بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

35/03/29

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: نَظْرَةٌ إلى استحقاق المنقادِ للثواب وتقسيمات القطع

    نَظْرَةٌ إلى استحقاق المنقادِ للثواب
    كما قلنا باستحقاق المتجرّي العقابَ ـ دون حرمة نفس التجرّي والفعل المتجرّى به ـ نقول باستحقاق المنقاد للثواب ـ دون استحباب نفس الإنقياد أو استحباب الفعل المنقاد به ـ وذلك لنفس السبب تماماً، وهو حُسْن نيّته هنا ولإرادته إطاعةَ المولى تعالى، حتى ولو جاءه العلم أو الظنّ أو الإحتمال من روايات ضعيفة، فأتى بالفعل برجاء المشروعية والطاعة، وبتعبيرنا السالف الذكر في باب التجرّي ـ حيث قلنا إنه يستحقّ العقاب لأنه خدَشَ باحترام المولى ـ نستعمل هنا نفس التعبير السابق وهو : إنّ المنقاد يستحقّ الثواب لأنه احترم المولى، وسبق أن قلنا إنّ الممتثل يستحقّ الثواب على فعله الواجبات فضلاً عن المستحبّات، ونعود ونقول هنا إنّ المنقادَ يستحقّ الثواب على الإنقياد، كما يستحقّ الكريم عزّوجلّ الشكر على نعمه كلّها، وعلى إعطائه لنا قوّة لنستطيع بها على أداء شكره ..
   ثم إنكّ تفهم مِن روايات (مَن بَلَغ) أنّ المولى تعالى وعد عباده المنقادين بإعطائهم الثواب على أيّ عمل عملوه ممّا سمعوا عليه ثواباً مِن الله تعالى، مَنّاً مِنْهُ وَجُوداً وكرماً .
1 ـ فقد روى في الكافي عن عَلِيّ بْن ابْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيه عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الله ( عليه السلام ) قَالَ : ( مَنْ سَمِعَ شَيْئاً مِنَ الثَّوَابِ عَلَى شَيْءٍ فَصَنَعَه كَانَ لَه وإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى مَا بَلَغَه )[1] صحيحة السند .
ـ ورواها الشيخ الصدوق في كتابه (ثواب الأعمال) عن أبيه عن علي بن موسى عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن هشام عن صفوان عن أبي عبد الله ( عليه السلام )  قال : ( من بلغه شيء من الثواب على شيء من الخير فعمل به كان له أجر ذلك، وإن كان رسول الله (ص) لم يقله )[2]، والظاهر أنها نفس الرواية السابقة، وأنّ هشاماً أخذها من صفوان .
2 ـ وروى في الكافي عن مُحَمَّد بْن يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ عِمْرَانَ الزَّعْفَرَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ ( عليه السلام ) يَقُولُ : ( مَنْ بَلَغَه ثَوَابٌ مِنَ الله عَلَى عَمَلٍ فَعَمِلَ ذَلِكَ الْعَمَلَ الْتِمَاسَ ذَلِكَ الثَّوَابِ أُوتِيَه وإِنْ لَمْ يَكُنِ الْحَدِيثُ كَمَا بَلَغَه )[3].
 ـ وروى الصدوق في المحاسن عن أبيه عن أحمد بن النضر عن محمد بن مروان عن أبي عبد الله ( عليه السلام )  قال : ( من بلغه عن النبيّ (ص) شيءٌ من الثواب ففعل ذلك طلب قول النبيّ (ص) كان له ذلك الثواب، وإن كان النبيّ لم يقله )[4] والظاهر أنها نفس الرواية السابقة .
   ولا شكّ أنك ستستفيد من هتين الروايتين إستحقاقَ الثواب، لا إستحباب نفس الإنقياد ولا استحباب نفس العمل المنقاد به .
   ثم إنه لو فرضنا أنّ شخصين دخلا إلى المسجد ليصلّيا، فاختار كلّ واحد منهما صلاةً معيّنة غير صلاة الآخر، فصلّيا، وكانت كلّ صلاة من صلاتيهما متساوية مع الاُخرى من جميع الجهات، كمّاً وكيفاً وخشوعاً، فصادف الأوّلُ الواقعَ ـ أي كانت صلاته مشروعة ـ ولم يصادفه الآخرُ، كان لكلٌّ منهما حقّ في أخذ نفس الثواب عقلاً، لأنهما متساويان في الإنقياد والتصرّف، وعدمُ مصادفةِ صلاة أحدهما للواقع كان أمراً خارجاً عن اختياره، فإذن لا مبرّر عقلاً لأخْذِ المصيب حظّاً من الثواب أكثرَ من المخطئ .



