بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

36/06/03

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : دوران الواجب بين التعيين والتخيير الشرعي

( دوران الواجب بين التعيين والتخيير الشرعي )

   وهي فرع من بحث (دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر في الشرائط) السالف الذكر، ولا شكّ في جريان البراءة في حالة دوران الواجب بين التعيين والتخيير الشرعي، لأنّ في التعيينِ مؤونةً زائدة . وبتعبير آخر : لا شكّ أننا يجب أن نتمسّك بالإطلاق، ونُجري البراءةَ في القيد الزائد المشكوك . إذن يوجد في هذه المسألةِ شكٌّ بين الأقلّ والأكثر، فنتمسّك بالأقلّ كقدرٍ متيقّن، ونُجري البراءةَ في الزائد المشكوك .
  مثال ذلك : لو وردنا روايتان صحيحتان : ( إذا أفطرت عمداً في شهر رمضان فاَعتق رقبةً" و"إذا أفطرت في شهر رمضان عمداً فأنت مخيّر بين الخصال الثلاثة المعروفة" فأنت يجب أن تجمع بين الروايتين على أساس أنّ الأفضل هو العتق، ولكن يجوز الإختيار بين الخصال الثلاثة . بيانُ ذلك : في المثال المذكور أنت تعلم بأنّك مأمور بالكفّارة، لكنك تشكّ في خصوصيّة العتق، فتُجري البراءةَ عن خصوصيّة العتق، وتكتفي بالتخيير .
   مثال آخر : لو وردنا روايةٌ صحيحة أنّ الكفّارة الفلانية هي إطعام الفقراء، ووردنا في رواية صحيحة ثانية أنها إطعام الفقراء العدول، فأنت لا شكّ تُجري البراءةَ عن خصوصيّة العدالة وتحمل قيدَ العدالةِ على الأفضليّة . وأنت تعلم أنّ مرجع هذه المسألة ح إلى الأقلّ والأكثر، فتَجري البراءةُ عن الزائد المشكوك . وبتعبير آخر : أنت هنا تعلم بوجوب الطبيعة ـ أي الجامع ـ وتشكّ في الزائد، هكذا يقولون، ولا بأس به من باب التساهل في التعبير .
   وإن كان الصحيح عند كلّ علمائنا هو أن تتمسّك بعموم "الفقراء" وح لا يصحّ أن تُجري البراءةَ، لمعلوميّة تقدّم الأمارات المعتبرة على الأصول العمليّة .
   لكن هناك حالات قد يُتوهّم جريانُ البراءة فيها، كما في قراءة الخنثى المشكِل في صلاتها الجهريّة، فإنّها تتردّد بين وجوب خصوص الجهر عليها ـ إنْ كانت ذكراً ـ وبين التخيير إن كانت اُنثى، فمقتضى الإحتياط هو الجهر، لكن هل لها أن تتخيّر وتقرأ بالإخفات ـ كما في الاُنثى ـ أم لا ؟
  الجواب : في هكذا حالةٍ لا يجوز لها أن تتخيّر، وذلك لأنها يحصل عندها شكّ في تحقيق المكلَّف به، أي هل أنها حقّقت ما عليها أم لا، وفي هكذا حالةٍ يجب عليها عقلاً أن تُجري أصالةَ الإشتغال العقلي، ولا وجه لإجراء البراءةِ عن خصوصيّة التعيين بذريعة أنها مؤونةٌ زائدة .