بحوث الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

37/05/07

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : لو التفت المتوضّئُ إلى الغصبيَّة في أثناء الوضوء
مسألة 5 : إذا فرضنا صحّةَ الوضوء بالماء المغصوب ـ كما مرّ في المسألة السابقة ـ والتفت المتوضّئُ إلى الغصبية في أثناء الوضوء صح ما مضى من أجزائه ويجب تحصيل الماءِ المباح للباقي، وإذا التفت بعد الغسلات قبل المسح فهل يجوز المسح بما بقي من الرطوبة المغصوبة الموجودة على يده وهل يصح الوضوءُ بها أم لا ؟ الجواب : إنّ الماء المغصوب مهما كان قليلاً وحقيراً يـبقى على مُلكِ صاحبِه، ولذلك لو فرضنا نهْيَ المالِكِ عن المسح بمائه لَحَرُمَ المسحُ به، ولكان الوضوءُ باطلاً، ولكنْ بما أنّ المالِكَ يَرَى ماءَه قد فَنَى لأنه صار رطوبةً لا غير، فإنه عادةً يَرفعُ يدَه عن مائه ولو بارتكازه، ويطالب بالبدل، وهذا يعني تنازل المالك عن مائه للغاصب، وح يجوز ويصحّ المسح به . لكن هنا ملاحظة وهي أنّ المالك لا يصحّ أن يطالب بالماء الموجود على الوجه واليدين ويطالبَ أيضاً ببدلهما، وذلك لأنه يكون بالتالي يطالب بأكثر من حقّه، فإمّا أن يطالب بالبدل وتصير هذه النداوة ملكاً للغاصب فيصحّ ح المسحُ بها، وإمّا أن يطالب بالنداوة ويأخذ ماءً بمقدار التالف، ولذلك إذا هو طالب بالبدل فإنّ هذا يعني أنه رفع يده عن الماء الموجود على أعضاء الغاصب، وبالتالي يصير هذا الماءُ ملكاً للغاصب، وح يجوز ويصحّ أن يمسح الغاصبُ بهذه النداوة التي صارت ملكاً له .
في الفرض الذي صحّحنا فيه الوضوءَ بالمغصوب، إذا فرضنا أنه عَلِمَ بالغصب فإنّ عليه أن ينـتقل إلى المباح فوراً، ماءً كان المغصوب أو مكاناً أو مَصَبّاً، ولا يجب الإعادة على ما مضى، كما يجوز المسح بالماء المغصوب ح لأنه بعدما صار على اليدين فإنّ المالكَ يُعْرِضُ عنه ـ عادةً ـ للغاصب لأنه فَقَدَ ماليّتَه العُرْفِيّة، بعدما صار نداوةً أي صار يُعَدّ مِنَ التالِف عرفاً، وأيضاً هو غير قابل للإعادة عُرْفاً إلى صاحبه، وح يجوز ويصحّ المسح به . وأمّا لو فرضنا أنّ الغاصب قال للمتوضّئ ـ رغم أنّ الماء صار نداوة ورغم أنه لا يمكن الإنـتـفاع به ـ قال (أنا لا أسامحك بالمسح بمائي هذا) فإنه ح يحرم عليه المسْحُ به على الأحوط وجوباً، وذلك لاختصاص المالك بمالِهِ مهما كان قليلاً ولقاعدة استصحاب كونه لمالكه الأصلي . ولذلك كان الأحوط في هكذا حالة تجفيفَ أعضاء الوضوء ثم التوضّي ثانيةً، إلاّ إذا فنى الماء المغصوب ـ فناءً عُرْفيّاً ـ بالماء الجديد . وإنما احتطنا وجوباً ولم نفتي لأنّ هذا الماء القليل الموجود على الوجه واليدين لا يمكن إعطاؤه إلى مالكه الأصليّ، وإنما يجب إعطاء البدل، ومن الواضح عقلاً أنّ الإنسان لا يضمن البدل والمبدل، لأنه ح يكون ظلماً على الغاصب، لذلك يمكن القول بجواز وصحّة المسح بهذه النداوة لأنها انتقلت إلى البدل شرعاً وعقلاً، وذلك كما لو غصب غاصبٌ ماءَ زيدٍ وألقاه في البحر، فإنه يصحّ للغاصب أن يتسبّح في البحر ويتوضّأ منه لأنّ الماءَ المغصوب قد فنى عرفاً وانتقل إلى البدل في ذمّة الغاصب، وكما لو كسر زيدٌ زجاجَ عمروٍ بحيث صار بلا قيمة عرفاً، فإنه يصير بدلُه في ذمّة زيد، وبالتالي يصير الزجاجُ المكسّر ملكاً لزيد، ولا يبقى ملكاً لعمروٍ، وذلك تجنّباً لصيرورة الزجاجين ملكاً لعمرو .