بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

37/04/28

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : إستثناءً : لا يغسّل الشهيد
يجب تغسيلُ كلِّ مسلمٍ، لكن يستثنَى من ذلك طائفتان :
إحداهما : الشهيد المقتول في المعركة عند الجهاد في سبيل الله إن لم يدركه المسلمون حيّاً فلا يجب تغسيلُه، وإنما يُدْفَنُ بثيابه، إلا إذا كان عارياً فيُكَفَّن ولا يغسّل ويصلّى عليه ويُدْفَنُ .
علينا أن ننظر أوّلاً في الروايات فنقول :
روى في الفقيه بإسناده ـ الصحيح ـ عن أبي مريم الأنصاري (عبد الغفّار بن القاسم ثقة له كتاب يرويه عنه الحسن بن محبوب) عن الصادق (عليه لسلام)أنه قال : ( الشهيد إذا كان به رَمَقٌ غُسِّلَ وكُفِّنَ وحُنِّطَ وصُلِّيَ عليه، وإن لم يكن به رَمَقٌ كُـفِّنَ في أثوابه )[1] صحيحة السند، ورواها الكليني عن حميد بن زياد(عالم جليل القدر واسع العلم كثير التصانيف ثقة)  عن الحسن بن محمد (بن سماعة من شيوخ الواقفة كثير الحديث فقيه ثقة وكان يعاند في الوقف ويتعصّب) عن غير واحد عن أبان(بن عثمان ثقة فقيه، قيل كان ناووسيّاً) عن أبي مريم، مصحّحة السند .
أقول : لم يشترط في شيء من الروايات أن يكون الشهيد مع المعصوم، فيُتمسّك بإطلاق (الشهيد) و (الذي يقتل في سبيل الله)، خاصّةً وأنّ الإمام الصادق (عليه لسلام) هو الذي يبادر ويعطي حكماً خاصّاً بالشهداء . وقد لاحظتَ مِن هذه الرواية ـ وكذا ما بَعدها ـ اشتراطَ أن يجده المسلمون في أرض المعركة ميّتاً فهذا الذي يكفّن في أثوابه ولا يغسّل ولا يحنّط، أمّا لو وجدوه في أرض المعركة وفيه رَمَقٌ فإنه يغسّل ويحنّط ويكفّن بشكل اعتيادي، وكذا الرواية الثالثة الآتية، وقد أجمع علماؤنا على ذلك .
وروى في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن حماد (بن عيسى) عن حريز عن إسماعيل بن جابر وزرارة عن أبي جعفر (عليه لسلام) قال قلت له : كيف رأيت الشهيد يدفن بدمائه ؟ قال : ( نعم، في ثيابه بدمائه، ولا يحنط ولا يغسل، ويدفن كما هو )، ثم قال : ( دَفَنَ رسولُ الله (ص) عَمَّهُ حمزة في ثيابه بدمائه التي أصيب فيها، ورداه النبيُّ (ص) برداءٍ فقصر عن رجليه فدعا له بأذخر فطرحه عليه، وصَلَّى عليه سبعين صلاةً، وكَبَّرَ عليه سبعين تكبيرة )[2] صحيحة السند .
وروى في الكافي أيضاً عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد (بن عيسى على المظنون قوياً، ابن خالد على احتمال ضعيف جداً) عن علي بن الحكم (ثقة جليل القدر) عن الحسين بن عثمان(ثقة) عن (عبد الله) ابن مسكان عن أبان بن تغلب قال : سألت أبا عبد الله (عليه لسلام) عن الذي يُقتل في سبيل الله، أيغسل ويكفن ويحنط ؟ قال : ( يدفن كما هو في ثيابه، إلا أن يكون به رمق (فإن كان به رمق) ثم مات فإنه يغسل ويكفن ويحنط ويصلَّى عليه، لأنّ رسول الله
(ص) صلى على حمزة وكَفَّنَه ( وحَنَّطَه ) لأنه كان قد جُرِّدَ )[3] صحيحة السند، ورواها الصدوق بإسناده عن أبان بن تغلب .
أقول : لكنك رأيت في صحيحة إسماعيل بن جابر وزرارة السابقة ( دَفَنَ رسولُ الله (ص)  عَمَّهُ حمزة في ثيابه بدمائه التي أصيب فيها ... )، وكذا ما بَعدها، ممّا يعني أنه لم يجرَّد من كلّ ثيابه . نعم، لو كان الشهيد عارياً لوجب تكفينُه، لأنه لا ثياب له ليكفّن في أثوابه، فيرجع إلى عموم وجوب تكفين الميّت، لكنه لا يغسّل قطعاً للروايات السالفة الذكر .
