الأستاذ الشيخ ناجي طالب

بحث الأصول

37/07/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : التعبّدي والتوصّلي والنـَّفْسِيّة والعَينيّة والتَّعْيِـينيّة

الأمر الأوّل : التعبّدي والتوصّلي

هل صيغةُ الأمر تدلّ بالإطلاق على عدم وجوب نيّة القربة في الفعل ـ كما في التطهير ـ أو لا ـ كما في الصلاة والصيام ـ ؟ بتعبير آخر : هل الأصلُ في الواجبات هو التعبّديّة أو التوصليّة ؟

الجواب : مِنَ المعلوم أنه يمكن التمسّكُ بالإطلاق المقامي ، إذ لو كان الواجب تعبّديّاً لَذَكَرَه المعصومون (عليهم السلام) ... ولنأخذِ (الخُمسَ) مثالاً في بحثـنا هذا[1] فنقول : قال الله تعالى [ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي القُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ .. ] [2] ، فالظاهر من عدم إبداء دليل على وجوب نيّة القربة فيه ، هو عدم اشتراط نيّة القربة ، وذلك لعدم كون الخمس ـ بمقتضى الروايات ـ صدقةً ـ بخلاف الزكاة التي هي صدقة ـ فنـتمسّك بالإطلاق المقامي لنـنفي اشتراطَ نِـيّة القربة ، بحيث لو أمسك شخصٌ المسدّسَ ووضعه في رأس زيد وقال له إدفع لي خُمْسَ مالِك وإلاّ قتلتك ، فأعطاه الخمس ، فهل يسقط الخمس من ذمّته في حال عدم نيّة القربة ، وهو قد دفعه من باب القهر والغلبة ؟ فأعطاه للغاصب ـ غصباً عنه ـ ، وفرَضْنا أنّ الغاصبَ ذهب إلى مجتهد ولم يَقُلْ له إنه أخذه بالغصب ، فاستجاز منه أن يعطيه لعائلة فقيرة جدّاً ، وفِعْلاً أعطاه لتلك العائلة الفقيرة جدّاً ، بمعنى أنّ دافع الخمسِ أحرزَ رضا الإمام (عج) بمصرف الخمس . المقصود هو أنّ دافعَ الخمسِ لم يَـنوِ نيّة القربة ، فهل تبرأ ذمّتُه أم لا ؟ الجواب : يجب القول ـ بمقتـضى هذه الآية ـ بـبراءة الذمّة ، وذلك لأنّ الخمس موجود في ماله ، فتَصَرَّفَ به الغاصبُ بإذن المجتهد وصَرَفَه في محلّه .

ثم اعلمْ أن نيّة القربة في العبادات تصحّ بأيّ وجه مقرِّبٍ إلى الله تعالى ، كأنْ تكونَ لوجه الله أو تقرّباً إلى الله ، أو امتـثالاً لوجهه عزوجل ، أو شكراً له ، أو طمَعاً في ثوابه ، أو خوفاً من عقابه ... ولذلك إذا حصل عندنا شكٌّ في وجوب نيّة القربة فلك أن تجري الإطلاق المقامي أو الأحوالي ، فإن لم يمكن فالبراءة ، ولا وجه لجريان أصالة الإشتغال .

يبقى الإشكال في خصوص نِـيّة القربة بمعنى (امتـثالاً لأمْرِه عزوجل) إذا أردت هذه النيّة بالخصوص ، فقد قيل إنّ هذا المعنى يورث التسلسل أو الدورَ ، والجواب معلوم وهو أنه يمكن كون الجعل الأوّل مهمَلاً ـ كأنْ يكونَ ( إدفعِ الخُمسَ ) ـ والجعلِ الثاني متمِّماً للجعل الأوّل أي بنحو (إمتَـثِلْ التكليفَ الأوّلَ بِـنِيّة القربة) ، على أنه ـ كما قلنا قبل قليل ـ يكفي في التعبّديّة أن يعمل الإنسان العمل قربةً إلى الله تعالى ونحو ذلك من المقرِّبات إليهQ ، فلا داعي لإتلاف الوقت فيما لا فائدة فيه .

الأمر الثاني : النـَّفْسِيّة والعَينيّة والتَّعْيِـينيّة

هل إطلاق صيغة الأمر يـقتـضي النفسيّة والعينيّة والتعيـينيّة أم لا ؟

لا شكّ في أنّ عدم تقيّد صيغة الأمر بكونه مقدّمةً لغيره يقتضي الإطلاق ، أي أنّ الأصل يقتضي أنّ الأمر هو نفسيّ ، لا غيري ، لأنّ كونَه غيرياً ، فيه تقيّدٌ زائد يُنفَى بالأصل العقلي والنقلي . فلو شككت في كون شيء نفسياً أو غيرياً لأجل أمر فلاني ، فالتقيّد بكونه لأجل أمر آخر فلاني هو قيد زائد بوضوح . وكذا الأمر فيما لو شككنا في كون المأمور عينيّاً على الشخص ـ كالصلاة والصيام ـ أو كفائيّاً ـ كوجوب دفْنِ الميّت والصلاة عليه ـ فإنّ العقلاء يرون أنّ الأصل في الطلب أن يكون عينياً ، إذ لو كان كفائياً لَذَكَرَه المتكلّمُ الحكيم ، وكذا الأمر في التردّد بين التعيـينيّة والتخيـيريّة ، إذ لو كان له عِدْلٌ لقال المتكلّمُ الحكيم أَعْتِقْ أو صُمْ أو أَطْعِمْ . ولذلك قال العلماء بجريان الإطلاق اللفظي ـ أي إطلاق صيغة الأمر ـ أو الإطلاق المقامي ، لِدَفْعِ احتمالِ الغَيريّة أو الكفائيّة أو التخيـيرية .

 


[1] كلامُنا هنا على مستوى علم الأصول فقط، وإلاّ ففي الفقه لا شكّ عندي في عدم وجود دليل شرعي صحيح على وجوب نـيّة القربة في الخُمس إلاّ في المال المجهول المالك فقط . راجِعْ كتابِي (الخُمس) .
[2] سورة الأنفال : 41 .