بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

37/05/22

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : إذا علم أن مياهَ المسجد وَقْفٌ على المصلين فيه
 مسألة 11 : إذا علم أن مغاسل المسجد ومياهَه وَقْفٌ على المصلين فيه فلا يجوز الوضوء منه بقصد الصلاة في مكان آخر، فلو توضّأ فإنّ وضوءه يكون باطلاً، كما أنه يكون ضامناً للماء . وأمّا لو توضأ بقصد الصلاة فيه، ثم بدا له أن يصلي في مكان آخر أو لم يتمكن من ذلك فالظاهر عدم بطلان وضوئه ولا يضمن الماء الذي توضّأ به . كما أنه يصح الوضوءُ لو توضأ غفلةً أو باعتقاد عدم الإشتراط ولا يجب عليه أن يصلي فيه، كما لا يضمن الماءَ أيضاً .
 1 لوضوح أنّ (الوقوف على حَسَبِ ما يَقِفُها أهلُها) فيكون عاصياً وغاصباً، ولا يكون الفعلُ المبغوض عبادةً مقرّبةً إلى الله تعالى .
  نعم، لو توضأ بقصد الصلاة فيه، ثم بَدا له أن يصلي في مكان آخر أو لم يتمكن من الصلاة في المسجدِ فالظاهرُ عدمُ بطلان وضوئه، وذلك لامتناع الشرط المتأخّر عقلاً، بمعنى أنّه حين كان يتوضّأ قربةً إلى الله تعالى كان ينوي الصلاةَ في المسجد، ثم غيّرَ رأيَه لسببٍ وجيهٍ أو لسببٍ غيرِ وجيهٍ، فلا يمكن أن نقول ببطلان وضوئه إلاّ على القول بالكشف، وذلك بتقريب أنّ الوضوء المتعقَّبَ بالصلاة في عِلْمِ الله تعالى هو الصحيح، وذلك لأنه إن لم يُصَلِّ لأيّ سببٍ فإننا نستكشف أنّ وضوءه كان باطلاً، لِعِلْمِ اللهِ الأزلي بكونه سوف يغيّر رأيَه، إذن فيكون وضوؤه باطلاً .
أقول : صحيح أنّ الوقوف على حسب ما يَقِفُها أهلُها، ولكنْ بعدما صار الماءُ المجلوبُ إلى المسجد وقْفاً لله ـ ولو بشرط الصلاةِ في المسجد ـ فإنّ الله يرضى بالوضوء لكن بنيّة الصلاة فيه، فلو أعرض عن الصلاة في المسجد لوجْهٍ وجيهٍ أو لعدم التمكّن من الصلاة في المسجد فإنّ وضوءه يكون صحيحاً، لأنّ أمر الوضوء عباديّ، وهو متعلّق بالله، لا بالواقف، فإنّ الواقف قد خرج بعدما وقف الماءَ، والله يرضى بوضوئه بمائه في هكذا حالة . وفي هكذا حالةٍ يَبْعُدُ ضمانُه لقيمة الماء، لأنّ الواقفَ حينما جلب الماءَ فالمفروض أنه وقَفَه لخصوص المصلّين لله، فهو إذن صار لله، ويبعد جداً أن يُضَمّن اللهُ تعالى المتوضّئين لقيمة الماء أو لبدله في هكذا حالة مذكورة، بعدما لم يَعُدْ هناك حقٌّ للواقِف في الماء، وأيضاً الأصلُ عدم الضمان .
  نعم يمكن أن يكون وضوؤه باطلاً فيما لو غيّر رأيَه فلم يُصَلِّ فيه من دون سبب وجيه، وذلك لاحتمال صحّة القول بأننا نستكشف أنّ وضوءَه كان باطلاً في علم الله تعالى، وغيْرَ مرضيٍّ عنه، والأحوط وجوباً في هكذا حالة ضمان الماء .  
كما أنّ الوضوءَ يصح لو توضّأ غفلةً أو باعتقاد عدم الإشتراط ولا يجب عليه أن يصلي فيه، وذلك لأنّ الواقف بعدما وقف الماءَ لخصوص المصلّين في المسجد فقد رَفَعَ يدَه وصار الحقُّ حقَّ الله جلّ وعلا، ولا دخل للواقف فيه بعد الوقف بهذه الكيفية، واللهُ يَرضَى بالتوضّي في هذه الحمّامات في هكذا حالة، ولا يصدق عليه الغصبُ من الله في هكذا حالات . ولا يجب على المتوضّئ في هكذا حالات أن يصلّي في المسجد، ولو للبراءة، وذلك لعدم الدليل على الوجوب، خاصةً لعدم العلم بإيجاب الواقف الصلاةَ كثَمَنٍ للماء حتى في هكذا حالات، أو لاستبعاد اشتراط الصلاة على المتوضّئ في هكذا حالات .
كما ويـَبْعُدُ تضمينُ الله جلّ وعلا للمتوضّئين للماء في هكذا حالة، لنفس السبب السالف الذكر، وهو أنّ الواقف حينما جلب الماء إلى المسجد وقفه بالشرط المذكور، وبالتالي هو رفع يده، وصار الماء لله تعالى، ويبعد تضمين الله (عزوجل) للمتوضّئين في هكذا حالةٍ عباديّةٍ مذكورةٍ , والأصلُ عدم الضمان .