الأستاذ الشيخ ناجي طالب

بحث الفقه

37/07/13

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : خلوصُ النيّة

الثالث عشر من شرائط الوضوء : خلوصُ النيّة، فلو ضَمَّ إليه الرياءَ بَطَلَ .

وأمّا حبّ السمعة فكالعجب والرياء تماماً ، فالمهمّ أن يتأكّد الإنسان من محبوبـيّة ما يفعله عند الله سبحانه من خلال كون عمله خالصاً لوجه الله تعالى ، لا للناس ولا أن يشرك الناسَ مع الله تعالى .

ولو توضّأ لهدفين كلٌّ منهما جزءُ العلّة وهما : الكون على الطهارة والتبرّد لكان وضوؤه صحيحاً إذا كان الباعث على العمل هو أمْرُ اللهِ تعالى ، ومثلُها في الصحّة ما إذا توضّأ الشخصُ لهدف تعليم الغَير ، فتوضّأَ امتـثالاً لأمْرِ اللهِ تعالى .

والخلاصة هي أنّ على المتوضّئ والمصلّي أن يتوضّأ ويصلّيَ امتـثالاً لأمْرِ الله جلّ وعلا وحْدَه، لا أن يُشْرِكَ معه الناسَ أو أن يشرك مع نيّة قصد الإمتـثالِ علّةً أخرى كالتبرُّد . وعليه فلا بأس أن يُسَرَّ المصلّي إذا رآه الناسُ ، لكن على أن يكون عملُه لله تعالى وحده .

وإن كانت الضميمةُ من غير الرياء والسمعة محرمةً ـ كمن كان يريد من وضوئه أو صلاته في مكانٍ إيذاءَ مؤمنٍ ـ فهي في الإبطالِ مثلُ الرياء ، لأنَّ الفِعلَ يصير مبغوضاً ومحرماً فيكون باطلاً ، نعم الفرق بـينها وبين الرياء أنه لو لم يكن داعيه في ابتداء العمل إلا القربة لكن حصل له في الأثناء في جزء من الأجزاء فإنّه يختص البطلان ح بذلك الجزء ، لأنه هو المحرّم فقط ، فينطبق البطلان عليه قهراً ، وذلك لامتناع التعبّد به ، ولاختصاص التحريم به ، ولا مقتضي لسراية البطلان إلى سائر المركّب . ولو عدل عن قصده وأعاده بنحو غير مبغوض عند الله ومن دون فوات الموالاة صح وضوؤه لا محالة .

قال الله تعالى[ .. فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ (4)[1] الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ [2] الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ [3] وَيَمْنَعُونَ المَاعُونَ (7)] [4] ، ومن الواضح عقلاً منافاةُ العبادة مع الرياء ، لا بل الرياء ـ بصريح الآية الكريمة ـ منهيٌّ عنه ، المهمّ أن تكون العبادة خالصةً لوجهه الكريم عزوجل ، وتكون العلّة التامّة والوحيدة لعبادة المولى تعالى هو أمْرُ الله وإرادةُ عبادته فقط لا غير .

ولذلك إذا توضّأ الإنسانُ رياءَ الناس فهذا الوضوء يجب أن يكون باطلاً لأنه منهيّ عنه ، وقد استفاضت الروايات في ذلك ، وأنت تعلم أنّ النهي عن العبادة يستلزم عقلاً فسادَها وبطلانَها ، إذ أنّ قوام العبادة أن تكون محبوبةً ومطلوبةً من قبل الباري عزّ وجلّ . ولا شكّ أنه لمجموع ذلك أجمع علماؤنا على بطلان العبادة التي يأتي بها الإنسان رياءً . نذكر منها للتبركّ فقط ، ما رواه في فقه الرضا : (أروي عن العالِم عليه السلام أنه قال : ( يقول الله تبارك وتعالى : أنا خير شريك ، من أشرك معي غيري في عملي لم أقبل ، إلا ما كان لي خالصاً ) . ونروي : أن الله عز وجل يقول : ( أنا خير شريك ، ما شوركت في شيءٍ إلا تركـتُه )[5] (إنـتهى ما في فقه الرضا (عليه السلام)) . ورواهما أحمد بن محمد بن خالد البرقي في المحاسن قال : 270 ـ عن عثمان بن عيسى عن علي بن سالم قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : قال الله عز وجل : ( أنا خير شريك ، من أشرك معي غيري في عمل لم أقبله إلا ما كان لي خالصاً ) . 271 ـ عن أبي (أي محمد بن خالد البرقي) عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : يقول الله عز وجل : ( أنا خير شريك ، فمن عمل لي ولغيري فهو لمن عمله غيري ) (إنـتهى ما في المحاسن) .

وفي المحاسن أيضاً عن عبد الرحمن بن أبي نجران ومحمد بن علي عن المفضل بن صالح جميعاً عن محمد بن علي الحلبي عن زرارة وحمران عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : ( لو أن عبداً عمل عملاً يطلب به وجه الله والدار الآخرة وأدخل فيه رضا أحد من الناس كان مشركاً ) . وقال أبو عبد الله (عليه السلام) : ( من عمل للناس كان ثوابه على الناس ، يا زرارة ، كل رياء شرك ) . وقال (عليه السلام) : قال الله عز وجل ( من عمل لي ولغيري فهو لمن عمل له ) .

