بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

37/03/30

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : الرجوع إلى عموم العام أو استصحاب حُكْمِ المخصِّص
الرجوع إلى عموم العام أو استصحاب حُكْمِ المخصِّص
مثال ذلك : لو استغنت المرأةُ العجوزُ في أثناء السنة عن حِلِيّها فهل تخمّسه ـ تمسّكاً بعموم (الخُمسُ في كلّ فائدة وغنيمة) ـ أم لا ـ تمسّكاً بالمخصِّص الذي يقول (الخمس بعد المؤونة)، والحِلِيُّ كان مؤونةً ـ ؟
الجواب : يقول السيد الخوئيS بأننا يجب أن نتمسّك بإطلاق كلمة (المؤونة) الواردة في المخصّص، وهذا الحليّ الذي استغنت عنه المرأة العجوز كان مؤونة قبل الإستغناء عنه، وكلمة (مؤونة) في الروايات غير مقيّدة بعدم الإستغناء عنها، ولا دليل على رجوع هذا الحليّ إلى العامّ ثانيةً بعدما استُغنِيَ عنه، ثم يقولS (بل المرجع ح هو إطلاق دليل المخصّص أو استصحابُه ـ يقصدS نستصحبُ الحكمَ السابقَ الذي هو عدم وجوب التخميس ـ لا عموم العام، وتكفينا أصالة البراءة عن وجوب الخمس ثانياً، بعد وضوح عدم كون المؤونة في السنة اللاحقة أو بعد الإستغناء مصداقاً جديداً للربح ليشمله عموم وجوب الخمس في كلّ فائدة)[1].
أقول : بل يجب الرجوع إلى عموم العام الذي هو (غنيمة) و (فائدة) . وإنما لم نقل بوجوب تخميس الحِلِيّ ـ حينما كان مؤونة ـ لأنه كانت مؤونة، وهذا هو الذي كان مانعاً عن أن يَعمَلَ الدليلُ العامُ عَمَلَهُ، فحينما رُفِعَ عنوانُ المؤونةِ عن هذا الحِلِيّ يجب الرجوع إلى الدليل العام، لأنّ هذا الحليّ هو في الواقع (ربح) و (فائدة)، فيجب أن يأخذ حكمَ الربحِ والفائدة . على أنّ استصحاب (عدم وجوب تخميسه) هو استصحاب في الشبهات الحكميّة، وهذا الإستصحاب لا يقول به السيد الخوئي، ولا نحن . وأمّا الرجوع إلى البراءة فغير صحيح أيضاً لأنه لا يصحّ الرجوع إلى الأصول العملية مع وجود دليل محرز، وهو هنا الدليل العام. 
مثال ثانٍ : قال الله تعالى[أَوفُوا بالعُقود]، وثَبَتَ في الشرع خِيارُ الغَبن، فلو شُكَّ في أنّ خيار الغبن هو على نحو الفور أو على نحو التراخي، فهل يصحّ التمسّك بـ [اَوفُوا بالعُقود] ـ في حال زوال الوقت الأوّل ـ لإثبات وجوب الإيفاء بالعقد أم نستصحب بقاء خيار الغبن ؟
الجواب : إنّ القدر المتيقّن هو أنّ خيار الغبن هو الوقت الأوّل، ونشكّ في ثبوته بعد ذلك، فيجب الرجوع إلى العموم الأزماني لدليل [اَوفُوا بالعُقود] وهو وجوب الإيفاء بالعقود، ومعنى الإطلاق الأزماني لـ [اَوفوا بالعقود] هو وجوب الإيفاء به في الدقيقة الاُولى وفي الدقيقة الثانية وفي الدقيقة الثالثة وفي كلّ دقيقة، والرجوعُ إلى هذا الإطلاق الأزماني أقوى من الرجوع إلى إطلاق (خِيار الغَبْن)، لأنه مع الشكّ في مقدار وحدود هذا الخِيار يجب الإقتصار على القدر المتيقّن من الخروج من تحت العمومات الفوقانية والرجوعُ دائماً إلى العمومات الفوقانية، ولا صحّة للتمسّك باستصحاب بقاء خيار الغبن، ذلك لأنه مع وجود أمارات وأدلّة محرزة لا يصحّ عقلاً ولا شرعاً التمسّكُ بالإستصحاب .



[1] مستند العروة الوثقى، كتاب الخمس: ج 15، ص 260..