ورواها في الكافي أيضاً عن علي بن ابراهيم عن أبيه عن ابن محبوب عن ابن سنان يعني عبد الله عن أبان بن تغلب قال : سمعت أبا عبد الله (ص)يقول : ( الذي يقتل في سبيل الله يدفن في ثيابه ولا يغسل إلا أن يدركه المسلمون وبه رمق ثم يموت بعد، فإنه يغسل ويكفن ويحنط، إنّ رسولَ الله (ص) كَفَّنَ حمزةَ في ثيابه ولم يُغَسِّلْه، ولكنه صَلَّى عليه )[4] صحيحة السند، أي ( إلا أن يدركه المسلمون ـ في أرض المعركة ـ وبه رمق ثم يموت بعد، فإنه يغسل ويكفن ويحنط ) .
وروى عبد الله بن جعفر الحميري في (قرب الإسناد) عن السندي بن محمد (كان ثقة وجهاً في أصحابنا الكوفيين) عن أبي البختري وهب بن وهب (كان كذّاباً، وله أحاديث مع الرشيد في الكذب، وقال العلاّمة في الخلاصة ( وكان قاضياً عامّياً، إلاّ أنّ له أحاديث عن جعفر بن محم د(عليه لسلام) كلّها يوثق بها) عن جعفر عن أبيه (عليهما لسلام) (أن عليّاً (عليه لسلام) لم يُغَسِّل عمار بنَ ياسر ولا عتبةَ يومَ صفين ودفنهما في ثيابهما وصَلَّى عليهما)[5]، يُظَنّ جدّاً بصدورها .
 5 ـ وروى في التهذيبين بإسناده ـ أي قال أخبرني الشيخ(المفيد) أيّده الله عن أبي الحسن محمد بن أحمد بن داود (بن علي شيخ هذه الطائفة وعالمها وشيخ القميين وفقيههم له كتب) عن أبيه (ثقة كثير الحديث) عن علي بن الحسين (بن موسى بن بابويه القمّي شيخ القميين في عصره وفقيههم وثقتهم له كتب كثيرة)ـ عن علي بن الحسين(بن بابويه) عن سعد بن عبد الله عن هارون بن مسلم (ثقة وجه) عن مسعدة بن صدقة عن عمار عن جعفر عن أبيه (عليه لسلام) ( أن عليّاً (عليه لسلام)لم يغسل عمار بن ياسر ولا هاشم بن عتبة وهو المرقال، ودفنهما في ثيابهما، ولم يُصَلِّ عليهما )[6] موثّقة السند، وقد أثبتنا وثاقةَ مسعدة لرواية الصدوق عنه في فقيهه مباشرةً، وقد شهد أنه قد أخذ رواياتِه عن المصنّفات والأصول التي عليها المعوّل وإليها المرجع، ممّا يعني وثاقةَ أصحابها على الأقلّ، وهذه طريقة معروفة ومشهورة بين علماء الحديث والرجال، فالسند موثّق عندي وعند جملة من الأعلام كالشيخ الأنصاري وصاحب الحدائق وغيرهما .
أقول: قوله (ولم يُصَلِّ عليهما) وَهْمٌ من الراوي، لأنّ الصلاة لا تسقط عن الشهداء، وقد يكون صلّى عليهما غيرُه فاكتفَى (عليه لسلام) بصلاة غيره .
وقال الصدوق في الفقيه : واستشهد حنظلة بن أبي عامر الراهب بأُحُدٍ فلم يأمر النبيُّ (ص) بغَسْلِه، وقال : ( رأيتُ الملائكة بين السماء والأرض تغسل حنظلة بماء المزن في صحاف من فضة، وكان يسمى غسيل الملائكة ) [7].



[1] هذه الأحاديث كلّها أخذتها من وسائل الشيعة، الحر العاملي : ج 2، ب 14 من أبواب غسل الميّت، ص 698، وهذه الرواية رقمها 1،الاسلامية..
[2] وسائل الشيعة، الحر العاملي : ج 2، ب 14 من أبواب غسل الميّت،ح 8، ص 700، الاسلامية..
[3] وسائل الشيعة، الحر العاملي : ج 2، ب 14 من أبواب غسل الميّت، ح 7، ص 700، الاسلامية..
[4] وسائل الشيعة، الحر العاملي : ج 2، ب 14 من أبواب غسل الميّت، ح 9، ص 700، الاسلامية..
[5] وسائل الشيعة، الحر العاملي : ج 2، ب 14 من أبواب غسل الميّت، ح 12، ص 701، الاسلامية..
[6] وسائل الشيعة، الحر العاملي : ج 2، ب 14 من أبواب غسل الميّت، ح 4، ص 699، الاسلامية ..
[7] وسائل الشيعة، الحر العاملي : ج 2، ب 14 من أبواب غسل الميّت، ح 2، ص 698، الاسلامية..