بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

35/08/01

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: إستثناءً : هل يحلّ أكلُ السمكِ الذي لا فَلْس له ؟

الجواب : لا يجوز ذلك على الأحوط إن لم يكن أقوى،
    دليلنا على ذلك يظهر في التفصيلات التالية :
   * إشتهر بين قدماء الفقهاء الإمامية حرمةُ أكلِ السمك الذي لا فَلْس له،
  ـ فقد قال الشيخ الصدوق في المقنع والهداية (باب ما يؤكل من السمك والجراد) : كلْ مِن السمك ما كان له فلوس، ولا تأكل ما ليس له فلوس، ولا تأكل من السمك الجِرّيّ ولا المارماهي ولا الطافي ولا الزمّير .
  ـ وقال الشيخ المفيد في المقنعة : ويؤكل من صيد البحر كلّ ما كان له فلوس من السموك، ولا يؤكل منه ما لا فَلْس له، ويُجتنَب الجِرّيّ والزمار والمارْماهي من جملة السموك، ويُعزّر آكلُ الجِرّيّ والمارْماهي والزمار ومسوخِ السمك كلها .
  ـ وقال السيد الشريف المرتضى في الإنتصار : وممّا انفردت به الإمامية تحريم أكل الثعلب والأرنب والضبّ، ومن صيد البحر : السمك الجِرّيّ والمارْماهي والزمار وكل ما لا فَلْس له من السمك .
  ـ وقال في رسائله : وإنّ الجِرّيّ والمارْماهي وكل ما لا فَلْس له من السمك حرام .
  ـ وقال سلاّر بن عبد العزيز في مراسمه العلوية : وصيد البحر على ضربين : سمك وغير سمك، فغير السمك لا يؤكل، والسمك على ضروب : الجِرّيّ والزمر والمارْماهي والطافي  وغير ذلك، فالأوّل كله محرّم، وما عداه على ضربين : ما له فَلْس من السموك وما لا فَلْس له، والأوّل حِلّ، والثاني محرّم .
  ـ وقال الشيخ الطوسي في الخلاف : لا يؤكل من حيوان الماء إلا السمك، ولا يؤكل من أنواع السمك إلا ما كان له قشر، فأمّا غيره مثل المارْماهي والزمّير وغيره فإنه لا يحلّ أكله بحال .
  ـ وقال في المبسوط : السمك عندنا لا يؤكل منه إلا ما كان له فَلْس، فأمّا ما ليس له فَلْس مثل المارْماهي والجِرّيّ وغير ذلك فلا يحلّ أكله .

