بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

35/05/26

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: الردّ على الأخباريين

   ... وكذلك الكلام في ظواهر كتاب الله الكريم، فإنها حجّة مطلقاً ـ أي للمخاطبين ولغير المخاطبين ـ لكن لخصوص الخبراء باللغة العربية وإلاّ ـ لو لم تكن ظهورات القرآن الكريم لنا حجّة ـ لبطلت الفائدة من قراءة القرآن الكريم لوحده ـ أي مجرّداً عن الروايات المفسّرة ـ وستبطل الفائدة من عرض الروايات المتعارضة عليه، أو عرض الحديث المخالف عليه، وح لن يكون نوراً وهدى وتبياناً لكلّ شيء . وأخشى ما نخشاه أن تشيع فكرة عدم إمكان فهم القرآن الكريم لوحده حتى من الخبراء باللغة العربية، فلا يعود الناس يقرؤون كتاب الله، لاعتباره من الطلاسم المرموزة التي لا يفهمها إلاّ المعصومون (عليهم السلام)، ولا يعود الناسُ يستشهدون به في كتاباتهم وخطاباتهم، وهذا أمر خطير للغاية، فإنه تكذيب لكون القرآن الكريم هدى للناس ونور وتبيان لكلّ شيء، وتدمير معنوي لنفس القرآن الكريم، خاصّةً لمن لم يَعْتَدْ أن يرجع إلى الروايات المفسّرة إمّا لعدم وجودها في بيوت المؤمنين ـ كما هو الحال غالباً ـ وإمّا لعدم معرفة الروايات الصحيحة ـ سنداً أو متناً أو دَلالةً ـ من الفاسدة . والقرآن الكريم وضع ليقرأه الناس وليستفيدوا من معانيه، ووضع ليكون هدى لهم وبيان وتبيان للحق .
   نعم، هناك ثلاثُ ملاحظات وهي :
أوّلاً : صحيح أننا نقول بأنّ ظهور القرآن الكريم حجّة، لكن هو حجّة لخصوص الخبراء باللغة العربية ـ كعلماء الدين العرب اليوم ـ وليس حجّة للأجانب الذي تعلّموا اللغة العربية ولم يحيطوا بكلّ دقائقها كالمستشرقين ونحوهم ممّن لا يعرفون الفروقات الدقيقة بين الأحرف والكلمات المتقاربة المعاني والتي يظنّ الأعجمي أنها مترادفة .
ثانياً : إن أردتَ التعرّفَ على بواطن القرآن الكريم فعليك حتماً أن تنظر في الروايات، فلعلّك لم تفهم الفهم الباطني الصحيح، وهذا ما  يعرفه المفسّرون، فَهُمْ (عليهم السلام)  أفْهَمُ بما نزل من ساحة العليّ الأعلى وأعلم بمرادات المولى الواقعية، فللقرآن الكريم بطنٌ، ولبطنه بطنٌ، ولبطنه بطنٌ إلى سبعة أبطن، بل في رواية إلى سبعين بطناً !
ثالثاً : نحن نعترف أنّ المعصومين (عليهم السلام)  أعلم منّا بتفسير القرآن الكريم بأكثر من ألف ألف مرّة، فهم يعرفون فيها نكات نحن لا نعرفها ولا نلتفت إليها، أو قد نحتملها ولكن لا نتجرّأ على إبدائها خوفاً من التوهّم والخطأ، لذلك الأفضل جداً أن يقرأ المؤمِنُ القرآنَ الكريم في كتابٍ فيه تفسيرٌ مختصر لعالِم خبير بالتفسير، ولكن لا ينبغي أن نشيع بين الناس أننا لا نفهم كتاب الله تعالى أصلاّ فيكون حجّة لهم في ترك قراءته، خاصةً في هذه الأيام التي يندر فيها قراءة القرآن الكريم إلاّ في المناسبات فقط كشهر رمضان وعلى الجنائز، وحينها سيتعذّرون بعدم الفائدة من قراءته وعدم الإستفادة منه، لا، وإنما ينبغي قراءته لكلّ الناس ـ حتى الأعاجم ـ فيستفيد منه كلّ إنسان بمقدار فهمه وعلمه . نعم علينا أن نحثّهم على التدبّر فيه، ونيل أقصى ما يمكن لنا من بحره العميق .
   وبهذا البيان المطوّل تعرف الردّ بوضوح على الأخباريين الذي ادّعوا، هم أيضاً، عدمَ حجيّةِ تفسير القرآن الكريم إلاّ بعد الرجوع إلى الروايات ! واستدلّوا على ذلك بروايات، لا بأس بمراجعتها ...