بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

36/02/25

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : بقية الكلام في مطهّريّة الأرض
 الثاني من المطهّرات : الأرض، وهي تطهّر باطنَ القدم وباطن النعل بالمشي عليها لكن بشرطين : طهارة الأرض المطهِّرة وزوال النجاسة تماماً 291 .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 291 ذكرنا تعليقاتنا على هذه المسألة، وسنقتصر على ذكر خصوص الزيادات في بحث اليوم :

1 ـ ما رواه في يب بإسناده ـ الصحيح ـ عن الحسين بن سعيد وعلي بن حديد وعبد الرحمن بن أبي نجران عن حمّاد بن عيسى عن حَرِيز بن عبد الله عن زرارة بن أعين قال : قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : رجل وطأ على عذرة فساخت رِجْلُهُ فيها، هل يجب عليه غسلها ؟ فقال : ( لا يغسلها إلاّ أن يتقذَّرها، ولكنه يمسحها حتى يذهب أثرها ويصلي )[1] صحيحة السند . ولك أن تقول بأن قوله "فساخت رِجْلُهُ فيها" شامل عرفاً لما إذا كان منتعلاً أيضاً .
2 ـ ما رواه في الكافي عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن أبي عمير عن جميل بن صالح عن (محمد بن النعمان)الأحول(مؤمن الطاق ثقة متكلّم) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : في الرجل يطأ على الموضع الذي ليس بنظيف ثم يطأ بعده مكاناً نظيفاً ؟ قال : ( لا بأس إذا كان خمسة عشر ذراعاً أو نحو ذلك )[2] وهي مطلقة من ناحية ما لو وطأ برِجْلِه أو بِنَعْلِه . وقول السائل "يطأ على الموضع الذي ليس بنظيف" مطلق يشمل ما لو كان بولاً أو غير ذلك، ويمكن استفادةُ تطهير الحذاء إن تنجّس من غير الأرض أيضاً، وذلك لعدم الفرق بين ما لو كان منشأ النجاسة الأرض أو غير الأرض، خاصةً إذا قرأنا صحيحة زرارة الآتية . والذراع المتعارف 45 سنتم، فتكون المسافة التي قالها الإمام (عليه السلام)  (15× 45 = 675 سنتم) 6,75 م، وهو تحديدٌ جيد عرفاً، فبه يحصل النقاء عادةً، لكن المشهور لم يلتزموا بهذه المسافة، ولذلك لا بدّ من حملها على الإرشاد، وعليه فلو حصل النقاءُ بأقلّ من هذا، كما لو كان يتعمّد إزالة النجاسة ضمن دائرة صغيرة لكفى .
3 ـ وفي الكافي أيضاً عن علي بن ابراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن جميل بن دراج عن المعلى بن خنيس قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الخنزير يخرج من الماء فيمر على الطريق فيسيل منه الماء، أمُرُّ عليه حافياً ؟ فقال : ( أليس وراءَه شيءٌ جافٌّ ؟ ) قلت : بلى، قال : ( فلا بأس، إنَّ الأرضَ يُطَهِّرُ بعضُها بعضاً )[3] وهي تفيدنا طهارةَ الحذاء أيضاً إذا تنجّس من الأرض، ونستفيد من هذه الرواية أيضاً اشتراطَ أن تكون الأرض المطهّرةُ جافّةً .
4 ـ وأيضاً في الكافي عن محمد بن إسماعيل(النيشابوري) عن الفضل بن شاذان عن صفوان (بن يحيى) عن إسحق بن عمار(ثقة فطحي وأصله معتمد) عن محمد(بن علي)الحلبي قال : نزلنا في مكان بيننا وبين المسجد زقاقٌ قذر، فدخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فقال : أين نزلتم ؟ فقلت : نزلنا في دار فلان، فقال : إن بينكم وبين المسجد زقاقاً قَذِراً، أو قلنا له : إن بيننا وبين المسجد زقاقاً قذراً، فقال : ( لا بأس، إن الأرض يُطَهِّرُ بعضُها بعضاً )[4]، قلت : والسرقين الرطب أطأ عليه، فقال : ( لا يَضُرُّكَ مِثْلُه ) موثّقة السند . قال الكليني : وفي رواية أخرى ( إذا كان جافّاً فلا تغسلْه ) . لكن لا يمكن القول بإطلاق هذه الرواية لأنّ الظاهر قوياً جداً أنها والرواية السابقة رواية واحدة، والثانية تصرّح بأنه وطأ برجله، من غير حذاء .