   أقول : هذا هو الجوّ العام بين فقهائنا قديماً وحديثاً، وقبل أن نذكر بقية الأقوال وما نميل إليه يجب أن نذكر الروايات التي هي على طائفتين، وهما :
  الطائفة الاُولى : وهي المشهورة منهما وهي تنهى عن أكله وهي :
  1 ـ محمد بن يعقوب في الكافي عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد وعن محمد بن يحيى (العطّار) عن أحمد بن محمد (بن عيسى) جميعاً عن (الحسن) ابن محبوب (من أصحاب الإجماع) وأحمد بن محمد بن أبي نصر جميعاً عن العلاء بن رزين عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليهما السلام)ـ في حديث ـ قال قلت له : رحمك الله، إنّا نؤتى بسمك ليس له قشر، فقال : ( كُلْ ما له قشر من السمك، وما ليس له قشر فلا تأكله )، ورواها الشيخ في التهذيب باسناده عن الحسين بن سعيد عن فضالة بن أيوب عن العلاء مثله، صحيحة السند .
   فإنْ قلتَ : لكنْ هذه الرواية معارَضةٌ بصحيحةٍ اُخرى لنفس محمد بن مسلم ـ الواردة في الطائفة الثانية ـ مصرّحةٍ بالكراهة، فقد قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام)  عن الجِرّيّ والمارْماهي والزمّير وما ليس له قشر من السمك أحرام هو ؟ فقال لي : ( يا محمد، إقرأ هذه الآية التي في الأنعام [قُلْ لا أجدُ فيما اُوحِيَ إلي مُحَرَّماً] )قال : فقرأتها حتى فرغت منها، فقال : ( إنما الحرام ما حرم الله ورسولُه في كتابه، ولكنهم قد كانوا يعافون أشياء فنحن نعافها ) وهي ظاهرة في عدم الحرمة، على أنّ الأخذ بالرواية المتأخّرة ـ أي عن الصادق (عليه السلام)  ـ اَولى من الأخذ بالرواية المتقدّمة ـ عن الباقر (عليه السلام)  ـ لأنّ محمد بن مسلم كان قد صار في عهد الإمام الصادق فقيهاً كبيراً يعرف الأحكام على واقعيتها، ويعرف ماذا ينقل للأصحاب، خاصّة وأنه كان قد سأل الإمام الباقر سابقاً نفس السؤال فصار مطّلعاً على هذه المسألة، فلا بدّ من حمل الرواية الاُولى على الكراهة الشديدة .
   قلتُ : الرواية الثانية القائلة بكراهة الجرّي ونحوه موافقةٌ للعامّة الذين أجمعوا على حلّيّة كل صيد البحر، على أنّ الروايات الصحيحة صرّحت بحرمة الجرّي والمارماهي ونحوهما .
   2 ـ وفي الكافي أيضاً عن الحسين بن محمد عن معلى بن محمد (مضطرب الحديث والمذهب) عن الحسن بن علي عن حمّاد بن عثمان (بن عمرو الناب من أصحاب الإجماع) قال قلت لأبي عبد الله  (عليه السلام)  : جعلت فداك، الحيتان ما يؤكل منها ؟  قال : ( ما كان له قشر )  قلت : ما تقول في الكَنْعَتْ([1]) ؟ قال : ( لا بأس بأكله )، قال قلت : فإنه ليس له قشر، فقال : ( بلى، ولكنها حوت سيئة الخلق تحتك بكل شيء، فإذا نظرت في أصل اُذُنِها (اُذُنَيها ـ يه) وجدت لها قشراً )، ورواها الصدوق في الفقيه باسناده عن محمد بن يحيى الخثعمي مثله، ورواها الشيخ في التهذيب باسناده عن الحسين بن سعيد عن محمد بن يحيى (بن سلمان الخثعمي ثقة) عن حماد بن عثمان مثله، صحيحة السند .
  فإنْ قلتَ : ولكنها غير صريحة بالحرمة، فيمكن جمعها مع الطائفة الثانية من الروايات الآتية بالقول بالكراهة، خاصّةً وأنّ نفس حمّاد هذا روى عنه في التهذيب باسناده عن الحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير عن حمّاد بن عثمان عن (عبيد الله بن علي) الحلبي قال : قال أبو عبد الله  (عليه السلام) : ( لا تأكل الجِرّيّ ولا الطحال فإنّ رسول الله (ص) كرهه )، وقال :( إنّ في كتاب عليّ (عليه السلام) ينهى عن الجِرّيّ وعن جماع من السمك) صحيحة السند، ممّا يعني أنّ المراد بالنهي هنا معنى الكراهة، أو أن يكون النهيُ من رسول الله (ص)  من باب السنّة النبويّة لا من باب الحرمة الإلهية .
  قلتُ : نعم يُحتمَل ذلك، ولكن هذا لو كانت الطائفة الثانية يمكن الإعتماد عليها، لكنها مخدوشة لما سيأتي .
   3 ـ وفي الكافي أيضاً عن عليّ بن ابراهيم عن أبيه عن عبد الله بن المغيرة عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام)  قال : كان عليّ  (عليه السلام) بالكوفة يركبُ بغلة رسول الله (ص)  ثم يمرّ بسوق الحيتان فيقول : ( لا تأكلوا ولا تبيعوا ما لم يكن له قشر من السمك )، ورواها الشيخ باسناده عن الحسين بن سعيد عن حماد (بن عيسى) عن عبد الله بن المغيرة عن (عبد الله) ابن سنان مثله، صحيحة السند .
   فإنْ قلتَ : وهذه أيضاً غير صريحة في الحرمة، فيمكن جمعها مع الطائفة الثانية بالقول بالكراهة، ومثلُها ما بعدها .
   قلت : صحيح، ولكننا ذكرنا أنه لا يصحّ أن يُعتمَد على الطائفة الثانية من الأصل، وهكذا ما بعدها .
  4 ـ وروى في الكافي عنه أيضاً عن أبيه عن حنّان بن سدير (ثقة واقفي) قال : اَهدَى فيضُ بنُ المختار إلى أبي عبد الله (عليه السلام)  ربيثا فأدخلها عليه وأنا عنده فنظر إليها فقال : ( هذه لها قشر )  فأكل منها ونحن نراه، ورواها الصدوق باسناده عن حنان بن سدير مثله، وهي غير صريحة بالحرمة .
   وروى في الكافي أيضاً بنفس السند (أي عنه عن أبيه عن حنّان بن سدير) قال : سأل العلا بن كامل (كاهل ـ خ) أبا عبد الله (عليه السلام)  وأنا حاضر عن الجِرّيّ، فقال : ( وجدنا في كتاب عليّ  (عليه السلام) أشياءَ من السمك محرّمةً، فلا تقربْها )، ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام)  : ( ما لم يكن له قشر من السمك فلا تقربَنّه ) موثّقة السند، أي فلا تـقربِ الجِرّيّ لأنها محرّمة، ثم يؤكّد الحرمةَ فيقول ( فلا تقربَنّه ) بنون التأكيد ـ كما في الكافي ـ، وقد اشتبه في الوسائل في بعض الحروف . وروايةُ الربيثا غيرُ رواية الجِرّي .
  5 ـ وفي الكافي أيضاً عنه عن هارون بن مسلم (ثقة وجه) عن مسعدة بن صدقة (عامّيّ بَتريّ([2])، لكنه ثقة عين) عن أبي عبد الله (عليه السلام)أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام)  كان يركب بغلة رسول الله(ص) ثم يمرّ بسوق الحيتان فيقول : (ألا  لا  تأكلوا ولا تبيعوا ما لم يكن له قشر)، ورواها البرقي في المحاسن عن هارون بن مسلم مثله، موثّقة السند .
  6 ـ وروى الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا قال : حدثنا عبد الواحد بن محمد بن عبدوس النيسابوري العطار رضي الله عنه بنيسابور في شعبان سنة اثنين وخمسين وثلاثمئة قال : علي بن محمد بن قتيبة النيسابوري([3]) عن الفضل شاذان قال : سأل المأمونُ (لعنه الله) عليَّ بنَ موسى الرضا (عليه السلام) أن يكتب له محض الاسلام على سبيل الإيجاز والاختصار فكتب (عليه السلام)  له أنّ ( محض الاسلام شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ... ) إلى أن قال : ( والايمان هو أداء الأمانة واجتناب جميع الكبائر وهو معرفة بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالأركان والتكبير في العيدين واجب في الفطر في دبر خمس صلوات ويبدأ به في دبر صلاة المغرب ليلة الفطر وفي الأضحى في دبر عشر صلوات ويبدأ به من صلاة الظهر يوم النحر وبمنى في دبر خمس عشرة صلاة، والنفساء لا تقعد عن الصلاة أكثر من ثمانية عشر يوماً، فإن طهرت ذلك صلّت، وإن لم تطهر حتى تجاوز ثمانية عشر يوماً اغتسلت وصلت وعملت ما تعمل المستحاضة ووو ... وتحريم الطحال فإنه دمٌ وتحريم الجِرّيّ([4]) والسمك والطافي والمارماهي والزمّير، وكل سمك لا يكون له فَلْس )[5]، ولهذه الرواية أكثر من سند في عيون الأخبار . لكن الكلام في صحّة نقل هذه الرواية لمخالفتها في أكثر من موضعٍ لإجماع الشيعة كما ترى، ولذلك لا يصحّ الإعتماد عليها .
  7 ـ وفي الكافي أيضاً عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم (ثقة ثقة له أصل) عن عمر بن حنظلة([6]) قال : حملت الربيثا يابسة في صُرّة فدخلت على أبي عبد الله (عليه السلام)  فسألته عنها، فقال : ( كلها )، وقال : ( لها قشر )، ورواها الشيخ باسناده عن الحسين بن سعيد عن محمد بن خالد عن ابن أبي عمير وباسناده عن أحمد بن محمد بن عيسى عن البرقي عن ابن أبي عمير، ورواها البرقي في المحاسن عن أبيه عن ابن أبي عمير مثله، صحيحة السند .

