بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

35/03/05

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: لو عُلم أنّ أحد الشخصين قد أجنب

الفرع الثالث : لو عُلم أنّ أحد الشخصين قد أجنب، فلا يجب على أحد منهما أن يغتسل لأصالة عدم الجنابة بالنسبة إلى كلّ واحد منهما، وقد يُتوهّم أنّ هذا مخالفٌ للعلم الإجمالي بجنابة أحد الشخصين، وخدشةٌ في حجيّة العلم .
والجواب : إنّ هذا ليس خدشةً في حجيّة العلم الإجمالي، وإنما هذا العلمُ الإجمالي ليس منجّزاً للتكليف على أيّ واحد منهما، فليس كلّ علم منجّزاً للتكليف، وذلك لأنّ الإنسانَ غيرُ مسؤول عن غيره في الغُسل، فلا يكون احتمال أن يكون غيره هو المجنب منجّزاً عليه وداخلاً في عهدته ـ أي ليس ذا أثر عليه ـ فلا يكون العلمُ الإجمالي إذن منجّزاً عليه، لأنّ أحدأطراف العلم الإجمالي ليس منجّزاً عليه .
   أمّا بلحاظ نفسه، فبما أنه ليس معلوماً أنه هو الذي أجنب فتجري في حقّه أصالةُ عدم الجنابة بلا معارض منجّز، فيكون هذا الشكّ بمثابة الشبهة البدويّة، أو قل يكون بمثابة من وقعت عليه قطرة ماءٍ من السقف لا يدري أمن أنبوب الماء الطاهر وقَعَتْ أم أنها وقعت من أنبوب النجاسات .
   نعم لو كانت جنابةُ صاحبه ذات أثر بالنسبة له لكان علمه الإجمالي بجنابة أحدهما منجّزاً عليه لا محالة .
   مثال ذلك : لو أراد أحدهما أن يقتدي بالآخر لكان كلّ طرفٍ منجّزاً في حقّه ـ أي داخلاً في عهدته ـ فيكون إذن هذا العلمُ الإجمالي منجّزاً للتكليف عليه على أيّ حال، وذلك لحصول علم إجمالي عند المأموم ببطلان صلاته على أيّ حال، وذلك لأنه إمّا أن يكون هو المجنب فتكون صلاته باطلة، وإمّا أن يكون صاحبُه المجنبَ فتكون صلاة صاحبه باطلة باعتقاد المأموم، إذن لو اقتدى بصاحبه فإنه يعلم ببطلان صلاته على كلّ حال .
   مثال آخر : لو أراد أحدهما أن يستأجر صاحبه لتنظيف المسجد، فهو غير جائز عقلاً، لأنه حين يرى نفسه أنه غير واجب على نفسه أن يغتسل لاحتمال أن يكون صاحبه هو المجنب، فكيف يستأجر صاحبَه لكنس المسجد ؟! وهل هذا إلاّ خدشةٌ في علمه الإجمالي المنجّز عليه بجنابة أحدهما لا محالة ؟ وقلنا بتنجّز هذا العلم لكون جنابة الآخر ذات أثر بالنسبة للمستأجِر، أو قلْ تكون جنابة المستأجَر داخلةً في عهدة المستأجِر، وبالتالي يكون المستأجِر هنا بمثابة المأموم في المثال السابق تماماً .
   نعم، يجوز للآخر أن يقبل الإجارة، لأنه غير مكلّف هنا إلاّ بنفسه، وجنابةُ غيره ليست ذات أثر بالنسبة إليه أي غير داخلة في عهدته أصلاً، كما كانت صلاة الإمام في المثال السابق صحيحة بالنسبة إلى نفس الإمام .