الأستاذ الشيخ ناجي طالب

بحث الفقه

37/06/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : في ضيق الوقت هل يجوز الوضوء

الشرط الثامن : أن يكون الوقت واسعاً للوضوء والصلاة ، بحيث لا يلزم من التوضُّئِ وقوعُ بعضِ صلاته خارجَ الوقت ، ولو جزء ركعة ، وإلا وجب التيمُّمُ ، إلا أن يكون التيمُّمُ أيضاً يأخذ منه وقتاً بمقدار وقت الوضوء أو أكـثر ، إذ حينئذ يتعين الوضوء عقلاً . لكن لو توضأ ـ رغم علمه بوقوعِ بعضِ صلاته أو حتى كلّ صلاته خارجَ الوقتِ ـ لَصَحَّ وضوؤه ، وذلك لأنّ الوضوء محبوب ذاتاً ، وهذا أشْبَهُ شيءٍ بمَن ترك الإنقاذَ وصلّى ، حيث يقول علماؤنا بصحّة صلاته رغم تركه للأهمّ أي رغم استحقاقه للعقاب الأليم.

لا شكّ في أنّ الوظيفة الفعليّة للمكلّف في حال ضيق الوقت هو التيمّم ، وعلى هذا الأساس قد يقال : إنّ لازم تكليف الإنسان في حال ضيق الوقت بالتيمّم هو حرمة الوضوء ، وبالتالي بطلانه .

والجواب : إنّ الأمر بالشيء ـ كالتيمّم ـ لا يستلزم النهيَ عن ضدّه الخاصّ ـ كالوضوء ـ ، فليس ترْكُ التيمّمِ هو مقدّمة الوضوء ، وإنما نيّة الوضوء هي مقدّمة الوضوء ، ولذلك قد يترك الإنسانُ التيمّمَ ولا يتوضّأ . وبتعبير آخر : لا يصحّ أن يقال عن الفاسق الذي لا يريد الوضوء والصلاة أصلاً بأنّ التدخين ولَعِبَ الورق هما السبب في تركه الوضوءَ والصلاة ، وإنما السبب في تركه الوضوءَ والصلاة هو عدم نيّته الوضوءَ والصلاة ، إذن يجب أن يُنظَر أوّلاً ـ كما يقول اُستاذنا السيد أحمد المددي حفظه الله ـ إلى مرحلة المقتضي ، ومع عدم المقتضي لا يصحّ أن يُنسَب عدمُ المعلول إلى وجود المانع ، وإنما يجب أن يُنسَبَ إلى عدم المقتضي . ولذلك قال العلماء بأنه إن اجتمع مهمٌ وأهمّ ، ونوى الشخصُ فِعْل المهمِّ وترْك الأهمِّ ، فلا يصحّ أن يقال بأنّ الصلاة كانت المانعَ عن الإنقاذ ، وإنما يجب القولُ بأنّ الشخصَ مِنَ الأصل لم يُرِدِ الإنقاذَ ، فعدمُ الإنقاذ منسوب إلى عدم نيّة الإنقاذ ، وعدمُ التيمّمِ ـ في مثال المتن ـ منسوبٌ إلى عدم إرادة التيمّم . وعليه فلو ترك الإنقاذَ وصلّى لصحّت صلاته وذلك لبقاء وجوب الصلاة فعليّاً ، نعم تَسقُطُ منجّزية الوجوب ، وفي مثال التيمّمِ الأمرُ هكذا تماماً ، فإن أراد الإنسانُ أن يترك التيمّمَ فلا داعي لسقوط محبوبـيّة الوضوء وسقوطِ فعليّةِ الأمر به ، نعم تسقط المنجّزيّة . وبتعبير آخر : يـبقى الوضوء على محبوبـيّته ، وأنت تعلم بمحبوبـيّة الوضوء ذاتاً ، فأنت تعلم أنّ الله تعالى يقول ﴿ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ المُتَطَهِّرِينَ [1] وأنّ (الوضوء على الوضوء نورٌ على نور)[2] ، وروى الحسن بن محمد الديلمي في (إرشاد القلوب) قال قال النبي صلى الله عليه وآله : يقول الله تعالى﴿ مَن أحدث ولم يتوضأ فقد جفاني [3] وغيرها من الروايات ، ويُفهم من كلّ الأدلّة أنّ نفس الكون على الطهارة محبوب شرعاً ، بل كلّ متشرّعٍ يَعرف أنّ الكون على الطهارة محبوب شرعاً .