وهناك رواياتٌ ضعيفة السند، وقد تصحّح على بعض المباني وهي :
   1 ـ وفي الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن صالح بن السندي (مجهول الحال) عن يونس (بن عبد الرحمن) قال : كتبت إلى الرضا (عليه السلام)  : السمك لا يكون له قشور أيؤكل ؟ قال : ( إنّ من السمك ما يكون له زعارة فيحتك بكل شيء فتذهب قشوره ولكن إذا اختلف طرفاه يعنى ذنبه ورأسه فكلْ )، وهي مصحّحة بناءً على تصحيح روايات الكافي .
  2 ـ وروى الحسن بن الفضل بن الحسن الطبرسي (هو ابن صاحب مجمع البيان في تفسير القرآن، من أعلام القرن السادس للهجرة) في مكارم الأخلاق عن أحمد بن إسحاق (ثقة) قال : كتبت إلى أبي محمد (العسكري)  (عليه السلام) أسأله عن الأسقنقور يدخل في دواء الباه وله مخاليب وذنَب أيجوز أن يُشرب ؟ فقال : ( إذا كان لها قشور فلا بأس)، مرسلة السند جداً .
  3 ـ وروى في الكافي أيضاً عن أبي علي الأشعري عن الحسن بن علي (بن عبد الله بن المغيرة الكوفي ثقة ثقة) عن عمّه محمد (بن عبد الله، لم أعرف حاله) عن سليمان بن جعفر (الهاشمي ثقة) عن إسحاق صاحب الحيتان (لم أعرفه) قال : خرجنا بسمك نتلقى به أبا الحسن (عليه السلام)  وقد خرجنا من المدينة وقد قدم هو من سفر له فقال : (ويحك يا فلان لعلّ معك سمكاً ؟ ) فقلت : نعم يا سيدي جعلت فداك، فقال : ( إنزلا )، فقال : ( ويحك لعله زهو ) قال قلت : نعم فأريته، فقال : ( إركبوا لا حاجة لنا فيه ) (ثم قال في الكافي : والزهو سمك ليس له قشر)، مصحّحة بناء على صحّة روايات الكافي .
   ـ وقال في الفقيه : قال الصادق (عليه السلام)  : ( كلْ من السمك ما كان له فلوس، ولا تأكل منه ما ليس له فَلْس )، مصحّحة بناءً على جزم الشيخ الصدوق بقول الإمام الصادق (عليه السلام)  مع الظنّ باعتماده على الحسّ في النقل ـ لا على الحدس ـ، إلاّ أن أغلب الظنّ أنها مأخوذة من الروايات السابقة، ولذلك لا يصحّ عدّها .

