العنوان: تكملة البحث حول حجيّة الإجماع
...
وإنْ عرفنا أنهم اعتمدوا على أدلّة لكننا رغم بحثنا لم نرَها ولم نعرفها، فليس
علينا عقلاً أن نتّبع ما استفادوه من أمارة أو أصل لا نعرفهما، فلعلّهم استفادوا
شيئاً لا نستفيده نحن منهما ..
المهمّ هو أنه لا وضوح عقلاً على أنّ إجماع الطائفة يجب أن يكون حجّة شرعاً، أو
يجب أن يكون كاشفاً عن الحكم الشرعي، خاصةً إذا كان الإجماع مدركيّاً، كما هو
الحال غالباً جداً، فإنّ قاعدة اللطف العقلية تُثبت وجوبَ أن يتلطّف الخالق عزّ
وجلّ بعباده، ويهديهم النجدين، ويهيّئ لهم أسباب الحياة الكريمة، ولا تُثبِتُ
وجوبَ أن يبيّن المولى تعالى الأحكامَ الواقعية لعباده أو أن لا يدعهم يُجمعون على
خطأ إن لم يكن الحكم الشرعي بتلك الخطورة المهمّة .
ثم ـ على مستوى
الصغرى ـ مِن أين لنا أن نحصِّل الإجماعَ بأنفسنا ؟
فإنه بلا شكّ أكثرُ فقهائنا الأقدمين لم يكتبوا أو لم تصل آراؤهم إلينا، فإنّنا
لا نعرف مِن علمائنا الفقهاء من أوّل الغيبة الكبرى (260 هـ ق)
إلى زمان وفاة الشيخ الطوسي (460 هـ ) إلاّ حوالي
عشرين منهم ! بينما يجب أن يكونوا بالآلاف(
[1])، وحتى هؤلاء العشرين لا نعرف كلّ آرائهم !!
وأمّا على أساس النقل، فقد روى
العامّة عن النبيّ (ص) أنه
قال ـ ما
محصّله ـ
"إنّ اُمّتي لا تجتمع على ضلالة"، وهي مجموعة روايات محصّلُها ما ذكرنا .
ويَرِدُ عليها :
1 ـ
إنها ضعيفة السند عندنا وعندهم، بل هي لم ترد في الصحاح الستّة، وذكرها الحاكمُ
في مستدركه على صحيح البخاري ومسلم مشيراً إلى عدم نقاء السند .
نعم روى في الخصال عن الصادق عن أبيه عن جدّه (عليهم
السلام)في
قصّة احتجاج عليّ (عليه
السلام)على
أبي بكر، حيث تمسّك أبو بكر في تلك القصة بقول رسول الله(ص) (
إنّ الله لا يجمع اُمّتي على ضلال)، وعليّ (عليه السلام) ناقَشَهُ في
دلالة الحديث، ولم يناقش في أصل صدور الكلام،
وكأنه مسَلّم بصدور الحديث ! والجواب إنّ السند مشتمل على مجاهيل(
[2])
.
2 ـ
سلّمنا وقلنا ( لا تجتمع اُمّة رسول الله (ص) على
ضلالة )، لكنْ أليس مِن جملة الاُمّةِ المعصومون ؟ فإنْ عَلِمْنا بوجود المعصوم
في الأمْر الشرعي حَكَمْنا بصحّة هذا الحكم، وهذا معنى ( لا تجتمع اُمّتي على خطأ
) أو ( على ضلالة )، وليس معناها ( لا يجتمع الفقهاء على خطأ ) والفرقُ بينهما
واضح، فإنّ الفقهاء بعضُ الاُمّة وليسوا كلّ الاُمّة .
تنزّلنا وقلنا نسحب المعصومين (عليهم السلام)
من المجمِعين، لكنْ إذا علمنا أنّ كلّ الاُمّة ـ فقهاءهم
وعوامّهم ـ
أجمعت على أمْرٍ فإننا سنعلم أنه بديهيّ في الإسلام بلا شكّ ولا ريب، كوجوب
الصلاة وحرمة شرب الخمر، وبالتالي لن يكون محلّ شكّ بين الفقهاء .
