الأستاذ الشيخ ناجي طالب

بحث الفقه

38/01/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : حُكْم الحاجب الاصق

وبعد عرْض هذه الرواياتِ نَعْرِضُ مثالاً قيل فيه بالتيمّم لنرى مدى صحّة كلام مَن يَدّعِي أنّ الأصل عند الشك هو التيمّم كسيدنا الخوئي (رضوان الله عليه) ولنأخذ المسألةَ من منهاجه ، يقول : ( الحاجبُ اللاصق اتفاقاً ـ كالقِير ونحوه ـ إن لم يمكن رفْعُه وجب التيمّم إن لم يكن الحاجب في مواضع التيمّم ، وإلا ـ فإن كان في مواضع التيمّم ـ جمع بين الوضوء والتيمّم )[1] ، واستدل على ذلك بعدم دلالة الروايات على الوضوء الجبـيري في هكذا حالة ، وبالتالي سيكون الوضوء ناقصاً ، ولا دليل على صحته ناقصاً ، والأصلُ عدمُ إجزاء الناقص عن التام ، فبطبـيعة الحال يُنـتقل الى التيمّم لأنه البدل الإضطراري .

وقد استَبعَد في الجواهر الحكمَ بالتيمّم ، بل قطع بوجوب الغُسل أو الوضوء على من يوجد في يده مثلاً حاجبٌ لاصِقٌ ولاسيّما إذا بقي مدى عمره .

أقول : إنّ قطْع صاحبِ الجواهر في محلّه ، وذلك :

أولاً : لما ذكرناه من إطلاق الآيتين السابقتين ـ الآمرة بالوضوء ـ من وجود حاجب لاصق أو جبـيرة وغير ذلك من حالات الضرورة ، وهو كافٍ في الحكم بتعيّن الوضوء في الحالات الخارجة عن موارد التيمّم ، بمعنى أن المولى تعالى لم يَقُلْ : إذا قمتم إلى الصلاة ولم يوجد حاجب فتوضؤوا ، وإنما أطلق ، ممّا يعني أن الأصل الأوّلي المأمور به هو الوضوء في كل حالات الشك ، أي توضؤوا سواءً وُجد حاجب أو لا ، وسواء وُجد رمدٌ في العين يضرّ معه غسْـلُها ـ فيتوضّأ ولا يوصل إليها الماءَ ـ أو نحو ذلك .

ثانياً : لمعتبرة عبد الأعلى مولى آل سام السابقة ( رقم 1 ) التي تعلِّل الوضوء الجبـيري بآية الحرج ، فيُتمسّك بعموم التعليل لإيجاب خصوص الوضوء في أمثال وجود حاجب لاصق ونحو ذلك .

ثالـثاً : للأولوية ، فإنّ الأسئـلة توجَّهت الى أئمتـنا (عليهم السلام ) في أصعب الحالات ، وهي وجود جبائر بسبب جروح أو قروح أو كسور مما يُتوقّع أن يجاب عن ذلك بالتيمّم ، ورغم ذلك أجابوا بالوضوء ، سواء وجدت جبـيرة أم جرح بغير جبـيرة ، فكيف إذا كان العضو سالماً ؟! ولعلّ جواب أئمتـنا (عليهم السلام ) بالوضوء دائماً هو نـتيجة لما ورد في الرواية من كون التيمم هو نصف الوضوء ، وكونِه لا يُرجع اليه إلا في حال انعدام الماء أو وجود ضرر من التوضّي ونحو ذلك .

رابعاً : قاعدة الميسور لا يسقط بالمعسور ، وما لا يُدرك كلّه لا يسقط كلّه التي نعتبرها مؤيّداً لا دليلاً (لما ذكرناه في شرحنا على الحلقة الثالثة ج3 ص 348) .

وأمّا استدلالُ سيدنا الخوئي (حشرنا الله معه) بنـقصان الوضوء وبالتالي الإنـتـقال إلى التيمّم ، فهو استحسان محض ، فهذا النقصانُ لا يضرّ بعد إطلاق الأمر بالوضوء ، وبَعد صِدْقِ الوضوء عرفاً في حالة الحاجب اللاصق ونحوه ، وبَعد عدم كون الحاجب اللاصق ونحوه من موارد التيمّم ، فيجب في هكذا حالةٍ الرجوعُ إلى إطلاق الأمر بالوضوء .

