الأستاذ الشيخ ناجي طالب

بحث الأصول

37/06/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : المشتقّ

المسألة السادسة : قد يقول لك قائلٌ (زَيدٌ قاضي) و (فلانة زوجة فلان) و (فلان ظالم) ونحو ذلك ، ماذا تفهم من هذه الجمل ؟ هل تفهم منها أنّ زيداً كان قاضياً سابقاً ، أو تفهم من هذا الإسناد أنّه الآن قاضي فعلاً ، أو تقول : يحتمل كلا المعنيين ؟ وكذلك الأمْرُ في سائر الجمل .

لا شكّ أنك سوف تقول بأنك تفهم منها فِعْلِيّةَ الإسناد وفعليّةَ التلبّسِ بالقضاء والزوجية والظلم ، وهذا هو إجماليُّ البحث في هذه المسألة .

تعريف المشتقّ وأحكامُه :

مراد العلماء من كلمة (المشتقّ) في مسألتـنا هذه هو الصفة العرَضيّة التي تُحمَلُ على الذات، مثل زوج ، أخ ، رقّ ، ضارب ، آكل ... ونحو ذلك ، على أن تكون إسماً لا فعلاً ، وذلك لوضوح الزمان في الفعل . وقولنا (التي تُحمَلُ على الذات) يُدخِلُ المشتقَّ النحْوي وغيرَ المشتقّ النحوي ، فإنّ المشتقّ عند النحاة هو خصوص المشتقّ من المصادر ـ مثل ضارب وآكل ـ وكلمةُ (الزوج) هي إسمٌ تُحمَلُ على الذات فهي إذن مشتقّ أصولي حتى ولو لم تكن مشتقاً عند النحاة . إذن المشتقّ الأصولي أعمّ من المشتقّ النحوي .

ويشترط عدم احتفاف الصفة بقرينة واضحة ، فمثلاً قولُك (زيدٌ زاني) و (عمرو الميّتُ قاضي) قرائنها معها ، فإنّ مرادك القطعي من (زيدٌ زانٍ) هو أنه قد تلبّس بالزنا في الزمان الماضي ، وذلك لأنّ قرائن الحال تفيد أنك تـتكلّم عنه بلحاظ الماضي ، وكذا مرادُك من (عمرو الميّتُ الفاسقُ قاضي وغنيّ ومترَف) هو أنه كان قاضياً وغنيّاً ومترفاً ، وأمّا الآن ـ في عالم البرزخ ـ فهو مقضيّ عليه وليس قاضياً هناك وفقيرٌ وليس متْرَفاً حتماً .

أمّا في غير الحالات المقرونة بالقرائن ـ كما لو قال لك شخصٌ (زيدٌ قاضي) و (فلانة زوجة فلان) ـ فإنك تفهم منها أنه قاضي الآن ، وأنّ فلانة زوجة فلان الآن ، ولا يَفهم الناسُ أنه كان قاضياً ولعلّه الآن ليس قاضياً ، وأنّ فلانة كانت زوجة فلان ولعلّها الآن ليست زوجتَه ، ويمكن أن يكون السببُ في حصول هذا التبادر نحو التلبّس الفعلي بالصفة وهو وجود نسبة إخباريّة بين المبتدأ والخبر ، مع عدم وجود قرينة صارفة عن التلبّس الفعلي ، ولذلك ترى العرف إذا أرادوا أن يخبروا عن الحالة السابقة يوضّحون بكلمة (كان قاضياً) و (كانت فلانة زوجةَ فلان) وذلك لئلاّ ينصرف الذهنُ إلى التلبّس الفعلي .

