بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

35/06/04

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: إدعى العامّةُ النقصَ في القرآن الكريم وجوابنا عليهم

  * يبقى دعواهم وقوعَ التحريفِ في القرآن الكريم، إمّا بنحو الإسقاط وإمّا بنحو التصحيف فأقول : لا عِلْمَ لنا بوقوع التحريف في آيات الأحكام، وذلك لقوله تعالى﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾[1] وقوله تعالى﴿ لاَ يَأْتِيهِ البَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ[2]، ولأنّ القرآن الكريم هو آخر كتاب نزل من عند الله تعالى لهداية البشر، فمن الحكمة بقاؤه كما نزل، وإلاّ لوقع الناس في الضلالة، وهذا مخالف لغرض المولى تعالى الذي أكثر من إرسال الرسل والأوصياء لهداية الناس، ومخالفٌ لكثرة الروايات التي تأمرنا بعرض الروايات المتعارضة على كتاب الله، أو بعرض الرواية المشكوكة الصدور على كتاب الله سبحانه وتعالى، ومخالفٌ لأخذه كمقياس لاعتبار الشروط الصحيحة من حيث إنها تخالف كتاب الله أو توافقه، والتي تأمرنا بالتمسّك بكتاب الله سبحانه ... ممّا يعني أنّ القرآن الكريم لا يزال كما نَزَلَ، وذلك بولاية تكوينية إلهية وإرادة من عند الله تعالى، وخاصّةً في آيات الأحكام، وأنه لم يقع فيه خلل أو نقص أو تغيير . وعلى فرض أنه حصل فيه نقص بعد وفاة رسول الله (ص) إلاّ أنّ ذلك لا ينفي حجيّة كلّ الموجود، وحجيّة ظهوراتها .
   ومع ذلك قال جمْعٌ مِنّا ومن أهل العامّة بحصول نقص في القرآن الكريم، ولا بأس بنقل ما ذكره السيد الخوئي في كتابه (البيان في تفسير القرآن) قال :
ـ ( فقد أخرج الطبراني بسند موثق عن عمر بن الخطاب مرفوعاً : ( القرآن ألف ألف وسبعة وعشرون ألف حرف ) بينما القرآن الذي بين أيدينا لا يبلغ ثلث هذا المقدار، وعليه فقد سقط من القرآن أكثر من ثلثيه !!
ـ وروى ابن عباس عن عمر أنه قال : ( إن الله عز وجل بعث محمداً بالحق، وأنزل معه الكتاب، فكان مما أنزل إليه آية الرجم، فرجم رسول الله (ص) ورجمنا بعده، ثم قال : كنا نقرأ : (ولا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم) أو : (إن كفراً بكم أن ترغبوا عن آبائكم) .
ـ وروى نافع أن ابن عمر قال : (ليقولن أحدكم قد أخذت القرآن كله وما يدريه ما كله ؟ قد ذهب منه قرآن كثير، ولكن ليقل قد أخذت منه ما ظهر) .
ـ وروى عروة بن الزبير عن عائشة قالت : (كانت سورة الأحزاب تقرأ في زمن النبيّ (ص)  مئتي آية، فلما كتب عثمان المصاحف لم نقدر منها إلا ما هو الآن) .
ـ وروت حميدة بنت أبي يونس قالت : (قرأ علَيَّ أبي ـ وهو ابن ثمانين سنة ـ في مصحف عائشة : إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً، وعلى الذين يصلون الصفوف الأول . قالت : قبل أن يغير عثمان المصاحف) .
ـ وروى أو حرب ابن أبي الأسود عن أبيه قال : (بعث أبو موسى الأشعري إلا قراء أهل البصرة، فدخل عليه ثلاثمئة رجل قد قرأوا القرآن، فقال : أنتم خيار أهل البصرة وقراؤهم، فاتلوه ولا يطولن عليكم الأمد فتقسوا قلوبكم كما قست قلوب العرب من كان قبلكم، وإنا كنا نقرأ سورة كنا نشبهها في الطول والشدة ببراءة فأنسيتها، غير أني قد حفظت منها : لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى واديا ثالثاً ولا يملا جوف ابن آدم إلا التراب . وكنا نقرأ سورة كنا نشبهها بإحدى المسبحات فأنسيتها، غير أني حفظت منها : يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون، فتكتب شهادة في أعناقكم، فتسألون عنها يوم القيامة).
ـ وروى زر قال : قال أبي بن كعب يا زر : ( كأين تقرأ سورة الأحزاب قلت : ثلاث وسبعين آية، قال : إن كانت لتضاهي سورة البقرة، أو هي أطول من سورة البقرة ...) .
ـ وروى ابن أبي داود وابن الأنباري عن ابن شهاب قال : (بلغنا أنه كان أنزل قرآن كثير، فقتل علماؤه يوم اليمامة الذين كانوا قد وعوه، ولم يعلم بعدهم ولم يكتب ...) .
ـ وروى عمرة عن عائشة أنها قالت : ( كان فيما انزل من القرآن : عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بـ خمس معلومات، فتوفي رسول الله (ص) وهو فيما يقرأ من القرآن) .
ـ وروى المسور بن مخرمة قال : ( قال عمر لعبد الرحمن بن عوف : ألم تجد فيما اُنزِلَ علينا : أن (جاهدوا كما جاهدتم أول مرة) ؟! فإنّا لا نجدها ؟! قال : اُسقِطَتْ فيما اُسقِطَ مِنَ القرآن) .
ـ وروى أبو سفيان الكلاعي : أن مسلمة بن مخلد الأنصاري قال لهم ذات يوم : ( أخبروني بآيتين في القرآن لم يكتبا في المصحف، فلم يخبروه، وعندهم أبو الكنود سعد بن مالك، فقال ابن مسلمة، إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم ألا أبشروا أنتم المفلحون . والذين آووهم ونصروهم وجادلوا عنهم القوم الذين غضب الله عليهم أولئك لا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون) .
ـ وقد نقل بطرق عديدة عن ثبوت سورتي الخلع والحفد في مصحف ابن عباس وأبي بن كعب "اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك، اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك بالكافرين ملحق) ... وغير ذلك مما لا يهمنا استقصاؤه)(إنتهى كلام السيد الخوئي) .
   أقول : ما ذكره سيدنا الخوئي لا يخلّ بحجيّة القرآن الكريم الموجود فعلاً بين أيدينا، على أنّ ما نقلوا من آيات مدّعاة هي ضعيفة أدبياً إلى حدّ لا تصدر من أديب عربي عادي فضلاً عن أن تكون بمستوى آيات القرآن الكريم . ويكفينا أن نقول : طالما كان القرآن الكريم هو نفسه الموجود في أيام الأئمّة (عليهم السلام)وهم سكتوا عنه وجعلوه لنا ميزاناً نَرجع إليه لنميّز بين الحقّ والباطل، إذن هو حجّة من جميع الجهات وبكلّ ما للكلمة من معنى، أقصد أننا لا نحتمل وجود قرينة متّصلة أو منفصلة حذفت من كتاب الله بحيث تغيَّرَ المعنى أو اختلّ .



[1] حجر/سوره15، آیه9.
[2] فصلت/سوره41، آیه49.