   الطائفة الثانية من الروايات، وهي على نحوين :
   * النحو الأوّل، وهو عبارة عن روايتين تقولان بعدم الكراهة، وهما :
   1 ـ روى في التهذيب باسناده (الصحيح) عن الحسين بن سعيد عن صفوان (بن يحيى، من أصحاب الإجماع، ثقة ثقة عين) عن (عبد الله) ابنِ مُسْكان (من أصحاب الإجماع) عن محمد (بن علي بن أبي شعبة) الحلبي (وجه أصحابنا وفقيههم والثقة الذي لا يطعن عليه) قال : قال أبو عبد الله (عليه السلام) : ( لا يُكره شيء من الحيتان الا الجِرّيّ ) صحيحة السند جداً، وهي صريحة في حلّيّة السمك الذي لا فَلْس له بشمولها العمومي، بل صريحةٌ في عدم الكراهة، ولذلك لا يمكن الأخذُ بها ـ علميّاً ـ لأنها تعارض الروايات المستفيضة الناهية عن أكله، أو قل لما ورد في صحيحة عمر بن حنظلة من أنّه مع التعارض ( يُنظَر إلى ما كان من روايتهما عنّا في ذلك الذي حكما به المجمعُ عليه عند أصحابك، فيؤخذ به من حكمنا، ويترك الشاذّ الذي ليس بمشهور عند أصحابك، فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه
  فإنْ قلتَ : لكنْ مثلُ محمد بن عليّ الحلبي حينما ينقل هذه الرواية إلى أعلام فقهائنا وهم ينقلونها إلى الأعلام مِن بَعدهم فإنّ هذا يعني أنهم يعرفون أنّ هذا هو الحكم الواقعي لا حكم التقية وذلك لكون المسألة محلّ ابتلاء عامّة الناس .
   قلت : من الثابت ـ على ما رأيت من كثرة الروايات الناهية ـ حرمةُ السمك الذي لا فَلْس له أو كراهتُه على أقل تقدير ـ لا أنه ليس بمكروه أصلاً ـ، فهذه واردةٌ موردَ التقيّة بلا شكّ .
  2 ـ وفي التهذيب أيضاً باسناده عن الحسين بن سعيد عن فضالة (بن أيوب) عن أبان (بن عثمان من أصحاب الإجماع) عن حَرِيز (بن عبد الله) عن حكم (لا أعرفه) عن أبي عبد الله (عليه السلام)  قال :(لا يُكره شيء من الحيتان الا الجِرّيّث ) مصحّحة السند متناً لأنّ في سندها أبان وهو من أصحاب الإجماع . والمشكلة في الحَكَم فهناك أكثر من احتمال، فقد روى في البحار عن حمّاد عن حريز عن الحكم بن حمران وهو مجهول . وهذه الرواية كسابقتها، ولذلك لا بدّ من الإعراض عنها لمعلومية النهي عن السمك الذي لا فَلْس له، إنما الكلام في حرمته أو كراهته .

