بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

35/07/27

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: نقل التواتر بخبر الثقة الواحد، والشهرتان الفتوائية والروائية
   * وهنا تطرّق صاحبُ الكفاية إلى حجيّة خبر الثقة في نقل التواتر، فأقول :
   لا بأس بالقول بحجيّة نقل التواتر بخبر الثقة الواحد، ويجب أن يصدّق شرعاً، وذلك لأنه حسّي عادةً ـ وليس حدسيّاً ـ طبعاً بعد قولنا بحجيّة خبر الثقة الواحد في الموضوعات، ولا مشكلة في البَين هنا، بخلاف مشاكلنا في ادّعائهم وجود إجماع فتوائي . لكن من الطبيعي أنه يشترط معرفة مراد ناقل التواتر من قوله بـ (التواتر)، فقد يكون مراده عشرة رجال فقط مثلاً، ويمكن أن نعتقد نحن بلزوم أن لا يقلّ التواتر عن عشرين مثلاً أو ثلاثين، فلا يكون نقله التواتر ح إلاّ بمقدار علمنا بمراده من التواتر، ومع التردّد بمراده بين الأقلّ والأكثر يجب عقلاً أن نأخذ بالقدر المتيقّن فقط . المهم هو أنه لا يصحّ أن يُحكَمَ بالصدور إلاّ إذا حصل اطمئنان بصدور الرواية رغم ادّعائهم التواتر، كما في حديث غدير خمّ .


