بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

36/07/04

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : شروع في الإستصحاب

( الإستصحاب )
المقدّمة :
1 ـ ملاك تشريع الإستصحاب
2 ـ هل الإستصحاب مسألة اُصوليّة أم قاعدة فقهيّة ؟
3 ـ الفرق بين الإستصحاب وقواعد اُخرى مشابهة له
   البحث الأوّل :
   والسؤالُ هنا هو : ما هو الملاك والسرّ في تشريع الإستصحاب ؟ فنقول :
   الظاهرُ من أدلّة الإستصحاب أنّ المولى تعالى جَعَلَ الإستصحابَ جرياً مع الوجدان الإنساني، بل جرياً مع الفطرة الحيوانيّة أيضاً، فهو وجدانيٌّ منشأً ـ لأنّ فيه كاشفيّةً ولو ضعيفة ـ تعبّديٌّ امتداداً، فينبغي للإنسان السويّ أن يَبقَى ـ في الشرعيّات ـ على يقينه السابق حتى يَثبُتَ له تغيّرُ الحالةِ السابقة، لاحِظْ مثلاً ما يقولُه الإمامُ الصادق (عليه السلام)لزرارة ( .. لا، حتى يستيقنَ أنه قد نام، حتى يجيئ من ذلك أمْرٌ بَيِّنٌ، وإلاّ فإنّه على يقينٍ مِنْ وضوئه، ولا تنقضِ اليقينَ أبداً بالشك وإنما تنقضه بيقين آخر ) [1]  فالإمامُ (عليه السلام) يَستدلّ على لزوم البناء على الحالة السابقة لكون هذا البناء هو أمر فطري واضح عند العقلاء، هذا أوّلاً، وثانياً : تلاحظُ من هذا البناء أنّ الإستصحاب هو أصلٌ عمليٌّ ـ وليس أمارةً تُثبِتُ لوازمَها ومثبتاتِها التكوينيّة ـ لأنه ليس فيه حكاية عن الواقع، أي هو لا يدّعي الحكايةَ عن الواقع، كما كان الحال في خبر الثقة .
   إذَنْ، مَنشأُ الإستصحابِ الكاشفيّةُ والفطرة، لكنْ هذا لا يقتضي تشريعَ الإستصحاب بنحو الإستغراق والشمول لكلّ حالات الكاشفيّة، أي حتى مع الظنّ القويّ بتغيّر الحالة السابقة، إذن فالشارعُ المقدّسُ وسّع التعبّدَ بالإستصحاب حتى صار شاملاً لكلّ حالات الكاشفيّة، ولو الضعيفة، تسهيلاً على الناس، ورحمةً ومَنّاً عليهم، إذ لو شرّع الله جلّ وعلا الإستصحاب في خصوص حالات الظنّ ببقاء الحالة السابقة لوقع الناس في الحرج، فيقول أحدهم كلّ مرّة : هل هذا الماء الذي وقع عليّ نجّسني أم لا ؟ وهل أنا أظنّ بنجاسة هذا الماء أم لا ؟ وهل هذا اللون وهذه الرائحة تورث الظنّ بنجاسة هذا الماء أم لا ؟ وهل أنا أظنّ بوصول الماء إلى ثوبي أم لا ؟ وهكذا ... فيقع الناس في وسوسة لا مثيل لها .

البحث الثاني :
والسؤالُ هنا : هل الإستصحاب مسألة اُصوليّة أم قاعدة فقهيّة ؟
   الجواب : لا شكّ في أنّ الإستصحاب هو مسألة فرعيّة وقاعدة فقهيّة، لا اُصوليّة، وذلك لأنّها عندنا لا تجري إلاّ في الشبهات الموضوعيّة، فهي يجريها العامّي، كما يجريها الفقيه، ولا يُستنبَطُ منها حُكْمٌ شرعيّ أصلاً، فهي إذن قاعدة فقهيّة لا غير، كقاعدتَي الضرر والحرج، يطبّقها العاميّ على الموارد الخارجيّة . وإلى هذا ذهب السيد الخوئي أيضاً، وهذا ما يظهر من بعض كلمات الشيخ الأعظم . إنما بحثوها في علم الاُصول لاحتمال أن تجري في الشبهات الحكميّة، أي في الأحكام الفرعيّة الكليّة، فح يُستنبَطُ منها أحكامٌ فرعيّة كليّة، وتختص ح بالفقيه في مجال الشبهات الحكميّة. وذهب صاحب الكفاية إلى أنها مسألة اُصوليّة.
*   *   *   *   *
البحث الثالث : وهو في القواعد المشابهة للإستصحاب :
1 ـ قاعدة المقتضي والشكّ في المانع
   وموردُها أن يتعلق اليقين بوجود المقتضي للتأثير، ويتعلق الشك بوجود مانع من التأثير، فيكون متعلق اليقين غيرَ متعلق الشك، بخلاف الإستصحاب حيث يكونان متحدين فيه . ومثاله : ما إذا صببنا الماءَ لتحصيل الطهارة من الخبث أو الحدث مثلاً، وشككنا في تحقق الغسل لاحتمال وجود مانع من وصول الماء، فمتعلقُ اليقين هو صَبُّ الماء على الجسم المتنجس، وهو مقتضٍ لحصول الطهارة، ومتعلقُ الشك هو وجود مانع من وصول الماء إلى الجسم وحصول الطهارة فيها .
   والصحيح هو عدم حجية هذه القاعدة، لعدم الدليل عليها من شرع أو عقل، وبالتالي لا دليل على ترتّب الأثر، وهو حصول الطهارة بمجرد تحقق المقتضي وهو صَبُّ الماء، وذلك لاحتمال عدم تحقق الغسل لوجود المانع . ومثله ـ كما قلنا ـ ما لو شكّ الإنسان في حاجبيّة شيء على موضع من مواضع وضوئه، فتوضّأ ولم يُزِلْهُ، فإنّه يجب أن يبنيَ على عدم وصول الماء إلى البشرة، وذلك لعدم حجيّة قاعدة (المقتضي والشكّ في وجود المانع) .


[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج1، ص245، ابواب نواقض الوضوء، باب1، ح1، ط آل البیت.