  ورواها محمد بن إدريس في (آخر السرائر) نقلاً من نوادر أحمد بن محمد بن أبي نصر عن المفضل بن عمر(إختلفوا في مدحه وذمّه) عن محمد(بن علي)الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : قلت له : إن طريقي إلى المسجد في زقاق يبال فيه، فربما مررت فيه وليس علَيَّ حذاءٌ، فيَلْصُقُ برِجْلي مِنْ نَداوته ؟ فقال : ( أليس تمشي بعد ذلك في أرض يابسة ؟ ) قلت : بلى، قال : ( فلا بأس، إنّ الأرض يُطَهِّرُ بعضُها بعضاً )، قلت : فأطأ على الروث الرطب ؟ قال : ( لا بأس، أنا والله ربما وطأت عليه ثم أصلي ولا أغسله )[5] فإنك يمكن لك الإستفادة من التعليل في القول بطهارة الحذاء الذي تنجّس من الأرض، وهو يعني أنّ الأرض الطاهرة تزيل القذارة عن الحذاء الذي تنجّس منها، وهذا أمْرٌ علميّ واضح . وتستفيد من قوله ( يابسة ) أن تكون الأرضُ المطهّرةُ يابسة .
5 ـ وفي يب عن الشيخ المفيد(محمد بن محمد بن النعمان) عن جعفر بن محمد(بن جعفر بن موسى)بن قولويه(صاحب كامل الزيارات) عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد عن علي بن حديد وابن أبي نجران جميعاً عن حماد بن عيسى عن حريز بن عبد الله عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام)  قال : (جرت السنة في أثر الغائط بثلاثة أحجار أن يمسح العجان ولا يغسله، ويجوز أن يمسح رجليه ولا يغسلهما )[6] صحيحة السند .
6 ـ وبإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيي عن أحمد بن الحسن(بن علي بن فضّال) عن عمرو بن سعيد عن مصدق بن صدقة عن عمار بن موسى عن أبي عبد الله (عليه السلام)  ـ في حديث ـ أنه سأله عن الرجل يتوضأ ويمشي حافياً ورجله رطبة، قال : ( إن كانت أرضكم مبلطة أجزأكم المشي عليها )، فقال : ( أمّا نحن فيجوز لنا ذلك، لأنّ أرضنا مُبَلَّطَة، يعني مفروشة بالحصى )[7] موثّقة السند .
7 ـ وفي يب عن الشيخ المفيد عن أبي القاسم جعفر بن محمد(بن جعفر بن موسى)بن قولويه(صاحب كامل الزيارات) عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أبي جعفر أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن فضالة بن أيوب وصفوان بن يحيى جميعاً عن عبد الله بن بكير عن حفص بن أبي عيسى(مجهول) قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام)  : إنْ وَطَأْتُ على عذرة بخُفّي ومَسَحْتُه حتى لم أرَ فيه شيئاً، ما تقول في الصلاة فيه ؟ فقال : ( لا بأس )[8] ضعيفة السند بـ حفص بن أبي عيسى، ولكنها مظنونة الصدور .
  أقول : ظاهرُ مرادِ السائل أن يقول هل يكفي مسْحُهُ في طهارته، فأجابه الإمام (عليه السلام)  بكفاية ذلك . وأمّا لو كان الإمام يريد أن يقول بجواز الصلاة فيه لأنه ممّا لا تتمّ فيه الصلاة، لقال له لا حاجة إلى مسحه بالتراب حتى تزول النجاسة، فإنه يجوز الصلاة بالنجاسة فيما لا تتمّ فيه الصلاة، فإنّ الإمام (عليه السلام)  في مقام بيان الأحكام الشرعية، ولا يسكت عن اشتباه السائلين، ولا يتركهم في ضلالتهم، فالرواية دالّةٌ على المطلوب .

