بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

35/02/23

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: هل تقسيم الشيخ الأنصاري يشمل العامّيّ أيضاً
الأمر الثّاني : إنّ الموضوع لهذا التقسيم هل ينبغي أن يكون خصوص المجتهد لاختصاص الوظائف المقررة للظَّانّ والشّاك به أم أنه يشمل العامّي أيضاً ؟
اختار المحقّق النائيني قدّس سرّه وجملة من المحقّقين الأوّل، ولعلّه كان ناظراً إلى خصوص الشبهات الحكمية، وأنه ليس للعامّي دور فيها إلا الرجوع إلى المجتهد . والتّحقيق أنّ التقسيم ينبغي أن يشمل العامّي أيضاً، أمّا في الشبهات الموضوعية فواضح، وأمّا في الشبهات الحكمية فأيضاً واضح، خاصةً إن لم يجد المجتهدَ ليرجع إليه في الشبهات الحكمية .
   نعم، لا يثبت للعامّي تمامُ الوظائفِ المقرّرة للمجتهد الخبير في مجالات الظنّ والشكّ، وإنما يجب عليه الرجوع إلى المجتهد مطلقاً سواء في الأحكام الناشئة للمجتهد من الأدلّة المحرزة أم من الاُصول العملية وذلك من باب رجوع الجاهل إلى العالِم .

   * وهنا بحثان :
1 ـ كيف يمكن جواز رجوع العامّي للمجتهد في الأحكام الناشئة من الاُصول العملية ؟ مع أنّ نفس المجتهد يعترف بأنه يجهل بالحكم الواقعي أو حتى قد يجهل بوجود أمارة معتبرة في ذلك ؟!
   والجواب واضح فإنّ الشارع المقدّس يعتبر المجتهدَ عالماً، وبالتالي يعتبر العامّي مقلّداً للعالم حتى لو رجع المجتهد إلى الاُصول العملية، لاحِظْ مثلاً قولَه تعالى[ فاسألوا أهلَ الذِّكْرِ إن كنتم لا تعلمون ] [1]فتصير بسؤالك لأهل الذكر عالماً، حتى ولو أفتاك على طبق الأحكام الظاهرية كما في الكثير من الإفتاءات، ولاحِظْ قولَه تعالى [فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفةٌ ليتفقَّهُوا في الدِّين وليُنذِروا قومَهم إذا رجَعُوا إليهم لعلهم يحذرون ][2] أي أنّ العالم الديني إذا تفقّه صار فقيهاً، ولاحِظْ ما رواه أبو خديجة في روايته المشهورة عن الصادق (عليه السلام) قال : ( إياكم ان يحاكم بعضكم بعضاً إلى أهل الجور ولكن انظروا إلى رجل منكم يعرف شيئاً من قضايانا، فاجعلوه بينكم فإنّي جعلته قاضياً فتحاكموا اليه )[3] وصحيحة عمر بن حنظلة الواردة في الترجيحات فقد روى عن الصادق (عليه السلام)  أنه قال : ( .. اُنظروا إلى مَن كان منكم ممّن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فارضوا به حكماً، فإنّي قد جعلته عليكم حاكماً، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنما بحكم الله استخف وعلينا رَدَّ، والرادُّ علينا رادٌّ على الله، وهو على حَدّ الشرك بالله عز وجل )[4]، ودلالتُهما على التقليد واضحة وذلك لوحدة المناط، فإنّ القاضي كثيراً ما أو في أكثر الأحيان يعتمد على الأحكام الظاهرية، وهو مجتهد بوضوح، وهنا حَكَمَ على طبق اجتهاده وما توصّل إليه ولو عِبْرَ الأحكام الظاهرية، وليس الحكم والقضاء إلاّ تطبيقَ الفتوى على المشكلة الخارجية .



[1]  انبیاء/سوره21، آیه7.
[2]  توبه/سوره9، آیه122.
[3]  وسائل الشيعه الشيخ الحر العاملي، ج18، ص4، ح5.
[4]  وسائل الشيعه الشيخ الحر العاملي، ج1، ص23.