  * النحو الثاني : وهما أيضاً روايتان ولكنهما تقولان بالكراهة وهما :
   1 ـ وفي التهذيب أيضاً عن الحسين بن سعيد عن محمد بن أبي عمير عن عمر بن أذَينة (ثقة) عن زرارة قال : سألت أبا عبد الله  (عليه السلام) عن الجِرّيّث، فقال : وما الجِرّيّث ؟ فَنَعَتُّه له فقال : [ قل لا أجد فيما اُوحِيَ إليَّ مُحَرّماً على طاعِمٍ يَـطْعَمُهُ ]إلى آخر الآية ثم قال : ( لَمْ يُحَرِّمِ اللهُ شيئاً من الحيوان في القرآن الا الخنزيرَ بعينه (!)، ويكره كل شيء من البحر ليس له قشر مثل الورق، وليس بحرام، إنما هو مكروه)صحيحة السند، ولكنِ الأخذُ بها مشكلٌ جداً بعد تصريح جملة من الروايات الصحيحة بحرمة الجِرّيث ([7]).
  فإنْ قلتَ : بعدم الأخذ بصدر الرواية والأخذُ بذيلها، وهذا ـ علمياً ـ صحيح لصحّة التبعيض في خبر الثقة عرفاً .
  قلتُ : ولكن رغم ذلك في هذه الروايةِ رائحةُ التقية واضحة من تحليل الجرّيث، ولعلّ الإمام كان يخاف على زرارة كما يظهر من بعض الروايات، أي أنّ ظرف صدور الرواية كان يفرُض التقيّةَ، فلا محلّ للقول بالتبعيض لأنّ هذه الرواية واحدة وقد صدرت في ظرف التقيّة، فلا يصحّ أن نأخذ ببعضها لأنها لا تحكي عن الحكم الواقعي،  فلا يمكن الإفتاء على أساسها .
   2 ـ ومثلُها في المعنى ما رواه في التهذيب أيضاً عن الحسين بن سعيد عن عبد الرحمن بن أبي نجران (ثقة ثقة معتمد على ما يرويه) عن عاصم بن حَمِيد (ثقة عين صدوق) عن محمد بن مسلم قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام)  عن الجِرّيّ والمارْماهي والزمّير وما ليس له قشر من السمك أحرام هو ؟ فقال لي : ( يا محمد، إقرأ هذه الآية التي في الأنعام : [ قُلْ لا أجدُ فيما اُوحِيَ إلي مُحَرَّماً ] ) قال : فقرأتها حتى فرغت منها، فقال : (إنما الحرام ما حرم الله ورسولُه في كتابه، ولكنهم قد كانوا يعافون أشياء فنحن نعافها) صحيحة السند، وهي أيضاً ظاهرةٌ في عدم الحرمة وإلاّ لا معنى لإيراد هذه الآية ثم قوله ( إنما الحرام ما حرّم اللهُ ورسولُه في كتابه، ولكنهم قد كانوا يعافون أشياء فنحن نعافها) أي أنّ المذكورات ليست محرّمة إنما كانوا يعافون أشياء من باب الكراهة فنحن نعافها .
   ولكن مع ذلك هي معارَضة بالروايات الناهية بصراحة عن الجِرّي والمارماهي .
  فإنْ قلتَ : لكن يبقى أن نرجع في السمك الذي ليس له قشر إلى ظهور هذه الرواية في عدم الحرمة وخصوص الكراهة فقط للقول بالتبعيض في خبر الثقة .
  قلتُ : ولكن مع ذلك رائحةُ التقيةِ ظاهرةٌ من هذه الرواية أيضاً لما صدر فيها من تحليل للجِرّيّ والمارْماهي والزمّير المعلومة الحرمة في الروايات ([8]) بحيث يُعلم أنّ ظرف صدور كل هذه الرواية هو ظرفُ التقيّة فلا محلّ للقول بالتبعيض هنا .

   المهم هو أنه لا يصحّ أن يُرجع إلى هتين الروايتين لإثبات كراهة أكل السمك الذي ليس له فَلْس .

   وبعد الذي قلناه لا يفيدنا ادّعاء تفسير النهي الوارد في الجرّيث والمارماهي بالكراهة فيما رواه في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن حماد (بن عيسى) عن حريز (بن عبد الله) عمّن ذكره عنهما (عليهما السلام) أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يكره الجِرّيّث، ويقول : لا تأكل من السمك إلاّ شيئاً عليه فلوس، وكره المارْماهي . ورواها الشيخ باسناده عن الحسين بن سعيد عن حماد بن عيسى مثله، مرسلة السند، ولكنْ حمّاد بن عيسى من أصحاب الإجماع، فهي مصحّحة على هذا المبنى، فإنه رغم ذلك لا يمكن الإفتاء على أساسها مع التعارض، على أننا لا نعلم إذا ما كانت هذه الرواية غير الروايات السابقة، إضافةً إلى احتمال أنْ تكون نفسَ الرواية السابقة عن حَرِيز (بن عبد الله) عن حَكَم (لا أعرفه) ( لا يُكره شيء من الحيتان الا الجِرّيّث) فهي معارَضة متناً مع صاحبتها .

   ومن خلال ما قلناه يظهر الجواب أيضاً بوضوح على ما ادّعاه الشيخ الطوسي في تهذيبه حينما قال ـ بعدما ذَكَرَ روايتي الحلبي وحَكَم السابقتين ـ قال ( فالوجه في هذين الخبرين وما جرى مجراهما أنّه لا يكره كراهية الحظر إلاّ هذا الجِرّيّ، وإن كان يكره كراهية الندب والاستحباب . وما قدمناه من الأخبار وإنْ تضمّن بعضُها لفظَ التحريم مثل حديث ابن فضال وغير ذلك فمحمولٌ على هذا الضرب من التحريم الذي قدّمناه، والذي يدل على ذلك ما رواه زرارة ومحمد بن مسلم ) (ثم ذكر الروايتين) .