فَصْلٌ
[ في حجيّة الشهرة الفتوائيّة ]
   لا يزالُ الكلام حول حجيّة الأمارات الظنّيّة، وقد انتهينا من بحث (حجيّة الإجماع الفتوائي) وقلنا بعدم حجيّته، فكيف نقول بـ (حجيّة الشهرة الفتوائيّة) ؟! لكن مع ذلك هناك بعض الأبحاث الاُخرى أثاروها ضمن بحث حجيّة الشهرة الفتوائية، يجب أن نتعرّض لها فنقول :
بحث العلماءُ في هذا المقام ثلاثة أبحاث :
الأوّل : في (حجيّة الشهرة الفتوائيّة) ولا نبحث به، وذلك لوضوح عدم حجيّة الإجماع المحصّل بذاته، إلاّ إذا كشف عن رأي المعصومين(عليهم السلام) فيكون حجّة، لا من باب حجيّة الإجماع، وإنما من باب حجيّة العلم والإطمئنان، إذن فلا معنى للبحث فيما هو أقلّ من الإجماع المحصّل، وهو الشهرة الفتوائيّة .
الثاني : في (حجيّة الشهرة الروائيّة)، ومرادنا من الشهرة الروائيّة إشتهارُ الرواية كمّاً وكيفاً وعملاً .
   ومرادنا باشتهارها كمّاً هو كثرتها عدداً، ويكفي كثرتُها المعنويّة، أي لا يضرّ ـ إنْ كَثُرَ عددُها ـ أن تكون ألفاظها متغايرة، طالما كانت كلّها تصبّ في معنى واحد، كما في روايات إيمان سلمان الفارسي، فبعضها تتحدّث عن أنه في الدرجة العاشرة من الإيمان ـ أي أنه كان في درجة اليقين ـ، وبعضها أنه منّا أهل البيت، وعن الإمام الباقر (عليه السلام): "مَهْ، لا تقولوا سلمان الفارسي، ولكن قولوا : سلمان المحمدي، ذاك رَجُلٌ مِنّا أهل البيت" وعن منصور بن يونس(القرشي يقال له بزرج ثقة له كتاب لكنه كان واقفياً) قال : قلت لأبي عبد الله الصادق (عليه السلام) : ما أكثرَ ما أسمع منك يا سيدي ذِكْرَ سلمان الفارسي ! فقال : (لا تَقُلْ الفارسي، ولكنْ قُلْ سلمان المحمدي، أتدري ما كثرةُ ذِكْري له ؟" قلت : لا، قال : "لثلاث خلال : إحداها إيثاره هوى أمير المؤمنين (عليه السلام)على هوى نفسه، والثانية حُبّه للفقراء واختياره إياهم على أهل الثروة والعدد، والثالثة حُبّه للعلم والعلماء . إن سلمان كان عبداً صالحاً حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين) وبعضها أنه كان مع أمير المؤمنين ومن حوارييه بعد وفاة رسول الله (ص)، وبعضها تقول إنه كلّم الموتى، وقال الصادق صلوات الله عليه ( لو عَلِمَ أبو ذر ما في قلب سلمان لقال : رحم اللهُ قاتِلَ سلمان ) وقال سيد العابدين وزينهم صلّى الله عليه وآله وسلّم : (لو علم أبو ذر ما في قلب سلمان لقَتَلَهُ ) وفي رواية " لكَفَّرَهُ " ولقد آخى رسول الله (ص) بين أبي ذرّ وسلمان .. مع غضّ النظر عن تواتر هذه الروايات، أي مع افتراضها مشهورة فقط .
   والمراد من (الكيفية) كون مضمون الرواية مقبولاً عند الأصحاب وليس غريباً .
   والمراد بـ (عملاً)، كون الرواية ممّا اشتهر العمل بها، والفتوى على أساسها .
   * والسؤال الآن : هل الشهرة الروائية حجّةٌ أم لا ؟
   الجواب هو عدم حجيّة الشهرة الروائية بحسب العنوان الأوّلي، إلاّ أنّ الظاهر أنها تورث الإطمئنان دائماً أو غالباً، وهذا ما تصرّح به مقبولة عمر بن حنظلة التالية :
   روى في الكافي عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن محمد بن عيسى عن صفوان بن يحيى عن داود بن الحصين عن عمر بن حنظلة قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دَين أو ميراث فتحاكما .. إلى أن قال : فإن كان كل واحد اختار رجلاً من أصحابنا فرضيا أن يكونا الناظرَين في حقهما واختلف فيهما حكما، وكلاهما اختلفا في حديثكم ؟ فقال : (الحكمُ ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما، ولا يُلتفَت إلى ما يحكم به الآخر ) قال فقلت : فإنهما عدلان مرضيان عند أصحابنا لا يفضل واحد منهما على صاحبه ؟ قال فقال : ( يُنظَرُ إلى ما كان مِن روايتهما عنّا في ذلك الذي حَكَما به المجمعِ عليه عند أصحابك فيُؤخَذُ به مِن حُكْمِنا ويُترَكُ الشاذُّ الذي ليس بمشهور عند أصحابك، فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه، وإنما الأمورُ ثلاثةٌ : أمْرٌ بيِّنٌ رُشْدُهُ فيُتَّبَعُ، وأمْرٌ بيِّنٌ غَيُّهُ فيُجتنَبُ، وأمْرٌ مشْكِلٌ يُرَدُّ عِلْمُهُ إلى الله وإلى رسوله، قال رسول الله صلى الله عليه وآله : "حلالٌ بيِّنٌ، وحرامٌ بيِّنٌ، وشبُهاتٌ بين ذلك، فمَن ترَكَ الشبهاتِ نجا من المحرمات، ومَن أخذ بالشبهات ارتكب المحرمات وهلك من حيث لا يَعلم .. )[1] وهي مقبولة السند، ولا يخفى عليك أنّ المراد من هذا الإجماع المذكور هو الإجماع الروائي بصريح الرواية . ثم لاحِظ استدلالَ الإمام (عليه السلام)  بأمر بديهي إرتكازي ـ وهو أنه ( لا ريب فيه) ـ على حجيّة الشهرة الروائية، فاستعمل لبيان بديهيّة عدم الريب حرْفَ الفاء للإستدلال على بداهة حجيّة الشهرة الروائية، فقال ( فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه ) أي لا ريبَ فيه تكويناً .



[1] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج 18، ص75، أبواب صفات القاضي، باب9، ح 1،ط الاسلامیه.