الأستاذ الشيخ ناجي طالب

بحث الفقه

37/06/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : نيّة الوضوء

الثاني عشر : النِّـيَّة وهي القصد إلى الفعل ، مع كون الداعي امتـثالَ أمْرِ اللهِ تعالى وعبادتَه تعالى . ولا يلزم التلفُّظُ بالنيَّة ، بل ولا إخطارها تفصيلاً بالبال ، بل يكفي وجود الداعي في القلب بحيث لو سئل عن شغله يقول : أتوضأ ، وأما لو كان غافلاً بحيث لو سئل بقي متحيراً فلا يكفي ، لأنّ تحيّره هذا يكشف عن عدم وجود نيّة ارتكازيّة للوضوء . ويجب استمرار النية إلى آخر العمل ، فلو نوى الخلاف أو تردد وأتَى ببعض الأفعال بطل إلا أن يعود إلى النية الأولى قبل فوات الموالاة ، فيعيد ما أتى به متردّداً ..

بالإجماع ، ولعلّ سبب إجماعهم هذا هو وضوح كون الوضوء من العبادات التي لا بدّ من استحضار النـيّة فيها ، فإنّ عباديّة العبادة لا تحصل إلاّ بالتقرّب بالفعل المحبوب إلى المعبود . والمراد من النـيّة والقصد هنا هو إرادة الفاعل للفعل .

ويشترط أن يكون الداعي للعبادة هو امتـثال أمْرِ اللهِ تعالى ، وهذا مقتضى عباديّة الوضوء ، ويصحّ أن تكون النّـيّة أنه تعالى أهلٌ للطاعة ـ والظاهر أنها أعلى وأشرفُ النيّات ـ أو أن يكون الوضوء صادراً من المكلّف من باب الخوف من عقاب الله تعالى ـ ويجمعُهما قولُه تعالى في سورة الإنسان ﴿ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلاَ شُكُوراً (9) إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً (10) ﴾ ـ أو من باب شكر الله تعالى على نعمه أو للتقرّب إليه أكثر أو لعدم البُعد عن الله أو لنيل الثواب من الله في الدنيا والآخرة ونحو ذلك من المقرّبات لله جلّ وعلا .

ولا بأس ـ للتبرّك بأقوال المعصومين (عليهم السلام) أن نذكر ما رواه في ئل 1 ب 9 من أبواب مقدّمة العبادات ص 45 قال :

1 ـ روى في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن محبوب عن جميل عن هارون بن خارجة ( ثقة له كتب) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : ( العبادة ثلاثة : قومٌ عبدوا اللهَ عز وجل خوفاً فتلك عبادة العبـيد ، وقوم عبدوا اللهَ تبارك وتعالى طَلَبَ الثوابِ فتلك عبادة الاُجَراء ، وقوم عبدوا الله عز وجل حُـبّاً له فتلك عبادة الأحرار ، وهي أفـضل العبادة ) .

2 ـ محمد بن علي بن الحسين في ( العلل ، والمجالس ، والخصال ) عن محمد بن أحمد السناني عن محمد بن هارون عن عبيد الله بن موسى الحبال الطبري عن محمد بن الحسين الخشاب عن محمد بن محض (مهمل) عن يونس بن ظبـيان (من الكذّابين المشهورين ، ضعيف جداً ، لا يلتفت إلى ما رواه) قال قال الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام) : ( إن الناس يعبدون الله عز وجل على ثلاثة أوجه : فطبقة يعبدونه رغبة في ثوابه فتلك عبادة الحرصاء وهو الطمع ، وآخرون يعبدونه خوفاً من النار فتلك عبادة العبـيد وهي رهبة ، ولكني أعبده حُـبّاً له عز وجل ، فتلك عبادة الكرام ، وهو الأمْنُ لقوله عز وجل [ وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يومَئِذٍ آمِنُون ] ولقوله عز وجل [ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِـبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ] فمَن أحب اللهَ عز وجل أحبه اللهُ ، ومَن أحبه الله تعالى كان من الآمنين ) .

3 ـ محمد بن الحسين الرضي الموسوي في ( نهج البلاغة ) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال : ( إنَّ قوماً عبدوا الله رغبةً فتلك عبادة التجار ، وإنَّ قوماً عبدوا الله رهبةً فتلك عبادةُ العبـيد ، وإنّ قوماً عبدوا الله شكراً فتلك عبادة الأحرار ) .

4 ـ في شرح نهج البلاغة قال :... فقال (عليه السلام) : ( ما عبدتك خوفاً من عقابك ولا طمعاً في ثوابك بل وجدتُك أهلاً للعبادة فعبدتُك )[1] .

على أيّ حال ، لا شكّ عند العلماء في صحّة كون منشأ وعلّة العبادة هي الخوف من الله جلّ وعلا والطمَعُ منه ، قال الله تعالى ﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ المَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (16) ﴾ [2] .

ما نريد أن نقوله هو أنّ من المعلوم وجوبَ نيّةِ التقرّب بالوضوء وبسائر العبادات إلى المولى عزوجل . كما لا يجوز الشركُ في نِـيّـة العبادةِ ، كأنْ يكونَ مرادُه من الوضوء والصلاة هو الأجر من الله ومن الناس ، يقول الله تعالى ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ القَيِّمَةِ (5) ﴾ [3] وهذا أمْرٌ مجمَعٌ عليه .

 


[1] شرح نهج البلاغة، لكمال الدين ميثم بن علي بن ميثم البحراني، ج5، ص361.
[2] سورة السجدة، آية 16.
[3] سورة البـيّنة، آية 5.