بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

36/05/20

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : اشتراك عِلْمَين إجماليين في طرف واحد
التنبيه التاسع : اشتراك علمين إجماليين في طرف واحد
  إذا علمنا بوقوع نجاسةٍ في أحد إناءين، إمّا الأحمر وإمّا الأسود، ولم ندرِ أيّ إناءٍ هو، ثم علمنا بوقوع نجاسة اُخرى إمّا في الأسود وإمّا في الأبيض، ففي هكذا حالةٍ لا شكّ في لزوم الإجتناب عن كل الآنية الثلاثة، وهذا أمر بديهي، ولا بأس بالقول بازدياد النجاسة والقذارة في الإناء الأسود، ولا وجه لما يقال بأنّ الإناء الأسود يجب الإجتناب عنه من خلال العلم الأوّل، فلا وجه لتنجّزه ثانياً، فتجري إذن الاُصولُ المؤمّنة في الإناء الأبيض بغير معارض .
  ورغم وضوح هذا الأمر عند جميع العقلاء أخطأ بعضُ الناس في ذلك فقال بأنه إذا علمنا عند الظهر بوقوع قطرة دم إمّا في الإناء الأحمر وإمّا في الإناء الأسود، ثم علمنا عصراً بوقوع قطرة دم اُخرى عند الصباح إمّا في الإناء الأسود وإمّا في الإناء الأبيض، ففي هكذا حالة لا يجب الإجتناب عن الإناء الأحمر !! وهذا القول الذي ذهب إليه المحقّق النائيني هو من العجائب السبعة .
  بيان ذلك : قال السيد الشهيد : (إذا افتُرِض اَنّ أحد طرفَي العلم الإجمالي أصبح طرفاً لعلم إجمالي آخر كما إذا عَلِمْنا بنجاسة الإناء الأسود أو الأبيض، وعَلِمْنا بنجاسة الإناء الأسود أو الأحمر بنجاسة اُخرى، كما لو كانت النجاسةُ الاُولى بولاً والنجاسة الثانية دماً، فأصبح الإناء الأسودُ طرفاً مشترَكاً لعِلْمَين إجماليين، فإن كان العِلْمان متعاصرَين حدوثاً فلا شك في عدم انحلال أحدهما بالآخر، ولا شكّ في تنجيزهما معاً وفي تَلَقّي الطرفِ المشترَكِ التنجيزَ منهما معاً، لأنّ مرجع العِلْمَين حينئذٍ إلى العِلْم بثبوت تكليف واحد في الطرف المشترك أو تكليفين في الطرفين الآخرين .

  واَمّا إذا كان أحدهما سابقاً على الآخر فقد ذهب المحقّقُ النائينيإلى انحلال العِلْمِ المتأخِّر الذي يكون زمان معلومه متقدِّماً، وأفاد في تخريج ذلك بأنه إذا كان المعلوم بالعِلْم المتأخر متقدماً ـ كما إذا علم الآن بوقوع قطرة دم اِمّا في الإناء الأحمر وإمّا في الإناء الأسود، ثم علم بعد ذلك بأنّ الإناء الأسود أو الأبيض كان نجساً منذ الصباح ـ فإنّ العلم الإجمالي الأول لا يكون منجّزاً، لأنه بعد حصول العِلْمِ بنجاسة الإناء الأسود أو الأبيض منذ الصباح ينكشف اَنّ قطرة الدم التي عَلِم إجمالاً بإصابتها لأحد الإناءين لم تستوجب تكليفاً على كل تقدير، إذ لو كانت قد أصابت الإناء الأسود وكان هو النجس منذ الصباح لم يكن مستوجباً لتكليف، وهكذا يكون الميزان هو تقدّم المعلوم، فإنه يوجب انحلال العلم الإجمالي الآخر انحلالاً حقيقياً، بمعنى اَنّه لا يكون علماً بتكليف على كل تقدير .

  وواضح من هذا البيان اَنّ نظر الشيخ النائيني(قده) إلى مورد مسانخة التكليفين، لا إلى ما إذا كان المعلوم بالعلم الإجمالي الثاني تكليفاً من سنخ آخر، كما إذا علم بنجاسة أحدهما ثم علم بغصبية الإناء الأسود أو الأحمر) (إنتهى بتصرّف قليل للتوضيح) [1].
  أقول : لا شكّ في بقاء منجّزيّة العلم الإجمالي الأوّل، إضافةً إلى بقاء منجّزيّة العلم الإجمالي الثاني، وهذا أمر عقليّ واضح، ولا وجه لانحلال العلم الإجماليّ الأوّل، فإنّ العلم الثاني لا يعارض العِلمَ الأوّلَ، بل يصيران في عرض واحد تماماً، ويزيد الإناءُ الأسودُ نجاسةً وقذارة .


[1] كتاب بحوث في علم الأصول، تقريرات السيد محمود الهاشمي حفظه الله، ج5، ص299، مباحث الحجج والأصول العملية.