بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

36/07/16

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : دلالة الرواية الثالثة على حجيّة الإستصحاب

3 ـ روى الشيخ الكليني (ط 9 وهي طبقة عصر الغيبة) في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه، و(أي عن الكليني عن) محمد بن إسماعيل (أبو الحسن النيسابوري البندقي ثقة ط 8) عن الفضل بن شاذان (ط 7 وهي طبقة الإمام الجواد (عليه السلام)) جميعاً عن حَمّاد بن عيسى(من أصحاب الإجماع، ط 5، وهو من أصحاب الصادق والكاظم والرضا (عليهم السلام)) عن حريز (ط 5 وهو من أصحاب الصادق (عليه السلام)) عن زرارة عن أحدهما (عليهما السلام) قال قلت له : مَن لم يَدْرِ في أربع هو أم في ثنتين وقد أحرز الثنتين ؟ قال : (يركع ركعتين وأربع سجدات وهو قائم بفاتحة الكتاب ويتشهد ولا شيء عليه، وإذا لم يَدْرِ في ثلاث هو أو في أربع وقد أحرز الثلاث قام فأضاف إليها أخرى ولا شيء عليه، ولا ينقض اليقين بالشك، ولا يُدخِل الشك في اليقين، ولا يخلط أحدهما بالآخر، ولكنه ينقض الشك باليقين، ويتم على اليقين فيبني عليه، ولا يعتد بالشك في حال من الحالات )[1] صحيحة السند . مَن يراجع روايات الكافي في هذا المجال يجد أنّ زرارة يروي الأعمّ الأغلب من رواياته في الصلاة وخاصّةً في باب السهو عن الإمام أبي جعفر (عليه السلام).
   ـ وروى قبلها ـ أي في الكافي أيضاً في الصفحة السابقة ـ عن محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان، وعلي بن إبراهيم عن أبيه جميعاً عن حماد بن عيسى عن حريز عن زرارة عن أحدهما (عليهما السلام)قال قلت له : رجل لا يدري واحدةً صَلَّى أم ثنتين ؟ قال : ( يعيد )، قلت له : رجل لم يَدْرِ اثنتين صلَّى أم ثلاثاً ؟ فقال : (إنْ دَخَلَه الشكُّ بعد دخوله في الثالثة مَضَى في الثالثة، ثم صلَّى الأخرى، ولا شيء عليه، ويسَلِّم )، قلت : فإنه لم يدر في ثنتين هو أم في أربع ؟ قال : ( يسَلِّم ويقوم فيصلي ركعتين ثم يسَلِّمُ ولا شيءَ عليه )[2] .

