بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

36/03/10

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : الروايات المؤيّدة لقاعدة البراءة الشرعية

  هناك بعضُ الروايات تؤيّد ذلك حتى ولو كانت ضعيفةَ السند، وهاك ما رأيتُه منها :
 1 ـ قال في ئل : رُوِيَ ( اَنّ اللهَ لا يخاطب الخلقَ بما لا يَعلمون )[1] .
2 ـ وفي الكافي أيضاً عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن عيسى عن عبد الله بن محمّد الحجّال(ثقة ثبت وجه) عن ثعلبة بن ميمون(كان وجهاً في أصحابنا فقيهاً كثير العبادة والزهد ثقة خيّر) عن عبد الأعلى بن أعين(مولى آل سام ويروي عنه في الفقيه مباشرةً وهو أمارة الوثاقة) قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام): مَن لم يَعْرِفْ شيئاً هل عليه شيءٌ ؟ قال : ( لا )[2] .أقول : الأظهر من هكذا سؤال وجواب أنهما ناظران إلى مَن لا يعرف شيئاً، من قبيل اليهود والنصارى وسائر الفرق الإسلامية والكافرة المنحرفة ـ لا إلى ما نحن فيه ـ فمِنَ الطبيعي، وبمقتضى العدالة الإلهية أن يحاسبهم اللهُ تعالى على قدر معرفتهم .
3 ـ ولك أن تستدلّ بـ أحاديث الحِلّ، لكنها تفيدُنا في خصوص موارد الشكّ في الحليّة والحرمة، من هذه الروايات :
  (أ) ما رواه في الكافي عن علي بن إبراهيم عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة(عامّي بتري) عن أبي عبد الله (عليه السلام)قال سمعته يقول : ( كل شيء هو لك حلالٌ حتى تعلم أنه حرام بعينه فتدعه مِن قِبَلِ نفسِك، وذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته وهو سرقة، والمملوك عندك لعله حُرٌّ قد باع نفسَه، أو خُدِعَ فَبِيعَ قهراً، أو امرأة تحتك وهي أختك أو رضيعتك، والأشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غيرُ ذلك، أو تقومَ به البيِّنَةُ )[3]، ورواها الشيخ في يب بإسناده عن علي بن إبراهيم، وهي موثّقة السند، وتَثبت وثاقةُ مسعدة بن صدقة برواية الصدوق عنه في فقيهه مباشرةً وقد شهد أنه قد أخذ رواياته عن المصنّفات والاُصول التي عليها المعوّل وإليها المرجع، ممّا يعني وثاقةَ أصحابها على الأقلّ، وهذه الطريقة معروفة ومشهورة بين علماء الحديث والرجال، ولذلك وصفها جملةٌ من الأعلام بالموثّقة كالشيخ الأنصاري وصاحب الحدائق وغيرهما .
  تقريب الحديث : أوّلاً : لا شكّ أن سياق الحديث ناظر إلى الشبهات التحريمية، وثانياً : قولُه (عليه السلام)( بِعَينِهِ ) ظاهرٌ في النظر إلى خصوص الشبهات الموضوعيّة، وذلك لأنّ معنى ( بِعَينِهِ ) أنه يوجد شيئان أو أكثر، فيها حلال وحرام، كما لو كان يوجد إناء طاهر وإناء متنجّس، والحديثُ يفيدُ حلّيّةَ كلا الطرفين !! وهو قول لا يقول به فقيه قط . فيجب إذَنْ أن تكون كلمة ( بِعَينِهِ ) زائدة، وح يجب أن نقول بأنّ المرادَ من الرواية غيرُ مواردِ العِلم الإجمالي، يؤيّد ذلك المواردُ المذكورةُ فيها، فإنه ليس فيها علم إجمالي . إذَنْ هذه الروايةُ تكونُ مؤيّدةً ـ بوضوح ـ لقاعدة البراءة .  
  (ب) وما رواه في الكافي أيضاً عن أحمد بن محمد الكوفي عن محمد بن أحمد النهدي(هو محمد بن أحمد بن خاقان المعروف بـ حمدان القلانسي كوفيّ فقيه ثقة خيّر) عن محمد بن الوليد عن أبان بن عبد الرحمن(مهمل جداً) عن عبد الله بن سليمان(الصيرفي له أصل لم يوثّقوه) عن أبي عبد الله (عليه السلام)في الجبن قال : (كلُّ شيءٍ لك حلالٌ حتى يجيئَك شاهدان يشهدانِ عندك أنّ فيه مَيتةً )[4] . قال السيد الخوئي في معجمه ج 10 في عبد الله بن سليمان ص 199 : ( كذا في يب، لكن في الفقيه (عبد الله بن سنان) بدل (عبد الله بن سليمان) وهو الصحيح بقرينة سائر الروايات) (إنتهى) .
  أقول : لكن في الكافي أيضاً ـ باب الجبن ـ قال : محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن ابن محبوب عن عبد الله بن سنان عن عبد الله بن سليمان قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الجبن، فقال لي : ( لقد سألتني عن طعام يعجبني ) ثم أعطى الغلام درهماً فقال : ( يا غلام اِبْتَعْ لنا جبناً )، ودعا بالغداء فتغدينا معه وأتي بالجبن فأكل وأكلنا معه فلما فرغنا من الغداء قلت له : ما تقول في الجبن ؟ فقال لي : ( أوَ لم ترني أكلتُه ؟ ) قلت : بلى، ولكني أحب أن أسمعه منك، فقال : ( سأخبرك عن الجبن وغيره، كلُّ ما كان فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه فتدعه )[5].
  وكذا رواها بعينها في المحاسن ـ للبرقي ـ عن ابن محبوب عن عبد الله بن سنان عن عبد الله بن سليمان قال : سألتُ أبا جعفر (عليه السلام) . على أيّ حال هي ضعيفة السند .
  أقول : لا شكّ أنّ متن الرواية التي يمكن الإعتماد عليها ـ وهي نصّا روايتَي الكافي ـ هما ( كلُّ شيءٍ لك حلالٌ حتى يجيئَك شاهدان يشهدانِ عندك أنّ فيه مَيتةً ) و ( كلُّ ما كان فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرفَ الحرامَ بعينه فتدعه ) فالنصّ الأوّل ممكنٌ جداً شرعاً، لأنّ الأصل أن لا يكون فيه ميتةً، والنصّ الثاني ناظر إلى العلم الإجمالي، فأنت إن كنت تعلم بوجود جبن حلال وجبن حرام في دكّانَين فَلَكَ أن تأكلَ مِن أحدِهما طالما لم تعرف الحرام بعينه !! وبما أنّ هذا المعنى بعيد، فلا بدّ من الجمع بين الروايات بأن نقول "طالما كنت شاكّاً في أصل وجود ميتة إلاّ في دكّان واحد في المدينة، فلا بأس بالأكل مِن كلّ الدكاكين، وهذا يعني عدم منجّزيّة العلم الإجمالي في هكذا حالة .
  وهذا يعني أنّ هذه الرواية أيضاً، تؤيّد قاعدةَ البراءة .