    ويظهر أيضاً صحّةُ ما قاله الشيخ النجفي  في الجواهر قال : ( إدّعوا في الخلاف وغنية النزوع (للسيد حمزة بن زهرة) والسرائر الإجماعَ على حرمة السمك غير ذي الفَلْس، بل لعلّه كذلك، إذ لم نجد مخالفاً إلا ما يُحكَى عن القاضي ابن البرّاج والشيخ في النهاية التي هي متون أخبار، مع أنه في كتاب المكاسب منها جعل التكسّب بالجِرّيّ وغيره من السمك الذي لا يحلّ أكله من المحظور، بل قال في باب الحدود منها : "ويعزّر إنْ أكَلَ الجِرّيّ والمارْماهي أو غيرَ ذلك من المحرّمات، فإن عاد اُدّب ثانية، فإن استحلّ شيئاً من ذلك وجب عليه القتل"، ومقتضاه كونه من ضروريات المذهب أو الدين، فلم يبقَ ح إلا القاضي ابنُ البرّاج الذي هو من أتباع الشيخ، ويمكن إرادةُ القاضي ابن البرّاج الحرمةَ من الكراهة . فمن الغريب بعد ذلك ميلُ بعض الناس إلى القول بالكراهة جاعلاً إيّاها وجهَ الجمعِ بين الأخبار التي لا يخفى على مَن لاحظها إباءُ جملة منها لذلك، على أنّ الجمع بذلك فرع التكافؤ المفقود هنا من وجوه : منها موافقة رواية الحِلّ للعامّة التي جعل الله الرشد في خلافها، بل لا يخفى على من لاحظها الإيماءُ فيها لذلك ... لكن عن الشيخ في كتابَي الأخبار إباحةُ ما عدا الجِرّيّ([9]) من  السمك وقال : ( الوجه في الخبرين أنه لا يكره السمك غير ذي الفَلْس كراهة التحريم إلاّ الجِرّيّ وإن كان يكره كراهة الندب والإستحباب) ... (ثم ذكر صاحب الجواهر  الروايات الظاهرة في التحريم ثم قال) وبعد ذلك كلّه ـ مضافاً إلى الشهرة العظيمة بل هي إجماع وإلى ما سمعته من محكيّ الإجماع ـ لا ينبغي الوسوسة في الحكم بالحرمة خصوصاً في مثل هذا الزمان الذي كاد تكون الحرمةُ من ضروريات المذهب . فمن الغريب وسوسة بعض متأخّري المتأخّرين في الحرمة التي نشأت من اختلال الطريقة وكان المنشأ لها ولأمثالها ثاني الشهيدين بل والمصنّف (المحقّق الحلّي) في بعضها حتى في مثل المقام حيث قال ( وكذا الزمّار والمارْماهي والزهو، لكن أشهر الروايتين هنا الكراهية " وظاهره الميل إلى التفصيل بين الجِرّيّ وبين الثلاثة بل كاد يكون صريحه في النافع ... إلاّ أنه قد ظهر ممّا ذكرناه من النصوص والإجماعات وغيرها عدمُ الفرق بين الجميع في الحرمة التي يجب حمل ما خالفها على التقية التي هي مرجّح آخر لما ذكرناه من النصوص المعتضدة بالشهرة ومحكي الإجماع ) إنتهى كلام صاحب الجواهر، وقد ذكرناه بطوله ـ على خلاف عادتنا ـ لأكثر من سبب .

   أقول : بعد كل الذي رأيت وسمعت تعرف أنه يصعب القول ـ علمياً ـ بحلّيّة السمك الذي لا فَلْس له، رغم أنّ القول بالحلّيّة مؤيَّد بعموم قوله تعالى [ اُحِلّ لَكُمْ صيدُ البحرِ وطَعامُهُ، مَتاعاً لكمْ ولِلسيّارةِ ] ([10])  لأنّ ظاهر الآية أنّ المراد : اُحلّ لكم اصطياده للأكل لا لمجرّد الإستمتاع بالصيد، هذا هو المتبادَر، وأيضاً هو المتبادَر من قوله تعالى [ وطَعامُهُ ] فإنّ الظاهر أنّ المراد  واُحلّ لكم أكلُ ما اصطدتموه ـ لا أكل خصوص ما يؤكل منه وإلاّ لانتفت الفائدة من قوله [ وطَعامُهُ ] لانّ المعنى سيصير هكذا واُحِلّ لكم طعام صيد البحر الحلال، وهذا لغوٌ لأنّ معناه اُحِلّ لكم الطعام الحلال ـ .
   ولكنْ ـ مع ذلك ـ قوّةُ رواياتِ الطائفة الاُولى وضَعف روايات الطائفة الثانية ـ ولو من حيث ظهور صدورها للتقيّة ـ تُوْقِف الفقيهَ جداً عن الإفتاء بالحلّيّة، لأكثر من سبب :
  1 ً ـ لا شكّ في أنّ الآية الكريمة ـ بقرينة كثرة الروايات الناهية عن أكل السمك غير ذي الفَلْس ـ يجب حملها على أنها في مقام الإهمال من هذه الناحية، فيُرجع في بيان التفصيلات إلى رسول الله الأعظم وأهل بيته الأطهار (عليه السلام) .

