الأستاذ الشيخ ناجي طالب

بحث الفقه

37/12/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : تفصيلٌ في قاعدة الفراغ

مسألة 50 : إذا شك قبل أن يتوضّأ أو أثـناء توضُّـئِه في وجود الحاجب وعدمه وَجَبَ الفحصُ حتى يحصل الإطمئـنانُ والوثوق بعدمه ثم يتوضّأ1 ، خاصةً إذا كان الحاجب موجوداً في السابق . وأمّا إن شَكَّ بعد الفراغ من الوضوء فحالتان : فقد يكون المشكوك فيه أمراً عدمياً وقد يكون أمراً وجودياً ، فإن كان المشكوك أمراً عدميّاً ـ كما لو شَكّ بعد الفراغ من الوضوء بأنه هل كان يوجد حاجبٌ أثـناء وضوئه أوْ لا ـ فإنّ له أن يـَبنيَ على عدمه، وبالتالي يَـبنِي على صحّة وضوئه ، فالشكّ كان في أصل وجود حاجب أثـناءَ الوضوء ، ومثلُها ما لو رأى بعد الوضوء حاجباً ولكنه شَكَّ في أنه هل كان موجوداً حال الوضوء أو أنه طرأ بَعدَه فإنّ له أن يَـبني على الصحة ، وأمّا إن كان المشكوكُ أمراً وجودياً ـ كما إذا عَلِمَ أنه كان موجوداً قبل الوضوء لكنه شكّ بعد الفراغ في أنه هل أزاله أثـناء الوضوء أوْ لا ـ فإن كان يَحتمِلُ الإلتفاتَ إليه أثـناء الوضوء فإنّ له أن يـَبنيَ على إزالته قبل الوضوء أو أثـنائه، وإلاّ فلا . وكذا الأمْرُ في الحاجب الذي يعلم أنه كان موجوداً أثـناء وضوئه وقد يصل الماءُ تحته صدفةً وقد لا يصل ـ كالخاتم الضيّق ـ ، فإنِ احتمل أنه كان ملتفتاً لإيصال الماء تحته فله أن يـَبنيَ على صحّة وضوئه ، وإلاّ فلا ، وكذا إذا تيَقَّنَ أنه كان موجوداً وشك في أنه أزاله أو أوصل الماء تحته أم لا ـ كاللزَيق ـ فإن احتمل أن يكون ملتفتاً إليه أثـناء وضوئه فله أن يـَبنيَ على صحّة وضوئه ، وإلاّ فلا .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 ذكرنا دليلَ هذه المسألة سابقاً عدّة مرّات ، وقلنا إنه لا شكّ في لزوم تحقّق العِلْمِ بوصول الماء إلى البشرة ، وإلاّ فالأصل العدمي يقتضي عدم وصول الماء ، وهذا ما يعبّرون عنه بأصالة (الإشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني) وهو أصل عقلي واضح . فإذا عرفت هذا تعرفُ عدمَ صحّة ما قد يقال من أصالة عدم الحاجبـية أو عدم الحاجب ، فإنّ الواجب شرعاً تحصيلُ العلم بتحقّق الغَسل الكامل للأعضاء الثلاثة . وأمّا أصالة عدم الحاجبـية أو عدم الحاجب فلا توصِل الماءَ إلى البشرة ، ولا تقتضي ـ شرعاً ـ وصولَ الماء إلى البشرة ، إلاّ إذا قلنا بالأصل المثْبِت ، وهو باطل بلا شكّ. وبـيانُ كونِ الأصل مثْبِتاً هنا هو أنّ استصحابَ عدم الحاجبـية يُـثْبِتُ عدمَ الحاجبـية تكويناً ، وبالتالي يـُثْبِتُ عدمُ الحاجبـيّةِ وصولَ الماءِ إلى البشرة !

وإن شَكَّ بعد الفراغ من الوضوء في أنه هل كان يوجد حاجبٌ أثـناء وضوئه أو لا فإنّ له أن يـَبنيَ على عدمه ، لقاعدة الفراغ ، وبالتالي يَـبنِي على صحّة وضوئه، فقد ذكرنا في مسألة 11 من فصل الماء المشكوك قاعدةَ الفراغ مفصّلاً ، وهنا نقول بأننا يمكن لنا أن نستفيد من بعض الرواياتِ عدمَ وجوب إعادة الوضوء في الفرض المذكور من قبـيل الروايات التالية :

1 ـ روى في يـب عن المفيد عن أحمد بن محمد (بن الحسن بن الوليد) عن أبـيه عن أحمد بن إدريس وسعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد (ابن عيسى أو ابن خالد البرقي) عن الحسين بن سعيد عن حمّاد (بن عيسى) عن حريز عن زرارة عن أبـي جعفر (عليه السلام) قال : ( إذا كنـت قاعداً في وضوئك فلم تدرِ أغسلت ذراعيك أم لا فأعد عليهما وعلى جميع ما شككت فيه أنك لم تغسله مما سمَّى اللهُ تعالى ما دمت في حال الوضوء ، فإذا قمتَ من الوضوء وفرغت منه وصرت في حالة اُخرى في الصلاة أو غيرها فشككت في بعض ما سمَّى اللهُ تعالى مما أوجب عليك لا شيء عليك فيه ، فإن شككت في مسح رأسك فأصبت في لحيتك بللاً فامسح بها عليه وعلى ظهر قدميك ، فإن لم تصب بللاً فلا تـنقضِ الوضوء بالشك وامض في صلاتك ، وإن تيقنت أنك لم تُـتِمَّ وضوءَك فأعِدْ على ما تركت يقيناً حتى تأتي على الوضوء ) صحيحة السند ، وهي تـفيدنا ـ بالإطلاق ـ عدمَ وجوب إعادة الوضوء فيما لو شكّ في أنه هل كان يوجد حاجبٌ أثـناء وضوئه أو لا ، فكأنّ الإمامَ (عليه السلام) يقول بأنّ له أن يـَبنيَ على عدمه لاحتمال أن يكون الحاجب قد أتَى بعد الوضوء .

