً أو يجب التكرار ؟

لا شكّ ولا خلاف في أنّ صيغة الأمر لا تفيد المرّة ولا التكرار ، وإنما هيأة ( إئْتِ ) بالصلاة مثلاً أو (إفعلْ) تفيد طلبَ إيجادِ الطبـيعة ، والطبـيعة توجَدُ بالفرد الأوّل ، فإذا أمرنا المولى بالصلاة مثلاً فإنّ العقل يكتفي بالصلاة الأولى ، وذلك لأنّ الطبـيعة المأمور بها توجد بالفرد الأوّل ، ومثالُها من القرآن الكريم [ وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ] [1] ، فإنْ حجّ الإنسانُ مرّةً واحدة فقد سَقَطَ الوجوبُ لا محالة .

أمّا صيغة النهي كقولك (السرقة حرام) (الظلم حرام) فهي أيضاً تفيد النهي عن الطبـيعة ، أي أنّ النهي متعلّق بالطبـيعة لا بالأفراد ، ولكن بما أنّ الطبـيعة لا تُنفى إلاّ بانتفاء كلّ أفرادها كان قولك (السرقة حرام) و (الظلم حرام) يفيد حرمة كلّ سرقة وكلّ ظلم ، وهذا واضح ، لأنّ النهي عن الطبـيعة نهي عن كلّ أفرادها ، لذلك قالوا بأنّ النهي شمولي ، وهذا الكلام شامل حتى في مثل قولك لصديقك ـ وأنتما قريـبان من عدوّكما ـ (لا تتكلّمْ فيسمعَنا) ، ففي هكذا حالة كلّ كلام ممنوع ، إلاّ إذا علم العدوُّ بوجودكم ، فح لا معنى لعدم التكلّم بعد .

إذن الأمر والنهي يفيدان الأمْرَ بالطبـيعة والنهي عن الطبـيعة ، فإنِ استـفدت من بعض المواردِ وجوب التكرار مثلاً فهو لقرينة خاصّة ، وذلك كما في قوله عزوجل [ أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الفَجْرِ ، إِنَّ قُرْآنَ الفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً (78)] [2] ومثل قوله سبحانه وتعالى [ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ] [3] فأنت هنا تستـفيد التكرارَ ، لكن بقرائن خارجيّة ، ككون طلب الصلاةِ عقيب كلّ دلوك للشمس ... لا من خلال صيغة الأمر ، لأنّ صيغة الأمر ـ كما تعلم ـ موضوعة لأصل الطلب ، مع غضّ النظر عن المرّة أو التكرار ، ومادةُ الأمر ـ كمادّة الصلاة في مثال (صَلِّ) ـ لا تفيد أكثر من طبـيعة الصلاة المهملة من ناحية المرّة أو التكرار ، ولذلك ترى كلّ علمائنا يقولون بأنّ مفاد (صَلِّ) هو وجوب الصلاة بنحو الإطلاق البدلي ، وح لا محلّ لجريان البراءة عن الزائد المشكوك .

نعم ، قد يحسن الزيادة في بعض الأحيان لتحصيل الغرض الأقصى ، كما لو قال لك صديقك (أعطِ هذا الفقيرَ ألفَ لِيرة) فأعطيتَه ألْفَ لِيرة ، ثم بعد قليل أعطيتَه ألفاً ثانياً ، وكما لو قال لك المولى (صَلِّ) فلكَ أن تكـتـفيَ بصلاة واحدة ، لكنك صلّيتَ صلاتين أو أكثر ، ولكن لا شكّ في كون الصلاة الثانية مستحبّةً لا واجبة . وعلى هذا يُحمَلُ استحبابُ صلاةِ الآيات مرّةً ثانية ما دامت الآيةُ باقيةً ، واستحباب إعادة الصلاة جماعة على من صلّى مفرداً، فإنهما يُحمَلان على حُسْنِ الترقّي في الدرجات العليا عند الله تبارك وتعالى وعلى زيادة القُرْبِ إليه عزوجل .

وقد لا يمكن الزيادة في الإمتـثال كما في دفْنِ الميّت .

الأمر الخامس : هل تـفيد صيغةُ الأمرِ الفَورَ أو التراخي ؟

لا شكّ ولا خلاف في أنّ صيغة الأمر لا تفيد الفور ولا التراخي ، أي السرعة بالإمتـثال أو التباطؤ فيه ، وإنما تفيد طلب الطبـيعة مع غضّ النظر عن الفوريّة أو التباطؤ . فقول المولى مثلاً (إقضِ الصلاةَ) تفيد وجوب الإتيان بالصلاة ، لا أكثر ، ولا تفيد لزوم الإسراع بالتـنفيذ أو جواز التباطؤ فيه ، ونتيجة لذلك : يجوز التراخي تمسُّكاً بالإطلاق المقامي ، إذ لو شاء الفوريّةَ لَذَكَرَ ذلك ، ولا داعي ـ بعد وضوح المطلب ـ للتمسّكِ بالبراءة .

الأمر السادس : الأوامر الإرشاديّة

لا شكّ في أنّ صيغة الأمر تدلّ على الطلب ، ولكنه قد يستفاد منها ـ بقرينة السياق ـ الجزئيّة أو الشرطيّة أو المانعيّة . فمثلاً : قول المولى لنا (إستقبلِ القِبلةَ بذبـيحتك) يستفيد منها كلّ مسلم إشتراط التوجّه بالذبـيحة أثناء ذبحها إلى القبلة لتـتذكّى ويحلّ أكلُها ...


[1] آل عمران : 97 .
[2] سورة الإسراء : 78 .
[3] البقرة : 185 .