الأستاذ الشيخ ناجي طالب

بحث الفقه

38/02/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : بحوث استدلالية في المسائل الخلافية

مسألة : لا يجوزُ ـ على الأحوط ـ حلقُ اللحيةِ إلاّ عند الضرورة.

اشتهر عند علمائنا الحكم بحرمة حلق اللحية ، بل الأمر كذلك عند علماء العامة أيضاً ، فقد قال الأحنافُ بحرمة حلق لحية الرجل ، ويُسن ألاّ تزيد في طولها على القبضة ، وقال المالكية والحنابلة : يحرم حلق اللحية ، وقال الشافعية : يُكره حلق اللحية والمبالغة في قصّها[1] ، وما نراه اليوم عند الكثير من علمائهم هو خروجٌ وقحٌ على دينهم على القول بالتحريم ـ كما هو المشهور ـ أو هو ارتكاب للمكروه ـ على مذهب الشافعية ـ وهو لا يليق بعلماء الدين الذين لا ينبغي أن يرتكبوا المكروهات .

وقبل البَدء بالإستدلال لا بأس بالقول بأنّ تطويلَ اللحية بشكل عقلائي مطلوبٌ عند الله تعالى ، قال الله عزّ وجلّ ﴿ قَالَ يَا بْنَؤُمَّ لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بـينَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (94)﴾[2] ، وذلك بـبـيان أنّ إمساك اللحية يستلزم عادةً كونَها طويلةً إلى حدّ إمكانِ مَسْكِها ، ثم إنّ أنبـياءَ الله iلا يفعلون المكروهات ، فيـبقى أن تكون تربـيةُ اللحيةِ إمّا واجبةً وإمّا مستحبّة ، وهذا لا كلام فيه عند أحد .

وقد استُدل على التحريم بالكتاب والسنّة :

أمّا من الكتاب فبقوله تعالى ـ عن لسان إبليس لعنه الله ـ ﴿ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيـبتِّكُنَّ آذَانَ الأنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ[3] ، قيل أي ليقطعُنّ الآذان من أصلها ، وهو المروي عن أبـي عبد الله (عليه السلام) ، وذلك بـبـيان أنّ حلْقَ اللحيةِ هو تغيـيرٌ تكوينيّ للرجولة وإلغاءٌ لما خَلَقَه اللهُ في الرجل وجَعَلَه مِن كمالاته دون المرأة ، هذا الإلغاءُ ناتجٌ مِن أمْرِ إبليس لعنه الله ، فيجب أن يكون حراماً أو مكروهاً .

وقد يستَدَلُّ أيضاً بقوله تعالى ﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً ، فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ، لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ، ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ [4] ، وذلك بـبـيان أنّ حلْقَ اللحيةِ مخالفٌ للفِطرة البشرية الصافية فهو ـ إذَنْ ـ خلافُ دِينِ الله ، فقد يكون مكروهاً وقد يكون محرّماً . فالمراد بخَلْقِ الله هنا هو فِطرةُ الله التي فطر الناس عليها ، فالفِطرةُ الإنسانية الصافية هي دِين الله ، لأنّ الفطرة الصافية جداً التي بناها اللهُ تعالى هي معرفة التوحيد وسائرِ الأسماء والصفات الربوبـية ومعرفة النبوّة والإمامة وولاية الأنبـياء والأئمة والقائمين بأمور المسلمين ونحو ذلك من الضروريات . فأنـت حينما تقول لشخصٍ: عندك فطرةٌ صافية تعني أنّ عنده معرفةً بهكذا أمور ، إذَنْ الفطرةُ هي هذه المعلومات والمعارفُ الصحيحة ، على أن المراد بخلق الله هو دِين الله ـ أي الدين التكويني وهو عبارة عن سُنّة الله في الخلق ـ وهو فِطرةُ الله التي فطر الناس عليها.


[1] فقه المذاهب، ج2، ص44 ـ 46.
[2] سورة طه، آية94.
[3] سورة النساء، آية119.
[4] معنى حنيفاً أي مائلاً من الباطل إلى الحقّ مستقبلاً إياه، و[ فِطرةَ الله ] تميـيزٌ وتبـيـينٌ للدِّين ولذلك نُصِبَتْ، والمعنى : لا تبديل لفطرة الإنسان التي خلقها اللهُ تعالى في البشر.