الأستاذ الشيخ ناجي طالب

بحث الأصول

37/07/03

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : التعبّدي والتوصّلي

تقدّم الكلام في التعبدي والتوصلي في الدرس السابق ونتعرّض الآن بمناسبة مثالنا في الدرس السابق حول عبادية الخمس وعدم عباديته فنقول :

قد تقول : الخمس من الأمور العبادية التي تحتاج إلى نية قربة ، فمع أخذ الوليّ الخمسَ من مال القاصر لم تتحقق هذه العبادة ، وعليه فلا يصحُّ إخراجُ الوليّ الخمسَ من مال القاصر لعدم تحقّقه شرعاً .

قلتُ : قيل في الجواب إنّ الخمس له جهتان ، جهة وضعية مالية ، وجهة تكليفية عبادية ، فهو أمْرٌ مركّب ، فإذا فرضنا أن الجهة التكليفية العبادية لا يمكن تحققها فلا تسقط الجهة المالية التي هي عبارة عن وجود خمس للآخرين في مال هذا القاصر ، على أنه يمكن للوليّ أن يحتاط بنية القربة نيابة عن القاصر أيضاً .

أقول : لكن لا يوجد دليل صحيح على عباديّة الخمس ، بمعنى أنه لا يوجد دليل على وجوب نيّة القربة فيه إلاّ في المالِ المجهول المالك .

بـيانُ ذلك : استُدِلّ على وجوب نِـيّة القربة في الخمس بعدّة أدلّة وكلُّها مخدوشةٌ ، ولنذكر أدلّتَهم والردَّ عليها :

أوّلاً : استُدِلّ بقوله تعالى [ وما أُمِرُوا إلا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ له الدِّين ] .

والجواب : هو أنه لا شكّ في وجوب الإخلاص في عبادة الله ، ولكن الكلام في أصل عباديّة الخمس .

ثانياً : اُستُدِلّ بقولِ رسول الله (ص) ( إنما الأعمال بالنيات ، ولكل امرء ما نوى ، فمَن غزا ابتغاء ما عندَ الله فقد وقع أجرُه على الله عز وجل ، ومَن غزا يريد عرض الدنيا أو نوى عقالاً لم يكن له إلا ما نوى ) ، فإخراج الخمس مقرون بالقربة عادةً ـ كما في الصلاة ـ وإلا فليس فيه داع نفساني غير ذلك ، فلا يحتاج إلى الإعلام بالتقيد بنيّة القربة لوضوحه ، فإن التقيد بنيّة القربة حاصل عند التخميس قهراً وعادةً .

والجوابُ : إنّ الدواعي النفسانية ـ التي منها إسكاتُ الوجدان الحاكم بلزوم مساعدة الفقراء خصوصاً السادة منهم ـ كثيرة ، كيف والعقلاء ـ من أي فرقة كانوا ـ يساعدون فقراءَهم من دون قصد التقرب كما هو واضح . أمّا رواية ( إنما الأعمال بالنيّات ) فمعناها أنّ النبيّ (ص) يقول إذا دفعت مالاً مثلاً لا بقصد الخمس فلا يعتبر عند الله خُمساً ، فلعلّك دفعته هديّةً أو صدقة مستحبّة أو من باب الحرج الشديد أو الرياء أو بأيّ عنوان آخر ، فيجب عليك إذا أردت أن تدفع الخمس ـ مثلاً ـ أن تنوي الخمس . وهذا يغاير قضيّة وجوب نيّة القربة . بمعنى آخر : إذا أجبروا الكافرَ أو الفاسقَ على دفْعِ الخمسِ فدفعه الكافرُ بقصد الخمس ، كما يدفع الضرائبَ الواجبةَ عليه من قِبَلِ السلطان ، لكن لا بإختياره ، ولا قربةً إلى الله ، وإنما بالقهر والغلبة ، فنحن ندّعي الإجزاءَ وسقوطَ الوجوب ، رغم عدم نـيّته للقربة . أمّا في الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم فأخْذُ الخمسِ منه هو ضريـبة وليس من الخمس المتعارف .

