بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

36/01/23

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: الكلامُ في حجيّة خبر الصبيّ الثقة في الموضوعات وفي معنى الوثاقة

الكلامُ في حجيّة خبر الصبيّ الثقة في الموضوعات
   * لا شكّ في عدم حجيّة قول الصبيّ الغير مميّز عقلاً وشرعاً وعقلائياً، وأمّا إن كان مميّزاً وثِقَةً في نفسه فلا شكّ في لزوم الإحتياط ـ إن لم يكن القولُ بقبول قوله كالبالغ قوياً ـ ولا يُصغَى لمن يقول بأنّ الأصلَ عدمُ حجيّة قولِه، وذلك لورود روايات في أنه إنما يصلَّى عليه إذا بلغ ستّ سنوات وذلك لأنه يعقل الصلاة، ولأنه يؤدّب ويعزّر إذا ارتكب الفواحش، فقد ورد في الروايات أنه إذا سرق الصبيّ ولم يحتلم بَعْدُ عُفِي عنه، فإن عاد عُزّر، فإن عاد تقطع أطراف الأصابع (بنانه ـ في رواية اُخرى) فإن عاد قُطِع أسفل من ذلك، وورد أنه يصحّ عِتْقُه إذا بلغ عشر سنوات وصَدَقَتُه ووصيّتُه على حدّ معروف وطلاقه وأن يؤمّ القوم . بل في صحيحة أبي بصير ) إذا بلغ الغلام عشر سنين وأوصى بثلث ماله في حق جازت وصيته، وإذا كان ابن سبع سنين فأوصى من ماله باليسير في حق جازت وصيته ([1]، لا، بل ورد أنه تجب عليه الفرائض "إذا كان ابن ست سنين" .
   فهل ترى كلّ هذا ـ من تعزيرات وعتق وصدقة ووصيّة وطلاق وغيرها ـ يصير عليه ويُقبَلُ منه ولا يُقبَل قولُه في الطهارة أو النجاسة مثلاً ؟!
   وأمّا رَفْعُ القلمِ عنه فهو امتنان محض لا أنه يكشف عن عدم عقله، نعم رَفْعُ القلمِ عنه يكشف عن نقصان عقلِه قليلاً بلا شكّ، وهذا أمر وجداني واضح، لذلك لا يحدّ حدّ البالغ . لذلك يجب الإحتياط في قوله قطعاً .
*   *   *   *   *

نظرةٌ في معنى الوثاقة
ذَكَرْنا في تعليقتنا على الحلقة الثالثة هذا البحثَ بالتفصيل، ونعيده هنا ـ بتنقيح أكثر ـ فنقول :
   قد يتوهّم البعضُ أنّ الوثاقة تعني العصمة عن الكذب دائماً وفي كلّ الحالات !
   هذا الإعتقاد فيه مبالغة واضحة ـ طبعاً كلّ كلامنا في هذا البحث لا يُقصَدُ به المعصومون )عليهم السلام) ـ فإنّ الوثاقةَ أمْرٌ نفساني ذو مراتب تختلف شدّةً وضعفاً ـ كسائر القوى والملكات النفسانية، كالإيمان والعدالة والشهوة والغضب ـ فقد تكون وثاقة شخص واصلةً إلى أقرب حدّ من العصمة، كما في وثاقة النوّاب الأربعة رضي الله عنهم، وقد يكون الكثير من رواتنا الكبار وعلمائنا الأعلام قريبين إلى هذا الحدّ العظيم، وترى علماء الرجال يصفون بعضهم بأنه "ثقة ثقة" وبعضهم بأنه "ثقة" ثم يصيرون يتنزّلون في عبائرهم فيقولون "صالح" أو "كان رجلاً صالحاً" أو "صالح الرواية" حتى يصير بعضُهم محلّ شكّ باعتقادهم، فلا يوثّقونهم، وإنما يمدحونهم بقولهم مثلاً : "كان خيّراً" أو "خيّر فاضل" أو "من أجلاّء الشيعة" أو "من أجلّة أصحاب الحديث" أو "عظيم القدر عظيم المنزلة" أو "شيخ العصابة في زمنه ووجههم" أو "له أصل" مع أنهم كانوا بصدد التوثيق، ومع ذلك لم يوثّقوا هؤلاء , وإنما اكتفوا بهكذا عبارات !! المهم هو أنّ الرجاليين ملتفتون إلى التشكيك في الوثاقة والعدالة، فوصوفوهم بعبارات تصفهم بحسب اعتقادهم .


[1] رواها في الفقيه بإسناده ـ الصحيح ـ عن محمد بن أبي عمير عن أبي المغرا(حميد بن المثنّى ثقة ثقة) عن أبي بصير يعني المرادي عن أبي عبد الله)عليه السلام) أنه قال : ( إذا بلغ الغلام عشر سنين وأوصى بثلث ماله في حق جازت وصيته، وإذا كان ابن سبع سنين فأوصى من ماله باليسير في حق جازت وصيته .) صحيحة السند، ورواها الكليني عن حميد بن زياد عن الحسن بن محمد بن سماعة عن عبد الله بن جبلة عن أبي المغرا .وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج13، ص428، أبواب أحكام الوصايا، ب44، ح2، ط الاسلامية