3 ـ
قد يجتمع الفقهاء على حكمٍ ومع ذلك لا يكشف إجماعُهم عن الحكم الواقعي، بل قد
يخالف إجماعُهم الواقعَ ويقعون في الخطأ، ومع ذلك هم لم يجتمعوا على ضلالة، وذلك
كما لو أفتى فقهاؤنا ـ بعِلْمِنا أو بغير عِلْمنا ـ
بناءً على بعض أمارات ـ كما في مسألة جواز الصلاة في عرق الجنب
من الحرام ومسألة عمر يأس المرأة ـ أو بناءً على أصل عملي ـ لعدم
إيجادهم لدليل محرز على ذلك ـ ومع ذلك ورغم مخالفتنا للواقع لا
نُعتبَرُ ـ شرعاً
وعقلاً ـ
ضالّين، لأننا اتّبعنا الأمارات أو الاُصولَ العمليةَ الشرعية .
*
الكلام
حول حجيّة الإجماع المنقول :
حتى الآن كان الكلام حول حجيّة الإجماع المحصّل، والآن نتحدّث عن حجيّة الإجماع
المنقول بواسطة خبر الثقة ـ وذلك للمفروغية عن عدم حجيّة نقْلِ
غيرِ معلوم الوثاقة، ونحن نقول بحجيّة خبر الثقة في الموضوعات ـ
فنقول :
إنّ كلّ الخبراء والمتتبّعين يعلمون بعدم دقّة ناقلي الإجماع، وإنما يَعْرِفُون
فيهم التساهلَ، لا لقلّة دينهم أو دقّتهم ـ معاذَ الله ـ
ولكنهم كانوا يَرَون تماميّةَ الدليل أو كثرةَ القائلين بما يقولونه، فيطمئنّون
بلزوم وجود إجماع على ذلك، وأنّ مَن لا يعتقد بما يقولون فهو غير محقّق وهو مخطئ
لا محالة .. إذن مشكلتنا في صحّة نقلهم للإجماع .
ويكفي أن نذكر بعض ما ذكره الشهيد الثاني في رسائله(
[3])
وهي أوّل ثلاثين تناقضاً فقط وسنذكرها بترتيبه هو، قال : ( هذه
رسالة تشتمل على مسائلَ ادّعى فيها الشيخُ الإجماعَ مع أنّه نفسَه خالف في حكم ما
ادّعى الإجماعَ فيه، أفردناها للتنبيه على أنْ لا يَغْترّ الفقيه بدعوى الإجماع،
فقد وقع فيه الخطأُ والمجازفةُ كثيراً من كلّ واحدٍ من الفقهاء سيّما من الشيخِ
والمرتضى رحمهما الله .
1 ـ
فممّا ادّعى فيه الإجماعَ مِن كتابِ النكاحِ دعواه في الخلاف الإجماعَ على أنّ
الكتابيّة إذا أسلمت وانقضتْ عِدّتُها قَبلَ أن يُسلِمَ الزوجُ يَنْفَسِخُ النكاحُ، وقال في النهاية وكتابَي الأخبار : لا ينفسخُ النكاحُ بينهما، ولكن لا
يُمَكَّنُ من الدخولِ عليها ليلاً، كما في الروايةِ .
2 ـ
ومنها : أنّه ادّعَى فيه الإجماعَ على كَراهةِ وطء الأمة إذا اشتراها حاملاً،
وأفتى في النهايةِ بالتحريمِ قبلَ مُضيّ أربعةِ أشهرٍ وعشرةِ أيّام .
3 ـ
ومنها : أنّه إذا ملك الرجلُ أمةً ولمسها، أو نظر منها إلى ما يَحْرُمُ على غيرِ
المالك، قال في الخلاف : تحرم على أب اللامسِ وابنِه، وكذلك تحرمُ أُمّها وإنْ
علتْ وبنتُها وإنْ سفلتْ على المولى ؛ مُحْتَجّاً بإجماعِ الفرقةِ، وفي موضعٍ آخر
مِن الكتاب خَصّ التحريمَ بالنظرِ إلى فَرجِها .
4 ـ
ومنها : أنّه ادّعى في الخلاف الإجماعَ على أَنّ مَن تزوّج حرّةً على أمةٍ، كان
للحرّة الخيارُ في نفسِها لا في عقد الأمةِ . وفي التبيان ذهب إلى تخييرِها بين
فسخ عقدِ نَفسِها وفسخِ عقد الأمةِ .