وأمّا حبّ السمعة فكالعجب والرياء تماماً ، فالمهمّ أن يتأكّد الإنسان من محبوبـيّة ما يفعله عند الله سبحانه وتعالى . ففي الروايات : ( اِعملوا لغير رياء ولا سمعة فإنه من عمل لغير الله وكله الله إلى ما عمل ، ويحك ما عمل أحدٌ عملاً إلا رَداه اللهُ به ، إن خيراً فخيراً واِن شراً فشراً ) . وقال عليّ (عليه السلام) : ( اخشوا الله خشية ليست بتعذير ، واعملوا لله في غير رياء ولا سمعة ، فإنه من عمل لغير الله وكله الله إلى عمله يوم القيامة )[6] .

ولو توضّأ لهدفين كلّ منهما جزء العلّة وهما : الكون على الطهارة والتبرّد لكان وضوؤه باطلاً ، لأنه نقْصٌ في العبوديّة ، لأنه لولا التبرّدُ لما توضّأ . أمّا لو كان كلٌّ منهما علّة تامّة بمعنى أنه لولا التبرّد لتوضّأ أيضاً فلا بأس ، لأنّ هذا لا ينافي الإخلاص المعتبر في العبادة ، وبالتالي لا نقْصَ في هذه العبادة .

والخلاصة هي أنّ على المصلّي أن يصلّي لله جلّ وعلا وحْدَه ، لا أن يُشْرِكَ معه الناسَ . وعليه فلا بأس أن يُسَرَّ إذا رآه الناسُ ، وأن يشتدّ شوقه للعبادة أكثر أمام الناس ، لكن على أن يكون عملُه لله عزوجل وحده ، فقد روى في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن جميل بن دراج عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : سألته عن الرجل يعمل الشيءَ من الخير فيراه إنسانٌ فيُسِرُّه ذلك ؟ قال : ( لا بأس ، ما مِن أحَدٍ إلاّ وهو يحب أن يَظهر له في الناس الخيرُ إذا لم يكن صَنَعَ ذلك لذلك )[7] صحيحة السند ، ومثلُها ما رواه في الكافي أيضاً عن علي بن إبراهيم عن أبـيه عن ابن أبي عمير عن القاسم بن عروة (يمكن توثيقه لرواية ابن أبي عمير عنه في نفس هذه الرواية) عن أبي العباس (البقباق : الفضل بن عبد الملك ثقة عَين له كتاب) قال قال أبو عبد الله (عليه السلام) : ( مَن سَرَّتْهُ حسنـتُه وساءَتْهُ سَيِّئَـتُه فهو مؤمن )[8] مصحّحة السند .

كما لا بأس أن يتوضّأ الشخص لهدفين : الأوّل لنفسه ـ أي ليصير على طهارة ـ والثاني لتعليم غيره ، طالما كان يتوضّأ امتـثالاً لأمر الله جلّ وعلا ، كما لا بأس أن يصلّي الإنسانُ للهعزوجل ليعلِّمَ الناسَ على عبادة الله سبحانه وتعالى ويحثّهم عليها ، ففي أصول الكافي عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن (عبد الله بن محمد) الحجال (ثقة ثقة) عن العلاء (بن رزين ثقة جليل القدر) عن (عبد الله) ابن أبي يعفور (ثقة ثقة) قال قال أبو عبد الله (عليه السلام) : ( كونوا دعاةً للناس بغير ألسنـتكم ، ليروا منكم الورع والإجتهاد والصلاة والخير ، فإنَّ ذلك داعية )[9] صحيحة السند .

وإن كانت الضميمةُ من غير الرياء والسمعة محرمةً فهي في الإبطالِ مثلُ الرياء ، لأنَّ الفِعلَ يصير مبغوضاً ومحرماً فيكون باطلاً ، كمَن كان يريد من وضوئه أو صلاته في مكانٍ إيذاءَ مؤمنٍ ، فلو فرضنا أن شخصاً يعمل مثلاً بميكانيك السيّارات ويداه متّسختان كالعادة ، فصار يغسل يديه أمام باب محلّ جاره ـ أفْرُضْ في مكان مباح ـ بالكاز والمازوت ، ثم قال أتوضّأ امتثالاً لأمر الله تعالى وصار يتوضّأ ليملأ الأرضَ عمداً أمام باب محلّ جاره بالمازوت والماء، متذرّعاً بكون الطريق لعموم الناس ! فهكذا وضوء يكرهه الله جلّ وعلا ، ولا يمكن أن يكون محبوباً لله ، ولذلك لا يمكن أن يكون عبادةً صحيحة .

مسألة 29 : الرياء بعد العمل ليس بمبطل .

لعدم الدليل على البطلان ، وذلك لاختصاص النصوص بالعمل الصادر عن رياء ، لا بالرياء اللاحق للعمل ، بل هذا أمر عقلي واضح ، لذلك اشتهر القول بهذه الفتوى ، وإن كان يمكن تقليلُ الرياء اللاحقِ للثواب السابق ، من باب الإحباط .

 


[1] السورة قریش، الآیة 4.
[2] السورة قریش، الآیة 5.
[3] السورة قریش، الآیة 6.
[4] السورة قریش، الآیة 7.
[5] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج1، ص44، من أبواب مقدّمة العبادات، ب8، ح9، ط اسلامیة.
[6] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج1، ص49، من أبواب مقدّمة العبادات، ب11، ح10، ط اسلامیة.
[7] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج1، ص55، من أبواب مقدّمة العبادات، ب15، ح1، ط اسلامیة.
[8] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج1، ص80، من أبواب مقدّمة العبادات، ب24، ح1، ط اسلامیة.
[9] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج1، ص56، من أبواب مقدّمة العبادات، ب16، ح2، ط اسلامیة.