ثالثاً : استُدِلّ بأنّ الخمس صدقة ـ كالزكاة ـ فيجب فيه نيّةُ القربة ، فقد ورد في الفقيه بإسناده عن حمّاد بن عمرو وأنس بن محمد عن أبيه جميعاً عن الصادق عن آبائه (عليهم السلام) في وصية النبيّ (ص) لعليّ (عليه السلام) قال : ( يا عليّ ، إن عبد المطلب سَنّ في الجاهلية خمس سنن أجراها الله له في الإسلام ـ إلى أن قال ـ ووجد كنزاً فأخرج منه الخمس وتصدّق به فأنزل الله[ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ] ) ، وهذه الرواية وإن كان فيها ما فيها من إشكالات في السند والمتن إلاّ أنها تؤيد مطلوبنا وهو كون الخمس صدقةً وهي تـقتضي نِـيّةَ القربة. وكذلك في رواية عليّ بن مهزيار قال : كتب إليه أبو جعفر(الجواد) (عليه السلام) وقرأت أنا كتابه إليه في طريق مكة قال : ) إنّ الذي أوجبت في سَنتي هذه ـ وهذه سنة عشرين ومئـتين ـ فقط لمعنى من المعاني أكره تفسير المعنى كله خوفاً من الإنـتشار ، وسأفسِّر لك بعضَه إن شاء الله : إنّ مواليَّ ـ أسأل الله صلاحَهم ـ أو بعضَهم قصّروا فيما يجب عليهم فعلمت ذلك فأحبَـبْتُ أن أطهّرهم وأزكّيهم بما فعلت من أمر الخمس في عامي هذا ، قال الله تعالى[ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ * ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ... ] ولمَ أوجب عليهم ذلك في كل عام ، ولا أوجب عليهم إلاّ الزكاة التي فرضها الله عليهم ، وإنما أوجبت عليهم الخمس في سَنَتي هذه في الذهب والفضة التي قد حال عليهما الحول ... ( فطَبَّقَ الصدقةَ على الخُمس بوضوح .

والجوابُ : الخمسُ ليس صدقةً ، وروايةُ علي بن مهزيار غيرُ صادرة من ساحة العصمة والطهارة ، لكثرة مخالفة الرواية لكلّ رواياتنا ولضعفها المتني جداً ، والظاهر أنّ بعض وعّاظ السلاطين وضعوها لتقليل التخميس عند الإمام (عليه السلام) ولإضعافه ماليّاً وإضعاف شيعته ... وقد ذكرنا ذلك في (السابع : ما يفضل عن مؤونة سنته) ، لا بل من المحال أن يكون الخمسُ صدقةً ، فإنّ الإنسان لا يمكن أن يتصدّق على الله عزّ وجلّ أو على رسوله أو على أوصيائه . نعم هو جلّ وعلا يأخذ الصدقات ، كما يأخذ السلطانُ الصدقاتِ ـ التي هي الزكوات ـ ليوزّعها على الفقراء ، فنحن لا نـتـصدّق على الله سبحانه ، فنحن الفقراء والله هو الغنيّ . لا بل في الروايات تصريح بأنّ الخمس ليس صدقةً لاحظ الروايات : ( ... أن الله لا إله إلاّ هو حيث حرّم علينا الصدقةَ أنزل لنا الخمس ، فالصدقة علينا حرام ، والخمس لنا فريضة1 ، والكرامة لنا حلال ) كما عن الإمام الصادق (عليه السلام) . وقريب منها ما رواه السيد علي بن الحسين المرتضى في رسالة (المحكم والمتشابه) نقلاً من (تفسير النعماني) بإسناده عن الإمام عليّ (عليه السلام) قال : ( وأما ما جاء في القرآن من ذكر معايش الخلق وأسبابها فقد أعلمنا سبحانه ذلك من خمسة أوجه : وجه الإمارة ووجه العمارة ووجه الإجارة ووجه التجارة ووجه الصدقات ، فأمّا وجْهُ الإمارة فقوله تعالى[ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ] فجعل لله خمس الغنائم ، والخمس يخرج من أربعة وجوه : من الغنائم التي يصيبها المسلمون من المشركين ومن المعادن ومن الكنوز ومن الغوص ) ، ومثلها ما ورد من أنّ الله ( حرم عليهم الصدقة ) ، وفي معتبرة زكريا بن مالك الجُعْفي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه سأله عن قول الله عزوجل [ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ..] ؟ فقال : ( أما خمس الله عزوجل فللرسول يضعه في سبيل الله ، وأما خمس الرسول فلأقاربه ، وخمس ذوي القربى فهم أقرباؤه ، واليتامى يتامى أهل بيته ، فجعل هذه الأربعة أسهم فيهم ، وأما المساكين وابن السبيل فقد عرفت أنّا لا نأكل الصدقة ولا تحل لنا فهي للمساكين وأبناء السبيل ) وفي بعض الروايات ( وإنما جَعَلَ اللهُ هذا الخمسَ لهم دون مساكين الناس وأبناءِ سبـيلهم عِوَضاً لهم من صدقات الناس تنزيهاً من الله لهم لقرابتهم برسول الله(ص) ، وكرامةً مِن الله لهم عن أوساخ الناس ، فجعل لهم خاصة من عنده ما يغنيهم به عن أن يصيّرهم في موضع الذل والمسكـنة ) .