  2 ً ـ إنّ عدد الروايات الصحيحة الناهية عن أكله ـ ولو بنحو الظهور ـ أكثر بوضوح، فهي أشهر من روايات الطائفة الثانية بحيث تمنع الفقيه من الإفتاء بمضمون الطائفة الثانية خاصّة مع تصريح صحيحة عمر بن حنظلة أنّه مع التعارض ( يُنظَر إلى ما كان من روايتهما عنّا في ذلك الذي حكما به المجمعُ عليه عند أصحابك، فيؤخذ به من حكمنا، ويترك الشاذّ الذي ليس بمشهور عند أصحابك، فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه ) .
  فإنْ قلتَ : لا محلّ لهذه الصحيحة هنا لإمكان الجمع العرفي بين الطائفتين .
  قلتُ : نعم، هذا صحيح لو لم نعلم بوجه صدور روايات الطائفة الثانية .

  3 ً ـ إنّ الطائفة الثانية موافقة للعامّة، فقد أجمع العامّة على حلّيّة الحيوانات البحريّة كلّها . وهنا لا بدّ مِن ذِكْرِ مصحّحةِ عمر بن حنظلة ( يُنظَر فما وافق حكمه حكم الكتاب والسنّة وخالف العامّة فيؤخذ به ويترك ما خالف حكمه حكم الكتاب والسنّة ووافق العامّة ...) .
  فإنْ قلتَ : إنّ مثل زرارة ومحمد بن مسلم أعلم بوجه صدور الرواية منّا، ولو كانت صادرةً تقيّة لما كانوا رووها للأعلام من بعدهم للعمل .
  قلتُ : لكن ذكرنا الجواب على هذا الوجه وقلنا إنّ رائحة التقيّة تفوح من تينك الروايتين .

  4 ً ـ لا شكّ أنّ المشهور ـ قديماً ـ هو الحرمة، وهذا يوقف الفقيه أيضاً، لأنّ هذه المسألة محلّ ابتلاء عموم الناس، فلو كان غيرُ ذي الفَلْس جائزاً ـ ومكروهاً فقط ـ لظهر ذلك بوضوح في كلمات المتقدّمين ولما اشتهر القول بالحرمة .
  فإنْ قلتَ : هذه الشهرة الفتوائية مدركية، مع التشكيك في الشهرة قديماً خاصّةً مع وجود بعض الروايات التي تصرّح بالكراهة، فإنّ ظاهر حال محمد بن مسلم وزرارة اللذين هما من أعلام الطائفة يرويان الكراهة للأصحاب .
  قلتُ : لا بأس بهذه الشهرة المدركية هنا فإنها كاشفةٌ ـ بدعم شهرة الروايات الناهية ـ عن رأي المعصومين (عليهم السلام) .
ولذلك لا بدّ من الإحتياط الوجوبي في الترك إن لم يكن القولُ بالحرمة هو الأقوى .
*  *  *  *  *





[1] الكَنْعَتْ كجَعْفَرْ : ضَربٌ من السمك له فَلْس ضعيف يحتكّ بالرمل فيذهب عنه ثم يعود .