الأمرُ الثالث من بحث القطع :


أقسام القطع


  ويقع الكلام فيها في عدة نقاط :

1 ـ أقسام القطع
2 ـ تقسيم القطع الموضوعي بلحاظ متعلّقه
     ـ فتارةً يكون متعلّقاً بأمرٍ خارجي كما لو فُرِضَ أخْذُ القطعِ بالخمرية موضوعاً لحرمة شربه
     ـ وتارةً يكون القطع متعلّقاً بالحكم الشرعي 
·قد يكون القطع المتعلّق بحكم موضوعاً لخلاف ذلك الحكم
·وقد يكون القطع موضوعاً لضدّه
·وقد يكون موضوعاً لمثله
·وقد يكون موضوعاً لنفس ذلك الحكم

3 ـ قيام الأمارات والأصول مقام القطع
·قيامها مقام القطع الطريقي الصرف
·قيامها مقام القطع الموضوعي الطريقي
·قيامها مقام القطع الموضوعي الصفتي




   *   أمّا في النقطة الاُولى ـ وهي أقسام القطع ـ فنقول :
   قسّموا القطعَ إلى قسمين : طريقي وموضوعي، أمّا الأوّل فهو الغير موجود في موضوعات الأحكام أصلاً، وذلك كما في قول المولى مثلاً (الخمر حرام) فإنه لم يقل (مقطوع الحمريّة حرام)، وقد تتوهّم أنّ معنى (الخمر حرام) هو نفس (مقطوع الخمريّة حرام) فنقول : لا، هذا غير صحيح، فإنّ قول المولى (الخمرُ حرام) يعني أنّ الخمر الواقعي حرام، بينما (مقطوع الخمريّة حرام) معناه الخمر الذي تقطع بكونه خمراً هو الحرام، وليس الخمر الواقعي هو الحرام .
    بينما القطع الموضوعي هو القطع المأخوذ لفظاً في موضوعات الأحكام، كما في قولنا السابق (مقطوع الخمريّة حرام)، وعليه ففي قولنا (إذا قطعت بوجود خمر على المائدة فلا تقعد عليها) يكون القطعُ الأوّل موضوعيّاً لأنه ذُكر في لسان الدليل، أمّا القطعُ بالحرمة المتوقّفة على الموضوع فيكون قطعاً طريقياً .
   ثم قد يتصوّر أن يؤخذ القطع الموضوعي تمام موضوع الحكم بلا دخالة لإصابة المتيقّن للواقع، وتارةً يكون القطع الموضوعي جزء الموضوع ويكون إصابةُ الواقعِ هو الجزءُ الآخر .
   كما أنّ القطع الموضوعي تارةً يتصوّر بما هو طريق ومرآة وآلة وكاشف عن متعلّقه ولا يكون له موضوعيّة ودخالة في موضوع الحكم، ويسمّى ح بالقطع الموضوعي الطريقي، فلا يكون لِذِكْرِهِ أيُّ أهميّةٍ في موضوع الحكم، فيكون قول المولى حينئذٍ (مقطوع الخمريّة حرام) معناه (الخمرُ حرام) تماماً، أيّ الخمرُ الواقعي حرام، وتارةً قد يُتصوّر أخْذُهُ في موضوع الحكم بما له من خصوصيّة موضوعية ونفسية، ويسمّى ح بالقطع الموضوعي الصفتي . وذلك كما تنظر إلى المرآة لترى نفسك فيها، فلا تلحظُ نفسَ المرآةِ، وإنما تكون المرآةُ طريقاً فقط وكاشفاً وآلةً لرؤية نفسك، وتارةً اُخرى يكون نظرُكَ إلى نفس المرآة ولا تلحظُ فيها نفسَك، فالأوّل هو بمثابة القطع الطريقي، والثاني بمثابة القطع الموضوعي الصفتي .
   ثم اعلم أنّ القطع الموضوعي يكون متعلّقاً دائماً بنفس القاطع وناظراً إليه، كما في قولك (إن كنت قاطعاً بوجود خمر على المائدة فلا تجلس عليها) ولا يمكن أن يكون متعلّق القطع نفس الشيء المقطوع به كما في قولك (مقطوع الخمريّة حرام) فإنه لا يتصوّر تعلّق القطع بنفس الشيء الخارجي إلاّ لفظاً فقط لا واقعاً , ففي قولنا السابق (مقطوع الخمريّة) النظرُ أيضاً إنما هو إلى القاطع لا إلى الشيء المقطوع به .



[1]  وسائل الشيعة  الشيخ الحر العاملي، ج1، ص60، ح6، ط الاسلامية.
[2]  وسائل الشيعة  الشيخ الحر العاملي، ج1، ص60، ح1، ط الاسلامية.  
[3]  وسائل الشيعة  الشيخ الحر العاملي، ج1، ص60، ح2، ط الاسلامية.
[4] وسائل الشيعة الشيخ الحر العاملي، ج1، ص61، ب18 من أبواب مقدّمة العبادات، ط الاسلامية .