بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

35/03/07

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: لو أقرّ أحدٌ بعينٍ لزيد ثم أقرّ بها لعمرو

الفرع الخامس : لو أقرّ أحدٌ بعينٍ لزيد ثم أقرّ بها لعمرو اُعطِيَتْ العينُ للأوّل وغُرّم للثاني المثل أو القيمة، إمّا لكون ذلك البدل بدل شيء صار بحكم التالف، وذلك لأنّ المقِرّ يقرّ ويعترف بأنه عملياً قد حال بين المقرّ له الثاني وبين ماله، فيجب أن يغرّم له البدل، لأنه أقرّ على نفسه ـ من خلال المدلول الإلتزامي لكلامه ـ بالإتلاف ـ عملياً ـ أو قل بالحيلولة، وإقرارُ الإنسان على نفسه نافذ بالإجماع . نعم، من الطبيعي أنه إقرارَه الثاني لا يُثبِتُ أنّ المال الذي حُكِمَ به للأوّل سوف يصير للثاني، إذن فلن يكون المدلول المطابقي لكلامه الثاني حجّة .
وعلى أيّ حال فالإشكال فيما نحن فيه عبارة عن أنّه لو اجتمعت العين والبدل عند شخص ثالثفإنّ هذا الشخص الثالث سوف يعلم ـ إجمالاً ـ بعدم مالكيّته لأحدهما، ولو اشترى بهما سيارةً مثلاً فإنه سوف يعلم بعدم مالكيّته لها بالملكيّة التامّة وعدم حلَّها له .
والجواب على إشكال هذا الفرع الخامس : إننا نلتزم بعدم جواز تصرّف الشخص الثالث بهما، وعدم حلّ السيارة، تحكيماً لقانون منجزيّة العلم .وخلاصة الكلام أنّنا إنّما نعمل بأي قاعدة من القواعد أو ظاهر أيّ دليل من الأدلَّة بمقدار لا يخالف حكم العقل بمنجّزيّة العلم .





الأمرُ الثاني من بحث القطع :

[ التجرّي ]

ويقع الكلام فيه في خمس مقامات :
 1 ـ في تعريف التجرّي
2 ـ حرمة الفعل المتجرّى به
3 ـ قبح الفعل المتجرّى به
4 ـ اِستحقاق المتجرّي للعقاب
5 ـ تنبيهات

  * المقام الأوّل : مقدّمة البحث وهو في نقطتين :
   الاُولى : في تعريف التجرّي
   المراد بالتجرّي ـ بإصطلاح الاُصوليين ـ هو ارتكابُ فِعْلٍ باعتقاد حرمته عليه شرعاً، وهو جاهل بأنه ليس بمحرّم في الواقع، أي عن سوء نيّة، سواءً كان المرتكبُ معتقِداً بمخالفة نفس الحكم الشرعي الواقعي أو كان معتقِداً بمخالفة وظيفته العملية، كما لو كان يخالفُ مقتضى خبر الثقة الحجّة عليه أو كان يخالف مقتضى الأصل العملي .
   والعصيان بالمعنى الاُصولي هو المتجرّئ الذي أصاب الحرام الواقعي .
   أمّا الإنقياد باصطلاح الاُصوليين فهو الإقدام على عمل معيّن باعتقاد أنه مشروع من قبل الله تعالى، مع أنه في الواقع لم يكن مشروعاً، فالإنقياد شبيه بالتجرّي من جهة اعتقاده الخاطئ ومن جهة مخالفة الواقع، ومخالف للتجرّي من جهة أنه كان يريد إطاعة المولى، لكنه لم يُصِبِ الواقعَ .
   وكما سنقول باستحقاق المتجرّي العقاب دون حرمة نفس التجرّي والفعل المتجرّى به يجب القول باستحقاق المنقاد للثواب ـ دون استحباب نفس الإنقياد أو استحباب الفعل المنقاد به ـ وذلك لنفس السبب تماماً، وهو حسن نيّته وإرادته إطاعة المولى تعالى، حتى ولو جاءه ظنّ أو احتمال من روايات ضعيفة، فأتى بالفعل برجاء المشروعية والطاعة .
   وأمّا الطاعة باصطلاح الاُصوليين فهو الإقدام على عملٍ ما بقصد طاعة الله تعالى وقد أصاب الواقعَ فعلاً .
   وأمّا التجرّي باصطلاح العرف العام فهو يرادف العصيان تماماً، أي أنّ التجرّي عند الناس هو مطلق التجرّؤ على المولى سواءً كان المولى مولىً حقيقياً أو كان مولىً عرفياً  وسواء أصاب المتجرّئُ الواقعَ أم لا .
   فالمهمّ إذن ـ ونحن في علم الاُصول ـ أنّ نبحث عن حكم التجرّي وحكم الفعل المتجرّى به بالمعنى الاُصولي فقط، وهل أنهما حرام شرعاً ـ لتكون المسألةُ اُصوليّةً ـ أو أنهما فقط قبيحان، ليكون البحثُ كلاميّاً فقط .