بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

36/12/17

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : بيان الأحكام الوضعيّة والتكليفية
 وخلاصة الكلام هو أنّ القائل بجريان الإستصحاب في خصوص الشبهات الموضوعيّة يُجري استصحابَ عدمِ حصول سبب أو شرط الحكم، سواءً كان الحكمُ وضعيّاً أو تكليفيّاً، ولا يجري الإستصحاب في نفس الحكم .
 * وهنا ينبغي ذِكْرُ عدّةِ ملاحظات :
(1) تعريف الأحكام الشرعيّة الوضعيّة :
   الحكم الشرعي الوضعيّ هو الحكم الكلّي بالطهارة ـ مثلاً ـ على الشيء الكلّي، وكالحكم الكلّي بالنجاسة على الشيء الفلاني الكلّي، أمّا طهارة هذا الشيء الخارجي ونجاسة ذاك فليست هي أحكاماً شرعيّة، إنْ هي إلاّ تطبيقات للحكم الكلّي لا غير، يعني أنّ (الماء النظيفُ طاهر) هو الحكم الشرعي الوضعي الموجود في عالم الجعل، أمّا طهارة هذا الماء النظيف فليس هو حكماً شرعياً، إنما هو تطبيق للحكم الشرعي الكلّي الموجود في عالم الجعل، أو قل : لأنّ هذا الموجود أمامي هو ماء نظيف، إذن هو طاهر . فالمولى تعالى لا يشرّع مرّتين، مرّة بشكل عام وكلّي، ومرّة بشكل جزئي، لأنّ التشريع الثاني سوف يكون لغواً محضاً .
   كما أنه ليست الأحكام الشرعية الوضعية هي كالطهارة والنجاسة والبلوغ، فالطهارة والنجاسة ليستا أحكاماً أصلاً، وإنما هي أسماء فقط، وليست أحكاماً أو قضايا، والحكمُ الشرعي يجب أن يكون بنحو القضيّة . نعم، لا شكّ أنّ الله تعالى تدخّل في بعض الإصطلاحات التي هي دخيلة في الأحكام الشرعيّة، موضوعاً أو محمولاً، فاعتبَرَ مَن بَلَغَ الثلاثَ عشرة سنةً أو احتلم قبل ذلك أنه (بالغ)، ووضع ألفاظ (ركوع) و (سجود) و (تشهّد) و (الصلاة) و (الغِيبة)، ووضَعَ كلمةَ (الوجوب) و (الحرمة) وو لِيُعَبّر عن الأحكام التي يريدها، وقد تكون بعض الألفاظ الشرعيّة أساسُها وضْعُ العقلاء، لكنّ المولى جلّ وعلا شذّبها، وجعل لها شروطاً، مثل ألفاظ (الطلاق) و (الخلع) و (الرجعة) و (العِدّة) و (الدخول) .. هكذا تعبيرات كثيرة لا مانع مِنْ أن يضعَها المولى جلّ وعلا أو يشذّب بعض معانيها تمهيداً لجعْلِ الأحكامِ الشرعيّة، أي ليقول مثلاً (من بلغ فقد وجبت عليه الصلاة، وحرمت عليه الغِيبة)، فاستعمل ألفاظاً شرعيّة، قد يكون أصْلُ وجودِها وضْعَ الناس، لكنّ الشارعَ المقدّس شَذّبَ معانيَها قليلاً ـ كما في القنوت والركوع والسجود ـ أو كثيراً ـ كما في الصلاة والصيام والحجّ والخمس والزكاة ـ . 
   ما اُريد أن أقوله هو أنّ هذه الألفاظ ليست أحكاماً شرعيّة، وإنما هي موضوعات أو محمولات للأحكام الشرعية .
   إذَنْ إصطلاحاتُ الوجوب والإستحباب والحرمة والكراهة والإباحة ليست أحكاماً تكليفيّة، وأمّا الأحكام التكليفية فهي ـ كالأحكام الوضعية ـ قضايا كاملة المعاني مثل : (إذا زالت الشمسُ فالصلاة واجبة) و (إذا سافر الإنسانُ فالتقصير واجب ) و (يحرم شرب الخمر) وهكذا ...
 * والفرقُ بين الحكم التكليفي والحكم الوضعي هو أنّ الحكم التكليفي محرّك مباشرةً للمكلّف، والحكم الوضعي محرّك غير مباشر للمكلّف، فقول المولى مثلاً : "الإتلاف سبب للضمان" هو محرّك للمتلِف بشكل غير مباشر، بمعنى أنه بالنتيجة يجب على المتلِف أن يَدْفَعَ بَدَلَ التالِف لصاحبه . أمّا قول المولى "إتلاف مال الغير حرام" فهو حكم تكليفي، لأنه يحرّك المكلّف مباشرةً . وقولُ المولى "الإفطار حرام" حكم تكليفي، وقوله "الإفطار سبب لترتّب الكفّارة" حكم وضعي . إذن الأحكام الوضعيّة تستتبع دائماً أحكاماً تكليفيّة .