  ثم إنّه يكفي مسْحُ الرجل أو الحذاء بالتراب، وذلك للروايات السابقة من قبيل صحيحة زرارة السابقة ( لا يغسلها إلاّ أن يتقذَّرها، ولكنه يمسحها حتى يذهب أثرها ويصلي )[9] وروايات ( لا بأس، إن الأرض يُطَهِّرُ بعضُها بعضاً )[10]كموثّقة محمد الحلبي .

  ولا يُشترَطُ المشيُ على الأرض خمس عشرة خطوة ـ كما نُسِب إلى ابن الجنيد ـ فإنّ الجمع بين الروايات التي هي في مقام البيان والعمل يقتضي حمْلَ الخمسة عشر ذراعاً على أحد المصاديق، والواجب هو مسح الرجل أو الحذاء بالأرض حتى يذهب أثر النجاسة .
  ويكفي أخْذُ الحذاءِ بيده ومسْحُهُ بالتراب حتى تزول القذارة، فالمسألةُ توصليّة محضة، بدليل صحيحة زرارة السابقة ( ولكنه يمسحها حتى يذهب أثرها ويصلي )، واكتفى ابن الجنيد بكلّ جسم قالع للقذارة .
  لو تنجّس إمّا نَعْلُهُ وإمّا نعل شخصٍ خارج عن محلّ ابتلائه، فلا شكّ في لزوم اجتناب استعمال نعله فيما يشترط فيه الطهارة، وذلك لبقاء العلم الإجمالي حقيقةً وعقلاً .
  لو كان على الأرض أشياء غير التراب، كالحصى والرمل وأوراق الأشجار والقراطيس والخرق ممّا يُتعارف وجودُها على الأرض لم يضرّه شيئاً، بعد أن كان المناط هو زوال النجاسة، وذلك للإطلاق في صحيحة زرارة السابقة ( ولكنه يمسحها حتى يذهب أثرها ويصلي )[11] ولم يذكر ماهيّةَ الماسح وحقيقته، ولإطلاق صحيحة الأحول، إذ لم يذكر مؤمنُ الطاقِ طبيعةَ المكانِ النظيف، وأقرّه الإمام على ذلك، لاحِظِ السؤالَ والجواب ثانيةً : في الرجل يطأ على الموضع الذي ليس بنظيف ثم يطأ بعده مكاناً نظيفاً ؟ قال : ( لا بأس إذا كان خمسة عشر ذراعاً أو نحو ذلك )[12] وهي مطلقة من ناحية ما لو وطأ مكاناً فيه خرق أو أوراق أشجار أو رمل أو قراطيس ونحو ذلك ممّا قد يكون على الأرض أحياناً . وكذلك تلاحظ صحيحةَ زرارة، لاحظِ الروايةَ مرّةً ثانية ( ويجوز أن يمسح رجليه ولا يغسلهما )[13] أي يجوز أن يمسحهما بأيّ شيء ممّا يزيل النجاسة كالخِرَق، وكذلك رواية حفص بن أبي عيسى قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام)  : إنْ وَطَأْتُ على عذرة بخُفّي ومَسَحْتُه حتى لم أرَ فيه شيئاً، ما تقول في الصلاة فيه ؟ فقال : ( لا بأس )[14]  إذ لم يَذكرِ السائلُ الماسحَ وحقيقتَه وأقرّه الإمام على ذلك .
  نعم، يجب أن يكون الماسح قادراً على إزالة القذارة، ولذلك فلو أزال القذارةَ بالجص والنورة مثلاً كفى ذلك، للروايات السالفة الذكر أخيراً .


[1] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج2، ص1048، أبواب النجاسات، ب32، ح7، ط الاسلامية.
[2] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج2، ص1046، أبواب النجاسات، ب32، ح1، ط الاسلامية.
[3] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج2، ص1047، أبواب النجاسات، ب32، ح3، ط الاسلامية.
[4] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج2، ص1046، أبواب النجاسات، ب32، ح4، ط الاسلامية.
[5] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج2، ص1048، أبواب النجاسات، ب32، ح9، ط الاسلامية.
[6] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج2، ص1048، أبواب النجاسات، ب 23، ح10، ط الاسلامية.. ملاحظة : قال في ئل (.. عن عليّ بن حديد عن ابن أبي نجران جميعاً..) وهذا بلا شكّ خطأ، والصحيح ما ذكره في المصدر ـ أي في يب ـ وهو (.. عن عليّ بن حديد وابن أبي نجران جميعاً.)
[7] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج2، ص1048، أبواب النجاسات، ب32، ح8، ط الاسلامية.
[8] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج2، ص1047، أبواب النجاسات، ب32، ح6، ط الاسلامية.
[9] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج2، ص1048، أبواب النجاسات، ب32، ح7، ط الاسلامية.
[10] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج2، ص1046، أبواب النجاسات، ب32، ح4، ط الاسلامية.
[11] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج2، ص1048، أبواب النجاسات، ب32، ح7، ط الاسلامية.
[12] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج2، ص1046، أبواب النجاسات، ب32، ح1، ط الاسلامية.
[13] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج2، ص1048، أبواب النجاسات، ب32، ح10، ط الاسلامية. ملاحظة : قال في ئل (.. عن عليّ بن حديد عن ابن أبي نجران جميعاً..) وهذا بلا شكّ خطأ، والصحيح ما ذكره في المصدر ـ أي في يب ـ وهو (.. عن عليّ بن حديد وابن أبي نجران جميعاً.)
[14] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج2، ص1047، أبواب النجاسات، ب32، ح6، ط الاسلامية.