بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

36/02/09

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : حصْرُ البحثِ في الاُصول الأربعة

   المقدمة السادسة : حصْرُ البحثِ في الاُصول الأربعة

  تعرّضوا في الأصول العمليّة لأربعة أصول فقط وهي البراءة والإشتغال والتخيير والإستصحاب .
   ومن هنا تكلَّم بعضهم في أنّه ما هو وجه اختصاص البحث في الأصول العملية بهذه الأصول الأربعة مع وجود أصول أخرى غيرها، كقاعدتَي الفراغ والتجاوز، وكقاعدة الطهارة، خاصةً الجارية في الشبهات الحكمية .

  الجواب عن هذا الإشكال واضح، وهو أنّ الفراغ والتجاوز تجريان في مورد مخصوص جداً، وهو بعد الفراغ من العمل، بل هما قاعدتان فرعيّتان بدليل أنّ العامّي يجريهما أيضاً، بمعنى أنه يطبّقهما في مواردهما المخصوصة .

  وكذلك قاعدة الطهارة، سواء الجارية في الشبهات الموضوعية أم الجارية في الشبهات الحكمية، فإنّ موردهما مخصوص جداً، فلا ينبغي أن تكون في الاُصول العملية، خاصةً الطهارة الجارية في الشبهات الموضوعية، فإنه لا وجه لكونها من علم الاُصول .

  وأمّا أصالة الطهارة في الشبهات الحكمية فإنه لا يُستنبَط منها إلا البناء على الطهارة فقط، وليست دائرة جريانها هي في كلّ الأبواب الفقهية ـ كما هو الحال في البراءة مثلاً ـ بل لك أن تقول بعدم ارتباطها ببحث الأصول، ولذلك كان الأنسب هو عدم طرحها في علم الاُصول أصلاً .

  وأمّا الأصول الأربعة التي يقتصرون عليها في علم الاُصول فقد قالوا بأنها تجري في كلّ أبواب الفقه الإستدلالي، ولا عنوان لها مخصوص . وأنت تعلم أنّ علم الاُصول هو العلم بالقواعد المشتركة في عملية الإستنباط، من قبيل (دَلالة الأمر على الوجوب) الذي هو عنصر مشترك، ومن قبيل (دلالة عدم التقييد على الإطلاق والشمول)، فإنهما لا يختصّان ببعض الموادّ دون بعض، بخلاف قاعدة الطهارة .
   أمّا الإستصحاب، فهو عندنا لا يجري إلاّ في الشبهات الموضوعيّة ـ دون الحكمية ـ وهو يفيدنا فقط البناء على بقاء الحالة السابقة، ولذلك فهو ينبغي أن يكون قاعدةً فقهيّة أيضاً ـ لا اُصولية ـ لأنّ المكلّف يطبّقها بنفسه، ولا يُستنبَطُ منها حكمٌ شرعي .

   لكنهم مع ذلك جعلوه ـ بحقّ ـ مِن ضِمن الاُصول العمليّة، وذلك لبحثهم فيه في إمكان جريانه في الشبهات الحكمية أيضاً، ولبحثهم فيه في العديد من الأبحاث الكليّة كالبحث في مدى صحّة استصحاب عدم النسخ ..
   يقول السيد الشهيد الصدر : ( الظاهر أنّ الذي يطَّلع على تاريخ المسألة بالنحو الَّذي حقّقناه يعرف النكتة في الإقتصار على هذه الأصول الأربعة في تاريخ علم الأصول، فإنّ فكرة الأصل العمليّ لم تنشأ بهذا النحو الكامل منذ وجد علم الأصول، وإنّما الأصول العمليّة نشأت شعبة من شعب الأدلَّة العقليّة، وفقهاءُ الشيعة الذين كانوا يتمسّكون بالأصل العمليّ كانوا يتمسّكون بالأصول العمليّة العقليّة، ويعتبرونها من الأدلَّة العقليّة، حتى أنّ الإستصحاب كانوا يحكمون بحجّيّته من باب العقل، ولم يذكر أحد منهم الإستدلال بالأخبار على حجّيّة الإستصحاب إلا المتأخّرون، وأوّل مَن ذكر الإستدلال بها على ذلك والد الشيخ البهائي رحمه الله . فالعقل في نظرهم تارة يستقلّ بالبراءة، وأخرى بالإحتياط، وثالثة بالتخيير، ورابعة بالإستصحاب، ومن الواضح أنّ أصالة الطهارة وأصالة عدم النسخ ونحو ذلك ليست من الأحكام العقليّة، ولم يُتوهّم أنّها أحكام عقليّة حتى تذكر أيضاً تحت عنوان الدليل العقليّ، وحتى حينما حقّقت فكرة الأصل وميّز ما بينها وبين فكرة الأمارة على يد الأستاذ الوحيد قدّس سرّه بقي أيضاً تصنيف علم الأصول بهذا النحو، وكانت تذكر الأصول الأربعة تحت عنوان الدليل العقليّ، وأوّلُ مَن غيّرَ تصنيفَ الأصول وأقامه على أساس هذه الفكرة الجديدة للأصل هو الشيخ الأعظم رحمه الله . ولما غَيّر التصنيفَ لم يُكَثّر في العدد، بل اتّبع نفس طريقتهم، فالإقتصار على هذه الأربعة مرتبط بتأريخ المسألة وتطوّر الفكر العملي للمسألة، وغير مربوط بنكتة من النكات الدقيقة لنبحث عنها إلى أن نكتشفها)[1] (إنتهى) .


[1] مباحث الاصول، سيد محمد باقر الصدر، ج3، ص53.