العنوان: لو
اختلفا في كون انتقال شيء إلى شخصٍ آخر في أنه على أساس البيع
أو على أساس
الهبة اللازمة
الفرع
الرابع
: لو اختلفا في كون انتقال شيء ـ كالكتابِ مثلاً ـ إلى الطرف الآخر بأن كان على
أساس البيع أو على أساس الهبة اللازمة، فالظاهر أنّ المالك الثاني يحلف على عدم
البيع ـ كي لا يترتّب عليه الثمن ـ .
وأمّا
البائع فإنه إنما يحلف على عدم الهبة وذلك لاسترداد كتابه وللفرار من إعطائه
الكتابَ بالمجّان، ولكنه لا يُثبت بالحلف على عدم الهبةِ الثمنَ، لأنّ الثمن
يَثبت بالبيع لا بعدم الهبة . وبتعبير آخر : هو يريد أن يحلف على عدم الهبة،
ليُثبت أنه قد باع الكتاب، ليُثبت بالتالي الثمنَ !
الظاهر أنه
يجب على القاضي أن يحكم بملكية الكتاب للآخذ، وذلك لتسالم الطرفين بأنّه صار له،
حتى على فرض البيع، إذ أنّ البيع يَلزمُ بمجرّد تسليم أحد العِوَضَين، فيثبت
العِوَضُ الآخرُ في ذمّة المشتري . إنما الخلاف في أنه هل هو ضامنٌ للثمن أو لا ؟
الأصل عدمُ الضمان، وقاعدةُ (على اليد ما أخذت حتى تؤدّي) موردها الغصب ونحوُ ذلك، لا الهبة والتسليط المجّاني، أقصد أنه لم يثبت موضوع قاعدة اليد، وكذلك لم
يثبت العقد المعاوضي حتى يثبت ضمان الثمن .
فإن قلتَ :
لكن للبائع حقّ الفسخ مع عدم تسديد الثمن له، فإذن يحقّ له الفسخُ . أو قلْ : إنّ
البيع مغيّى بعدم دفع الثمن، فمع عدم تسديد الثمن كان للبائع الفسخُ . وبتعبير
آخر : مع التردّد في كون البيع مؤبّداً أو مؤقّتاً، الأصلُ أنه ليس مؤبّداً، أو
قُلْ الأصلُ أنه مؤقّت .
قلتُ : هذا فرعُ وجود بيع، وإنّ أصلَ البيع لم
يثبت، أو قُلْ : جوازُ الفسخِ فرعُثبوتِ الثمن في ذمّة الآخذ . وأصالةُ
المؤقَّتِية في البيع كلام بلا دليل، بل الأصلُ لزوم البيع وأبديّته، وهذا مقتضى
قوله تعالى[
اَوفوا بالعقود]
[1]
ومقتضى قول الصادق ( عليه السلام) (
البيِّعان
بالخيار ما لم يفترقا وإذا افترقا وجب البيع )
[2] وقوله
(عليه السلام ) (
المؤمنون عند شروطهم )
[3] .
وبتعبير آخر :
قولهم بأنّ الأصل المؤقّتيةُ في البيع معناه عدم اللزوم، وهذا كلام باطل، فإنّ
الأصل في البيع مع تسليم أحد العوضين اللزوم، وكذا الأصلُ في الهبة للأرحام مثلاً
اللزوم .
إلا أنه لو
فرضنا أنّ المالك الثاني طَلَبَ من القاضي تحليفَ المالكِ الأوّل على البيع وعدم
الهبة فحَلَفَ المالكُ الأوّل فهنا يجب أن يقال بلزوم إعطاء الكتاب للمالك الأوّل، وذلك كي لا يكون حلف المالك الأوّل لغويّاً وهباءً منثوراً (
[4]).
على أيّ حال
يجاب على إشكال الفرع الرابع بأنّنا فرضنا أننا أعطينا المالك الثاني الكتاب ـ مع
حلفه وعدم حلف المالك الأوّل ـ فهذا يكون حكماً ظاهرياً فقط، وهذا لا يغيّر من
الواقع شيئاً، فيبقى العلم على حجيَّته .
الفرع
الخامس
: لو أقرّ أحدٌ بعينٍ لزيد ثم أقرّ بها لعمرو اُعطِيَتْ العينُ للأوّل وغُرّم
للثاني المثل أو القيمة، إمّا لكون ذلك البدلبدل شيء صار بحكم التالف، وذلك لأنّ
المقِرّ يقرّ ويعترف بأنه عملياً قد حال بين المقرّ له الثاني وبين ماله، فيجب أن
يغرّم له البدل، لأنه أقرّ على نفسه ـ من خلال المدلول الإلتزامي لكلامه ـ
بالإتلاف ـ عملياً ـ أو قل بالحيلولة، وإقرارُ الإنسان على نفسه نافذ بالإجماع .
نعم، من الطبيعي أنه إقرارَه الثاني لا يُثبِتُ أنّ المال الذي حُكِمَ به للأوّل
سوف يصير للثاني، إذن فلن يكون المدلول المطابقي لكلامه الثاني حجّة .
وعلى أيّ حال
فالإشكال فيما نحن فيه عبارة عن أنّه لو اجتمعت العين والبدل عند شخص ثالثفإنّ هذا
الشخص الثالث سوف يعلم ـ إجمالاً ـ بعدم مالكيّته لأحدهما، ولو اشترى بهما سيارةً
مثلاً فإنه سوف يعلم بعدم مالكيّته لها بالملكيّة التامّة وعدم حلَّها له .
والجواب
على إشكال هذا الفرع الخامس : إننا نلتزم بعدم جواز تصرّف الشخص
الثالث بهما، وعدم حلّ السيارة، تحكيماً لقانون منجزيّة العلم .وخلاصة الكلام
أنّنا إنّما نعمل بأي قاعدة من القواعد أو ظاهر أيّ دليل من الأدلَّة بمقدار لا
يخالف حكم العقل بمنجّزيّة العلم .