ولا سيّما أن التيمّم هو نصف الطهور على ما ورد في الروايات كالتي رواها في الكافي عن الحسين بن محمد (بن عامر الأشعري) عن معلّى بن محمد عن الحسن بن علي الوشاء عن حمّاد بن عثمان عن (عبد الله) بن أبـي يعفور قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام ) عن الرجل يجنب ، ومعه من الماء قدر ما يكفيه لشربه ، أيتيمّم أو يتوضّأ ؟ قال : ( يتيمّم أفضل ، ألا ترى أنه إنما جُعل عليه نِصْفُ الطهور )[2] معتبرة السند ، ومعلّى بن محمد يروي عنه في الفقيه مباشرة فهو إذن من أصحاب الكتب التي إليها مرجع الشيعة وعليها معوّلهم .

ولعلّه لما ذكرنا خالف السيدُ الخميني وغيرُه السيدَ الخوئي ( رحمهم الله جميعاً ) فترى السيدَ الإمام يأخذ بأصالة الوضوء ، ويفتي به مهما أمكن كما في حالة وجود جسم لاصق ، وكما لو لم يوجد جرح ولا قرح ولا كسر ، وإنما كان الماء يضرّ العضوَ أو يؤلمه ونحو ذلك ممّا ليس من موارد التيمم المذكورة في القرآن والسنّة ، فإنه يفتي بالوضوء ، وغَسلِ المناطق التي لا ضرر من غسلها ولا حرج ، سواء وُجد جبـيرة على العضو أو لم يوجد ، كما في الكسر المكشوف ورمد العينين ، وكما لو كانـت الجبـيرة مستوعبة لتمام العضو ، والسيد الإمام على حقّ فيما قال .

وممّا ذكرنا تعرفُ أن كل حالات الجبـيرةِ حُكْمُها الوضوءُ فقط ، فاذا وُجدت الجبـيرةُ وأمكن المسحُ عليها ـ ولو بوضع خرقة طاهرة عليها ـ مسح عليها ، وإن لم يوجد جبـيرةٌ غَسَلَ حول المحل ممّا يمكن غسله ، سواء وُجد جرح أو قرح أو كسر أو لا ، وكذا في الحاجب اللاصق فانه يُغسل مع العضو . نعم يـبقى حالة يندر وقوع الناس فيها وهي حالة ما لو عمَّت الجبـيرةُ الوجهَ واليدين ، فإنه يـبعد في هكذا حالة صِدْقُ حصول الوضوء عُرفاً ، ولذلك الأحوطُ في هذه الحالة الجمعُ بين الوضوء الجبـيري والتيمّم ، لأنّ الإشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني ، والله العالم .

والآن نبدأ بما ذكره السيد اليزدي في متن العروة ، لكنْ ـ كالعادة ـ على حسب فتاوانا فنقول :

الجبائر ـ في الإصطلاح الفقهي ـ هي الألواح الموضوعة على الكسر والخِرَقُ والأدويةُ الموضوعة على الجروح والقروح والدماميل ، فالجرح ونحوه إما مكشوف وإمّا مجبور ، وعلى التقديرين إما أن يكون في موضع الغسل وإمّا أن يكون في موضع المسح ، ثم إما أن يكون على بعض العضو أو على تمامه أو على تمام الأعضاء ، ثم إما يمكن غَسْلُ المحلِّ أو مسْحُه أو لا يمكن .

1 ـ فإن أمكن غسْـلُ المحلِّ بلا مشقة ولو بتكرار الماء عليه حتى يصل إليه لو كان عليه جبـيرةٌ أو بوضْعِه في الماء حتى يصل إليه بشرط أن يكون المحل والجبـيرة طاهرَين ، أو أمكن تطهيرُهما وجب ذلك مع مراعاة الترتيب من الكوع إلى رؤوس الأصابع ، وذلك لوجود المقتضي للوضوء حينـئذٍ وعدمِ وجود المانع من الوضوء ولصحيحة الحلبي وموثّقة عمّار السابقتين الصريحتين في ذلك ، وأمّا اعتبارُ الترتيب فلصحيحة الحلبي المصرّحة بلزوم النزع إن كان لا يؤذيه الماءُ ، ولروايات أخرى مرّت سابقاً توجب الترتيب .

 


[1] منهاج الصالحين : ج1، مسألة 104، ص31 .
[2] وسائل الشيعة، الحر العاملي : ج2، ب25 من أبواب التيمم، ح4، ص997، الاسلامية.