[1]وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج18، ص151، من أبواب صفات القاضي، ب13، ح81، ط الاسلامية.
[2]الكافي، الكليني، ج1، ص164، باب حجج الله على خلقه، ح5
 نَظْرَةٌ إلى عبد الأعلى بن أعين : هو عبد الأعلى بن أعيَن مولَى آل سام، فقد رووا في الكافي ج 5 كتاب النكاح 3  باب فضل الأبكار ح 1، وفي يب  ج 7 باب اختيار الأزواج  ح 1598 (عن علي بن رئاب عن عبد الأعلى بن أعيَن مولَى آل سام عن أبي عبد الله عليه السلام) . ويظهر من الكثير من علمائنا توثيقُه كالشيخ المفيد والسيد بحر العلوم في الفوائد الرجالية والسيد الخوئي في معجم رجاله، بل نفس رواياته العالية المضامين تدلّ على علوّ مقامه الولائي، ورواية أجلاء أصحابنا عنه كحمّاد بن عثمان وعبد الله بن مسكان وثعلبة بن ميمون .. بل يظهر من الشيخ المفيد أنه فوق درجة الوثاقة .. كلّ هذا يُطَمْئِنُ الإنسانَ بوثاقته.
[3]وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج12، ص60، من أبواب ما يكتسب به، ب4، ح4، ط الاسلامية.
[4]وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج17، ص91، أبواب الاطعمة المباحة، ب61، ح2، ط الاسلامية.
[5]وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج17، ص91، أبواب الاطعمة المباحة، ب61، ح1، ط الاسلامية.