[2] البَتْرِيّة قومٌ من الزيدية، قالوا بإمامة الثلاثة وعليّ والحسن والحسين وعليّ ابنه عليهما السلام  وزيد بن عليّ، وهم أصحاب الحسن بن صالح بن حيّ، وأصحابُ كثير النواء، وإنما سمّوا البَتْرِيّة لأنّ كثيراً كان أبتر اليد ولذلك كان يلقّب بالأبتر . نعم، هم كانوا يدعون إلى ولاية عليّ عليه السلام ويقولون بأنه أفضل الناس بعد رسول الله ص وأولاهم بالإمامة، وقدّموا عليّاً عليه السلام  على عثمان ومعاوية،  ولكنهم خلطوها بولاية أبي بكر وعمر وأثبتوا لهما الإمامة، وقالوا بأنّ بيعة أبي بكر وعمر لم تكن خطاً لأنّ علياً ترك لهما ذلك، ولا يرون لعليّ إمامةً إلاّ حين بويع، وينكرون رجعة الأموات إلى الدنيا، فخرجوا لأكثر من سبب من مذهب الإمامية . وحُكِي أنّ الحسن بن صالح بن حيّ كان يتبرّأ من عثمان بعد الأحداث التي نقمت عليه .     .
   [3] تلميذ الفضل بن شاذان وراوية كتبه، فاضل، له كتب، إعتمد عليه أبو عمرو الكشّي في كتاب الرجال، ويروي عنه الحسنُ بنُ حمزة العلوي الحسيني الطبري الذي كان من أجلاّء هذه الطائفة وفقهائها والذي كان زاهداً ورعاً كثير المحاسن ممّا يدعم التوجّه للقول بوثاقة عليّ بن محمد بن قتيبة . .
   [4] الجِرّيّ كَذِمِّيّ : نوعٌ من السمك النهري الطويل المعروف في لبنان بالحنكليس، ويدْعونه في مِصْرَ : ثعبان الماء، وليس له عظم إلا عظم الرأس والسلسلة .
[5] الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا : ج 1 ص 129 ـ 134.
   [6] الأدلّة على وثاقة عمر بن حنظلة هي :
   1 ـ  روى عنه الأجلاء من أمثال زرارة من أصحاب الإجماع ومن أعاظم العلماء وصفوان بن يحيى ثقة ثقة عين زاهد ورع وأبي أيوب الخزّاز ثقة كبير المنزلة وأبي المغراء ثقة ثقة وعبد الله بن بكير ثقة بل من أصحاب الإجماع وعبد الله بن مُسْكان ثقة عين من أصحاب الإجماع وعبد الكريم بن عمر الخثعمي ثقة ثقة عين وعلي بن الحكم ثقة جليل القدر وعليّ بن رئاب ومنصور بن حازم وهشام بن سالم وغيرهم، مما يجعلنا نطمئن بوثاقته جداً إذ أنّا لا نحتمل أن يأخذ كل هؤلاء عن مجهول الحال فضلاً عن أن يكون كذّاباً .
   2 ـ  نقل الشيخُ الطوسي الإجماعَ على أنّ صفوان وأمثالَه لا يروون ولا يرسلون إلا عمّن يوثق به، وصفوانُ يروي عن عمر بن حنظلة .
3 ـ  ما رواه الكليني في الكافي عن علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس عن يزيد بن خليفة قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام  : إن عمر بن حنظلة أتانا عنك بوقت من أوقات الصلوات، فقال أبو عبد الله " إذن لا يكذب علينا..." [6]، والإشكال يقع في يزيد بن خليفة، وهي رغم ذلك مصحّحة السند بناءً على صحّة ما يرويه أصحاب الإجماع ويونس منهم، بل هناك رواية مرفوعة تمدح يزيد بن خليفة، إضافة إلى رواية الأجلاء عنه أيضاً من قبيل صفوان وعبد الله بن مُسْكان ويونس بن عبد الرحمن، فهو ثقة بناء على وثاقة من يروي عنه صفوان بن يحيى .
[7] من قبيل ما رواه في التهذيب باسناده عن الحسين بن سعيد عن محمد بن خالد البرقي عن أبي الجهم ثوير بن أبي فاختة، يروي عنه في الفقيه مباشرةً عن رفاعة بن موسى، ثقة عن محمد بن مسلم قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الجِرّيّث فقال :  والله ما رأيته قط، ولكن وجدناه في كتاب عليّ عليه السلام حراماً . قال في لسان العرب : ويقال له الجرّي أيضاً، وهو نوع من السمك يشبه الحيّات، ويقال له بالفارسية المارماهي . وقال أحمد بن الحريش : قال النضر : الصِّلَّور هو الجِرّيث، والأنقليس هو المارماهي .
   أقول : لا شكّ أن هذه الكراهة صحية أي إرشادية إلى ضررها أو قل إرشادية إلى كون هذا النوع من السمك هو من قبيل زَبّالة الماء أي تأكل نفايات الماء وتنظّف البحر والنهر ونحو ذلك، فهو من الخبائث كالخنزير . .

[8] من قبيل ما رواه في الكافي عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد وعن محمد بن يحيى العطّار عن أحمد بن محمد بن عيسى جميعاً عن الحسن ابن محبوب من أصحاب الإجماع وأحمد بن محمد بن أبي نصر جميعاً عن العلاء بن رزين عن محمد بن مسلم قال : أقرأني أبو جعفر .عليه السلام  شيئاً من كتاب عليّ عليه السلام فإذا فيه : أنهاكم عن الجِرّيّ والزمّير و المارماهي والطافي والطحال، قال قلت : يا ابن رسول الله يرحمك الله، إنّا نؤتى بالسمك ليس له قشر ؟ فقال :  كلْ ما له قشر من السمك، وما ليس له قشر فلا تأكله، ورواها الشيخ في التهذيب باسناده عن الحسين بن سعيد عن فضالة بن أيوب عن العلاء مثلَه، صحيحة السند .
[9] قال في لسان العرب : " الجِرّيّ ضَربٌ من السمك يُشْبِهُ الحيّة، ويسمّى بالفارسيّة مارماهي، ويُقال. الجِرّيّ لغةٌ في الجِرّيّت من السمك" .
[10] المائدة ـ 96 . .