وهناك كلمات فيها نحو إجمال ، فقد روى في الكافي عن أحمد بن إدريس عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان بن يحيى عن عاصم بن حميد (ثقة عين ، ط 5 : ق ) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : قال رجل لعلي بن الحسين (عليهما السلام) : أين يتوضأ الغرباء ؟ قال : ( يتقي شطوط الأنهار ، والطرق النافذة ، وتحت الأشجار المثمرة ، ومواضعَ اللعن ) ، فقيل له : وأين مواضِعُ اللعْنِ ؟ قال : ( أبواب الدور )[1] صحيحة السند . فتردّد بعض الناس في المراد من ( الأشجار المثمرة )[2] هل أنّ المراد هي المثمرة فعلاً ـ أي التي تحمل الثمار ـ أم التي من شأنها الإثمار ؟ فأقول : لا شكّ في إجمال المعنى المراد ، فمع الشكّ هل الأصلُ يقتضي العملَ بالبراءة في الشجرة التي لا تحمل ثمراً فعلاً ؟ أم أنّ الأصل هو الإحتياط الذي يقتضي الإجتناب ؟

الجواب : لا شكّ في جريان البراءة في هكذا حالة ، لأنه شكّ في أصل وجود نهْيٍ عن التخلّي تحت الأشجار الغير حاملة للثمار فِعْلاً .

نعم ، حصل كلام طويل وعريض في معنى [الظالمين] من قوله تعالى [ وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ، قَالَ : إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً ، قَالَ : وَمِن ذُرِّيَّتِي ؟ قَالَ : لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124)] [3] فتساءل بعضُ الناس : هل المتلبّسُ بالظلم ـ ولو دقيقةً واحدةً في حياته ـ لا يناله عهدُ الله ، كالمرجعيّة مثلاً ـ إنِ اعتبرناها مِن عهْدِ الله جلّ وعلا ـ ؟ هنا وقع البحث بـينهم على صعيدين : صعيد معنى نفس الكلمة ، وصعيد علم الكلام . أمّا على صعيد علم الكلام فلن نـتعرّض إليه ، وذلك لوضوح أنّ الذين غَصَبوا الخلافةَ لم يتوبوا إلى الله ويُرجِعوا الحقَّ إلى صاحبه ، فلا محلّ لهذا البحث بلحاظهم ، وأمّا على صعيد نفس الكلمة فإن تاب الإنسانُ تاب الله عليه ، ولا يطلَقُ حينئذٍ عليه أنه فِعْلاً ظالم ، خاصةً لو فرضنا أنه صار وليَّ اللهِ ، وقد قلنا قبل قليل إنّ المشتقّات ظاهرةٌ في التلبّس الفعلي بالصفة ، وهذا الآن وليُّ الله ، إذن لا مانع من أن ينالَه عهدُ اللهِ جلّ وعلا .

البحث في الدليل الشرعي/ تحديد ضوابط عامة لدلالته وظهوره

الأمْـر والـنَّـهـي

ينقسم ما يدلّ على الطلب إلى قسمين :

الأوّل : ما يدلّ على الطلب بلا عناية ، والآخر : يدلّ على الطلب بعناية

أمّا الأوّل فله صيغتان : الأولى مادَّةُ الأمر ، والثانية هيأتُها .

أمّا مادّة الأمر ـ كقوله تعالى [ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي القُرْبَى ][4] ـ فهي تدلّ على الوجوب بوضوح ، وأمّا صيغة الأمر ـ كما في قوله تعالى [ َأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ] [5] ـ فهي تفيد مطلقَ الطلبِ ...


[1] وسائل الشيعة، الحر العاملي : ج1، ب15 من أبواب أحكام الخلوة، ح1، ص228، الاسلامية.
[2] كلامُنا هنا هو بلحاظ هذه الرواية فقط، وإلاّ فقد استـفاضت الروايات بأنّ المراد هو الشجرة التي تحمل ثمراً فعلاً، وبنصّ بعض الروايات أنه نهى رسول الله (ص) أن يُتغوّط تحت شجرة فيها ثمرتها، وفي بعضها .. فيها ثمرُها، وفي بعضها : .. تحت شجرة أو نخلة قد أثمرت لمكان الملائكة الموكلين بها، قال : ولذلك يكون الشجرة والنخل اُنْساً إذا كان فيه حَمْلُه لأن الملائكة تحضره، وفي بعضها : وكَرِهَ أن يُحْدِثَ الرجلُ تحت شجرة مثمرةٍ قد أينعت، أو نخلة قد أينعت، يعني أثمرت ... راجع نفسَ المصدر السابق.
[3] سورة البقرة : 124 .
[4] النحل : 90 .
[5] النور : 56 .