2 ـ ومثلُها ما رواه في يـب أيضاً عن المفيد عن أحمد بن محمد (بن الحسن بن الوليد) عن أبـيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أحمد بن محمد بن أبـي نصر عن عبد الكريم بن عَمرو (ثقة ثقة عين إلاّ أنه وقف على الإمام الكاظم(عليه السلام)) عن عبد الله بن أبـي يعفور عن أبـي عبد الله (عليه السلام) قال : ( إذا شككتَ في شيء من الوضوء وقد دخلتَ في غيره فليس شكك بشيء ، إنما الشك إذا كنـت في شيءٍ لم تَجِزْه ) صحيحة السند ، ورواها ابن إدريس في (آخر السرائر) نقلاً من كتاب النوادر لأحمد بن محمد بن أبـي نصر مثله . يحتمل نظر هذه الرواية إلى ما نحن فيه ، بمعنى أنه لا يمكن ـ عِلْمياً ـ تخطئة من تمسّك بإطلاق هذه الرواية .

3 ـ ومثلها أيضاً ما رواه في يـب أيضاً بإسناده الصحيح عن محمد بن علي بن محبوب (الأشعري القمّي شيخ القميين في زمانه ثقة عَين فقيه صحيح المذهب) عن يعقوب بن يزيد (ثقة صدوق كثير الرواية) عن ابن أبـي عمير عن محمد بن مسلم قال قلت لأبـي عبد الله (عليه السلام) : رجل شك في الوضوء بعدما فرغ من الصلاة ؟ قال : ( يَمضي على صلاته ولا يُعيد ) صحيحة السند . ورواها في يـب أيضاً بإسناده عن الحسين بن سعيد عن ابن أبـي عمير عن أبـي أيوب عن محمد بن مسلم مثله ، وذلك بتـقريـب إمكان التمسّك بإطلاق هذه الرواية أيضاً للبناء على عدم وجوب إعادة الوضوء في حال الشكّ في أنّ الحاجب هل كان موجوداً أثـناء الوضوء أو لا ، وذلك لاحتمال أن يكون الحاجب قد أتَى بعد الوضوء .

4 ـ وفي يـب أيضاً بإسناده عن سعد بن عبد الله عن موسى بن جعفر (البغدادي المدائني مجهول) عن أبـي جعفر(محمد بن الحسن بن شمّون البصري واقف ثم غلا كان ضعيفاً جداً لا يلتـفت إليه) عن الحسن بن الحسين اللؤلؤي (ثقة كثير الرواية) عن الحسن بن علي بن فضال عن عبد الله بن بكير عن محمد بن مسلم قال : سمعت أبا عبد الله(عليه السلام) يقول : ( كل ما مضَى من صلاتك وطهورك فذكرتَه تذكراً فامْضِه ولا إعادة عليك فيه ) ضعيفة السند .

ملاحظة : عرفتَ أكثر من مرّة أنّ روايات قاعدة الفراغ على طائفتين :

طائفة الأذكريّة من قبـيل ( وكان حين انصرف أقربَ إلى الحقّ منه بعد ذلك ) و ( هو حين يتوضّأ أذكرُ منه حين يشكّ ) ، وهي تفيد بأنّه يشترط أن يكون من المحتمل أن يكون ملتفتاً أثناء عمله ، ومن أمثلتها : 1 ـ إذا علم أنّ الحاجبَ كان موجوداً قبل الوضوء لكنه شكّ بعد الفراغ في أنه أزاله أو لا ، فإنّ له أن يـَبنيَ على إزالته قبل الوضوء أو أثـناءَه ، و 2 ـ إذا عَلِمَ أنه كان موجوداً قبل الوضوء ـ كاللزَيق ـ لكن شكّ في أنه نزعه عند الوضوء أو لا ، فإنّ له أن يـَبني على أنه قد نزعه ، لنفس روايات قاعدة الفراغ .

والطائـفة المذكورة قبل قليل ، وهي مطلـَقة ، ومن أمثلة مواردها : ما لو رأى حاجباً بعد الوضوء ، فإنّ له أن يـَبنيَ على عدم وجوده أثـناء وضوئه ، وذلك لاحتمال أن يكون قد طرأ بعد الوضوء .

ودليلُنا على صحّة هذا التفصيل هو أنّ الأذكريّة لا تصحّ إلاّ في الأمور الوجوديّة ، كما لو شككتَ في أخذ الوكالة من الزوجة بعد إجراء العقد والخروج من مجلس العقد ، وكما لو شككت في صحّة صيغة الطلاق بعد الخروج من مجلس الطلاق . وأمّا الطائفة المطلَقة فيجب الأخذ بها خروجاً من تعطيل هذه الروايات ، فقد كانت هذه الروايات في مقام البـيان للعمل ، فتقيـيدُها خلافُ المنهج العقلائي في المحادثة ، لكنْ يجب تقيـيدها بالقدر المتيقّن فقط وهي الأمور العدميّة .