الأستاذ الشيخ ناجي طالب

بحث الفقه

37/06/13

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : إذا لم يتمكن المكلّفُ من مباشرة الوضوء

مسألة 23 : إذا لم يتمكن المكلّفُ من المباشرة كأنْ كان مشلولاً مثلاً أو كانت يدُه مجبّرةً بحيث لا تلتوي ، جاز أن يستـنيب بل وجب ، حتى وإن توقف على الأجرة ، فيغسل الغَيرُ أعضاءَه وينوي هو الوضوء . ولو أمكن إجراءُ الغَيرِ الماءَ بيد المنوب عنه بأن يأخذ يده ويصب الماء فيها ويجريه بها ، هل يجب أم لا ؟ الأحوط ذلك ، وإن كان الأقوى عدمَ وجوبه ، لأن مناط المباشرة في الإجراء ، واليد آلة ، والمفروض أن فعل الإجراء من النائب ، نعم في المسح لا بد من كونه بيد المنوب عنه لا النائب ، فيأخذ يده ويمسح بها رأسه ورجليه . وإنْ لم يمكن ذلك فإنه يأخذ الرطوبةَ التي في يده ويمسحُ بها ، ولو كان العاجزُ يقدر على المباشرة في بعض دون بَعْضٍ بَعَّضَ .

بالإجماع ولقاعدة الميسور ، وقد روى في يب بإسناده عن محمد بن يحيى عن محمد بن أحمد بن يحيى (بن عمران القمّي كان ثقة في الحديث ، جليل القدر كثير الرواية) عن أبي جعفر (أحمد بن محمد بن عيسى أو أحمد بن محمد بن خالد وكلاهما ثقتان) عن محمد بن سنان عن أبي خالد القماط عن ضريس (بن عبد الملك بن أعيَن خيّر فاضل ثقة) عن علي بن الحسين أو عن أبي جعفر (عليهما السلام) قال : ( المجدور والكسير والذي به القروح يُصَبُّ عليه الماءُ صَبّاً )[1] صحيحة السند ، فإنّ أبا خالد الكابلي هو ـ على ما في الخرايج ـ كنكر وقد سمّته أمُّه وردان ، وهو رجل واحد ـ لا رجلين ـ وذلك لكثرة ما روي عنه وتكلّموا حوله بهذه الكنية من دون تعيين ، ولتصريح الفضل بن شاذان بأنّ اسمه (وردان) ولقبُه (كنكر) ، وهو ثقة لعدّة قرائن . وهي ظاهرة في الوجوب ، ومقتضى الوجوب أن لو اقتضى الصبّ أجرةً لوجب دفعها ما لم يقع بضرر مهمّ أو حرج شديد .

وفي يب عن المفيد عن الصدوق عن محمد بن الحسن(بن الوليد) عن (سعد بن عبد الله وأحمد بن إدريس) عن أحمد بن محمد(بن عيسى) عن الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد عن هشام بن سالم عن سليمان بن خالد (ثقة فقيه) و(الحسين بن سعيد) عن حماد بن عيسى عن شعيب(بن يعقوب العقرقوفي ثقة عين له أصل) عن أبي بصير(يحيى بن القاسم ثقة وجيه) و(الحسين بن سعيد) عن فضالة(بن أيوب) عن حسين بن عثمان عن ابن مسكان عن عبد الله بن سليمان (الصيرفي له أصل لم يوثّقوه) جميعاً (أي سليمان بن خالد وأبو بصير وعبد الله بن سليمان) عن أبي عبد الله (عليه السلام) ـ في حديث ـ أنه كان وجِعاً شديدَ الوجع ، فأصابته جنابةٌ وهو في مكان بارد ، قال : ( فدعوتُ الغَلَمَة فقلتُ لهم : اِحملوني فاغسلوني ، فحملوني ووضعوني على خشبات ، ثم صَبُّوا عليَّ الماءَ فغسَّلوني )[2] صحيحة السند ، وهي أيضاً تفيد جواز أو وجوب أن يغسله غيرُه في حال الضرورة ، وأنت تعلم بوحدة المناط بين الوضوء والغسل هنا .

فيوضّئُه غيرُه أو يُغَسِّلُه ، ولكنْ ينوي المتوضِّئُ الوضوءَ لأنه هو المكلّف ، وكذا ينوي المغتسلُ النيّةَ لأنه هو المكلّف ، أمّا الموضِّئُ والمغسِّلُ فهما كالآلة فقط ، ولا دليل على وجوب أن ينويا هما أيضاً نيّةَ الوضوء أو الغَسل ، بل لا وجه لذلك ، فإنّ هذا التوضّي مغايرٌ للحجّ النيابي الذي يجب على النائب فيه النيّةُ لأنه يقوم بفعل عبادي .

كما ويجب عليه أن يشتري الماء ولو كان بأضعاف قيمته إلاّ أن يكون ضررياً أو حرجيّاً على المشتري ، فقد روى في الكافي عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن البرقي عن سعد بن سعد(ثقة) عن صفوان قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل احتاج إلى الوضوء للصلاة وهو لا يقدر على الماء ، فوجد بقدر ما يتوضأ به بمئة درهم أو بألف درهم وهو واجد لها ، أيشتري ويتوضأ أو يتيمم ؟ قال : ( لا ، بل يشتري ، قد أصابني مثل ذلك فاشتريت وتوضأت وما يسوؤني ( يسرني ) بذلك مال كثير )[3] صحيحة السند ، ورواها الشيخ بإسناده عن محمد بن يحيى مثله . ورواها الصدوق مرسلاً عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) نحوه ، إلا أنه أسقط قوله : وهو واجد لها ، وقال : ( وما يسوؤني بذلك مال كثير ) .

وروى محمد بن مسعود العياشي في تفسيره عن الحسين بن أبي طلحة قال : سألت عبداً صالحاً (عليه السلام) عن قول الله عز وجل ﴿ أو لامستم النساء فلم تجدوا ماءً فتيمموا صعيداً طيِّباً ﴾ ما حد ذلك ؟ قال : ( فإن لم تجدوا بشراء وبغير شراء ) قلت : إن وجد قدر وضوء بمئة ألف أو بألف وكم بلغ ؟ قال : ( ذلك على قدر جدته )[4] .


[1] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج2، ص702، أبواب غسل الميّت، ب16، ح1، ط الاسلامية.
[2] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج1، ص336، أبواب الوضوء، ب48، ح1، ط الاسلامية.
[3] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج2، ص997، أبواب التيمّم، ب26، ح1، ط الاسلامية.
[4] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج2، ص998، أبواب التيمّم، ب26، ح2، ط الاسلامية.