بيانُ دلالة الرواية على الإستصحاب :
   قال الإمام (عليه السلام) : ( يركع ركعتين وأربع سجدات وهو قائم بفاتحة الكتاب ويتشهد، ولا شيء عليه، وإذا لم يَدْرِ في ثلاث هو أو في أربع وقد أحرز الثلاث قام فأضاف إليها اُخرى، ولا شيء عليه، ولا ينقضِ اليقينَ بالشك ـ أي لا ينقضِ اليقينَ بعدم الإتيان بالرابعة باحتمال الإتيان بها ـ ولا يُدخِلِ الشكَّ في اليقين ـ أي لا يشكّكْ بيقينهأي لا يَهدمِ اليقينَ بالشكّ ـ ولا يَخلُطْ أحدَهما بالآخر ـ فيعطيهِما نفسَ الحكم، ويَنقضُ اليقينَ بالشكّ . وقد يريد الإمام هنا أن يقول : يفصل بين الصلاة وركعة الإحتياط، خاصّةً وأنه قال قبل ذلك بفاتحة الكتاب، فإنّه لو كانت الركعة الإحتياطية متّصلة لما قال ذلك، وذلك لأنّ الإنسان مخيّر في الركعتين الأخيرتين بين الفاتحة والتسبيحات ـ ولكنه ينقضُ الشكَّ باليقين، ويُتِمُّ على اليقين فيَبنِي عليه، ولا يعتدَّ بالشكّ في حال من الحالات ) .
   أقول : لم يتعرّض الإمامُ هنا إلى وصْلِ ركعة الإحتياط أو فصْلِها، ولذلك ينصرف الذهن ـ لولا الروايات الصحيحة الاُخرى المصرّحة بلزوم الفصل ـ إلى لزوم الوصل بين ركعتي الإحتياط وبين الصلاة، لأنّ هذا هو مقتضى الإستصحاب، ولكنه بسبب ما رواه في روايته السابقة الثانية لا بدّ من أن نحتاط ونقول بالفصل . المهمّ هو أنّ علينا أن نأخذ بكبرى الإستصحاب، وهذا ما يهمّنا، وأمّا قضيّة التطبيق فقد يكون فيه شيءٌ مِنَ التقيّة، فقد قال العلاّمة الحلّي[3] في هذا الموضوع : ( وقال الشافعيّ : يبني على اليقين ويطرح الشكّ )، وقد يكون ـ كما هو المظنون جداً ـ قد سَقَطَتْ كلمتا (سلَّمَ ثم) بعد قوله (وإذا لم يَدْرِ في ثلاث هو أو في أربع وقد أحرز الثلاث ) وذلك بقرينة روايته الثانية السالفة الذكر .
   قال الفيض الكاشاني في كتابه الوافي : ( لا ينقض اليقين بالشك يعني لا يبطل الثلاث المتيقن فيها بسبب الشك في الرابعة بأن يستأنف الصلاة بل يعتد بالثلاث، ولا يدخل الشك في اليقين، يعني لا يعتد بالرابعة المشكوك فيها بأن يضمها إلى الثلاث ويتم بها الصلاة من غير تدارك، (ولا يخلط أحدهما بالآخر) عطف تفسيري للنهي عن الإدخال، ولكنه ينقض الشك ـ يعني في الرابعة، بأنْ لا يعتدَّ بها ـ باليقين ـ يعني بالإتيان بركعة أخرى على الإيقان ـ ويتم على اليقين ـ يعني يبني على الثلاث المتيقن فيها ـ . ولم يتعرض في هذا الحديث لذكر فصل الركعتين أو الركعة المضافة للإحتياط ووصلها كما تعرض في الخبر السابق، والأخبارُ في ذلك مختلفة، وفي بعضها إجمال كما ستقف عليها، وطريق التوفيق بينها التخييرُ كما ذكره في الفقيه ويأتي كلامه فيه، وربما يسمَّى الفَصلُ بالبناء على الأكثر والوصلُ بالبناء على الأقل، والفصلُ اَولى وأحوط، لأنه مع الفصل إذا ذَكَرَ بعد ذلك ما فعل وكانت صلاته مع الإحتياط مشتملةً على زيادة فلا يحتاج إلى إعادة، بخلاف ما إذا وصل . وما سمعتُ أحداً تعرض لهذه الدقيقة، وفي حديث عمار الساباطي الآتي إشارةٌ إلى ذلك، فلا تكونن من الغافلين) (إنتهى) . أقول : يستفاد من إطلاق عدّة روايات صحيحة جوازُ الوصل أيضاً، وقد ذهب أيضاً المولى أحمد الأردبيلي(متوفّى 993 هـ ق) إلى قوّة القول بالتخيير بين الوصل والفصل[4] .
   ولا يهمّنا هنا معرفة الوصل أو الفصل، وإنّ ما يهمّنا هو أنّ قوله (عليه السلام) ( ولا ينقض اليقين بالشك ... ولا يعتد بالشك في حال من الحالات ) واضح في إفادة قاعدة الإستصحاب .


[1] الكافي، الشيخ الكليني، ج3، ص351، باب السهو في الثلاث والأربع من كتاب الصلاة، ح3، ط الاسلامية.
[2] الكافي، الشيخ الكليني، ج3، ص350، باب السهو في الفجر والمغرب، ح3، ط الاسلامية.
[3] منتهى المطلب في تحقيق المذهب، العلامة الحلي، ج7، ص59.
[4] مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان، المحقق المقدس الأردبيلي، ج3، ص184.