بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

36/03/28

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : التنبية الثاني من تنبيهات البراءة
  التنبية الثاني : إنه لا شبهة في حسن الإحتياط شرعاً وعقلاً في الشبهتين الوجوبية والتحريمية في العبادات والمعاملات، كما لا ينبغي الإرتياب في استحقاق الثواب فيما إذا احتاط الشخصُ في الموارد التي تجري فيها البراءةُ ولا يجب فيها الإحتياط، كالأذان والإقامة والقنوت ونحوها وأتى أو ترك بداعي احتمال الأمر أو النهي، لأنه يكون من باب الإنقياد .
  وربما يشكل في جريان الإحتياط في العبادات عند دوران الأمر بين (الوجوب) وبين (الإباحة أو الكراهة) من جهة أن العبادة لا بُدَّ فيها من نية القربة المتوقّفة على العلم بأمر الشارع تفصيلاً ـ كما في الصلاة المفروضة ـ أو إجمالاً ـ كما في الصلاة إلى الجهات الأربعة عند الجهل باتّجاه القبلة ـ .
  والجواب بأنّ العقل يستحسن قطعاً الصلاةَ برجاء الوجوب، أو قلْ إنّ العقل يستقلّ بحسن الإحتياط، أي أنه يصلّي لاحتمال الوجوب، ويستحقّ بذلك الثواب، وذلك لجريان البراءة في مفروض المسألة، لكنه من باب الإحتياط الإستحبابي، أو قُلْ من باب الإنقياد أتى بالعمل الفلاني، وذلك لكون المراد بالإحتياط في العبادات هو الفعل المطابق للعبادة من جميع الجهات عدا الجزم بنية القربة، ولا دليل على لزوم الجزم بنيّة القربة في مثل حالتنا المفروضة، أكثر ممّا ذكرنا، وهو أن يأتي بالفعل بداعي حسنه ومحبوبيّته ومطلوبيّته واحتمال الأمر الإلهي به، فيقع حينئذ على تقدير الأمر به امتثالاً لأمره تعالى، وعلى تقدير عدمه انقياداً لجنابه تبارك وتعالى، ويستحق الثواب على ذلك عقلاً سواءً كان طاعة أو انقياداً . نعم إنما يجب الجزم بنيّة القربة فيما لو كان العمل معلوم العبادية، فينوي الإمتثال بداعي امتثال الأمر المولوي القطعي، وفيما نحن فيه ينوي امتثال الأمر المولوي المحتمل الوجود، ولا دليل على أكثر من ذلك في العبادات المعلومة والعبادات المحتملة .
  فإن قلتَ : إنّ صحيحة هشام بن سالم المحكية عن المحاسن عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : ( من بلغه عن النبيّ (ص) شيء من الثواب فعمله، كان أجر ذلك له، وإن كان رسول الله (ص) لم يقله )[1] تدلّ على استحباب ما بلغه ولو عبر خبر ضعيف، وتدلّ على الثواب .
  قلتُ : أخبار (مَن بَلَغَ) لا تدلّ على أكثر من الوعد الإلهي للثواب بمقدار البلوغ، وذلك من باب التفضّل الإلهي فقط، ولا تدلّ على الإستحباب الواقعي للفعل ولا الإستحباب الظاهري .


[1]وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج1، ص60، أبواب مقدمة العبادات، ب18، ح2، ط الاسلامية.