الأستاذ الشيخ ناجي طالب

بحث الفقه

37/08/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : التردّد في الطهارة والحدث بين المتقدّم منهما والمتأخّر

مسألة 37 : إذا شَك في طروءِ الحدث ـ بعد الوضوء ـ بَنَى على بقاء الطهارة بالإجماع لاستصحاب الطهارة ، إلا إذا كان سببُ شكه خروجَ رطوبةٍ مشتبهة بالبول ولم يكن مستبرئاً ، فإنه حينـئذ يـبني على أنها بول ، أيضاً لاستصحاب بقاء بول في المجرى ، إذن يُحكَمُ عليه بأنه مُحْدِث . وإذا شك في الوضوء بعد الحدث فإنه يَـبني على بقاء الحدث بالإجماع ، للإستصحاب أيضاً . والظنُّ غيرُ المعتبر كالشك وذلك لأصالة عدم حجيّة الظنّ . وإن علم الأمْرَينِ وشك في المتأخر منهما يجب عليه أن يتطهّرَ إذا أراد الصلاة إذا جهل تاريخهما . وكذا لو عُلِم تاريخُ الحدث وجُهِل تاريخُ الوضوء فإنّ الإستصحابَ لا يجري في مجهول التاريخ ، فيـُبنَى على الحدث ، وكذا فيما لو جُهِل تاريخُ الحدث وعُلِم تاريخُ الوضوء فإنه يـُبنَى على بقاء مجهول التاريخ الذي هو ـ هنا ـ الحدث .

وذلك لأنّ الرطوبةَ الخارجةَ بعد البول وقبل الإستبراء بالخرطات يجب الحكم عليها بالبولية وبالتالي بالنجاسة ، وذلك للزوم استصحاب بقاء شيء من البول في المجرى ، فيجب تطهير المحلّ . وكذلك الأمر بالنسبة إلى لزوم إعادة الوضوء ، وذلك لقيام الإستصحاب مقام القطع الطريقي بلا شكّ ، فيـبني على أنه على يقين من وجود بول في المجرى ، إذن يحكم على الخارج بأنه بول وأنه قد أحدث . ولك الإستفادة أيضاً من الروايات التي ذكرناها في مبحث الإستبراء من قبـيل ما رواه في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن حماد (بن عيسى) عن حريز عن محمد بن مسلم قال قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : رجلٌ بال ولم يكن معه ماء ؟ قال : ( يعصر أصلَ ذكره إلى طرفه ثلاث عصرات وينتر طَرَفَه ، فإن خرج بعد ذلك شيءٌ فليس من البول ولكنه من الحبائل )[1] صحيحة السند ، أي إن خرج قبل الإستبراءِ شيءٌ فحكمه أنه من البول ، وبالتالي يأخذ أحكام البوليّة من النجاسة والحدثيّة .

أمّا عدم حجيّة الظنّ في هكذا موارد فأمْرٌ ضروري ، ولا أقلّ لأصالة عدم الحجيّة ، ولك أن تستدلّ على ذلك أيضاً بما رواه الشيخ الصدوق في الفقيه بإسناده الصحيح عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله (ثقة) أنه قال للصادق (عليه السلام) : أجد الريح في بطني حتى أظن أنها قد خرجت ؟ فقال : ( ليس عليك وضوء حتى تسمع الصوت ، أو تجد الريح ) ، ثم قال : ( إن إبليس يجلس بين إليتي الرجل فيُحْدِثُ ليشككه )[2] صحيحة السند .

وإنْ عَلِمَ الأمْرَينِ وشَكَّ في المتأخر منهما وجب عليه الوضوءُ للصلاة ، وذلك لعدم جريان الإستصحابَين من الأصل للعلم بارتفاع أحدهما قطعاً ، وعلى الأقلّ : لعدم وضوح جريان الإستصحابَين في حالة التعارض المذكورة ، والإطلاقُ لا يجري في هكذا حالة ، فلا محلّ للقول بتعارضهما وتساقطهما ، ولا داعي للتردّد في ذلك بالقول بقصور جريان الإستصحابَين في هكذا حالة لما ذكرنا ، وعليه فهو يَشُكّ في تحقّق الصلاة عن طهارة ، وهو مجرى أصالة الإشتـغال بلا معارض ، لأنه شكٌّ في تحقّق الإمتـثال ، والأصلُ عدمُه .

ولو عُلِم تاريخُ الحدث وجُهِل تاريخُ الوضوء ، فإنّ المورد مورد جريان بقاء الحدث إلى آخر وقت محتمل ، لكنه قد يقال بأنه يُبنَى على الطهارة لاستصحاب عدم حصول الطهارة إلاّ بعد الحدث ، وأنه لا محلّ هنا لجريان أصالة الإشتغال ، وذلك لورود الإستصحاب على أصالة الإشتغال .

أقول : ومع ذلك الأقوى إن لم يكن الأحوطُ هو لزوم التوضّي لكون إثبات الوضوء بعد الحدث هو أمرٌ وجودي ، وبالتالي يكون هذا الإستصحاب أصلاً مثبتاً .

 


[1] وسائل الشيعة، الشیخ الحر العاملي، ج1، ص225، ب11، من أبواب أحكام الخلوة، ح2، ط الاسلامية.
[2] وسائل الشيعة، الشیخ الحر العاملي، ج1، ص175، ب1، من أبواب نواقض الوضوء، ح5، ط الاسلامية.