وبعد هذا لا يَـبقى وجه لبطلان وضوئه إنْ توضّأ للصلاة في حال استلزام الوضوء لخروج بعض أو كلّ الصلاة من وقتها ، فإنّ الأمْرَ بشيء ـ كالتيمّم ـ لا يستلزم النهيَ عن ضدّه الخاصّ ـ كالوضوء ـ ، وكذا لو كان يجب عليه الإنقاذُ لأهميّته على الصلاة ، فقام وصلّى ، فإنّ صلاته تصحّ ولا تبطل ، وذلك تمسّكاً بإطلاقات الأمرِ بالصلاة ، أو قُلْ لبقاء فعليّة وجوب الصلاة .

وكذلك الأمرُ في التيمّم والوضوء تماماً ، فإنّ التيمّم هو مطلوب في حال ضيق وقت الصلاة، نعم ، ولكن مطلوبـيّته لا تعني عدمَ مطلوبيّةِ الوضوء ذاتاً وفعليّة ، ولا يعني سقوطَ المصلحةِ والمحبوبـيّةِ ولا يعني سقوطَ الأمرِ الفعلي بالوضوء ، وهذا أشبه شيءٍ بمَن يريد أن يترك الصلاة ويصومَ فقط ، فإنّ صيامه يصحّ حتماً ، لأنه أمر آخر مغاير للأمر بالصلاة . وعلى الأقلّ نـتمسّكُ بإطلاقات الأمر بالوضوء الذي هو مستحبّ ذاتاً .

فإن قلتَ : إنّ الصلاة في حال ضيق الوقت تطلب خصوص التيمّم ، ولا تطلب الوضوءَ أصلاً ، فلا يكون الوضوء مطلوباً ، فإذا توضّأ الإنسانُ كان وضوؤه باطلاً لعدم مطلوبـيّته .

قلتُ : لا ، لا دليل على استدعاء الصلاة للتيمّم أو للوضوء ، وإنما تدعو الصلاةُ إلى نفسها ، والعقلُ يدعو الإنسانَ إلى الكون على الطهارة لتحقيق شرط الصلاة . وبتعبير آخر : يُشترَطُ في الصلاة الكونُ على الطهارة ، لكنْ هذا الإشتراطُ لا يُفهم منه استدعاءُ الصلاة للوضوء أو التيمّم أو الغُسل ، وإنما العقل هو الذي يدعو المكلّفَ إلى الطهارة لتحقيق شرط الصلاة .

ولما ذكرنا تَرَى عدّة من المعلّقين على حاشية العروة الوثقى ـ كالإمام الخميني والسيد الخوئي والسيد الكلبايكاني ـ يقولون بصحّة وضوئه إذا تَرَكَ التيمّمَ وتوضّأ رغم أنّ وظيفته الفعليّة ـ في ضيق الوقت ـ هو التيمّم ، وذلك لأنّ نيّته عادةً هي الكون على الطهارة ولأنّ الوضوء محبوب ذاتاً ومستحبّ وهو عبادةٌ ذاتاً .

مسألة 21 : في صورة كون استعمال الماء مُضِرّاً ، لو صَبَّ الماءَ على ذلك المحل الذي يتضرر به ووقع في الضرر ، ثم توضأ صح إذا لم يكن الوضوء موجِباً لزيادة الضرر ، لكنه عَصَى بفِعْلِه الأوّل لحرمة الإضرار بالنفس .


[1] سورة البقرة، آية 222.
[2] مَن لا يحضره الفقيهُ، الشيخ الصدوق، ج1، ص41.
[3] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج1، ص268، أبواب الوضوء، ب11، ح2، ط الاسلامية.