بحوث الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

37/04/23

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : شرائط الوضوء
[ فَصْلٌ في شرائط الوضوء ]
الأول : إطلاق الماء، فلا يصح الوضوء بالماء المضاف، أمّا لو كانت الإضافة قليلةً جداً كماء البحر وكماء السدر والكافور اللذين يغسّل بهما الميّتُ وكماء الورد الخفيف الذي تغسّل به اليدان في بعض المناطق الخليجيّة وكالماء المخلوط بشيء من التراب والرمال فلا بأس .
الثاني : طهارة الماءِ وطهارةُ مواضع الوضوء، ويكفي طهارة كل عضو قبل غسْلِه .
أمّا اشتراط أن يكون الماء الذي نتوضّأ به مطلقاً ـ أي غير مضاف ـ فهو للإنصراف من آية الوضوء ومن كلّ روايات الوضوء، ولذلك أجمعت الطائفة على ذلك . لكننا قلنا في بداية هذا الكتاب إنه يمكن أن يكون الماءُ المضافُ رافعاً للحدث إذا كانت الإضافةُ قليلةً جِداً، وذلك كما لو كان بكثافة ماء البحر وماء السدر والكافور اللذين يغَسَّلُ بهما الميّت والشاي الخفيف ـ لا كالحليب ـ وذلك لأنه ماءٌ حقيقةً وذاتاً رغم إضافة شيء قليل فيه . وعليه، قد لا يهمّ عدمُ إطلاق إسم (الماء) عليه بعدما كان ماءً في الواقع ـ أي بنسبة أكثر من 100/95 ـ فيُنظر إلى حقيقة الماء لا إلى إسم الماء، لأنّ الإنسان يتوضّأ ويغتسل بالماء لا بإسم الماء، وإنّ وجود عُطرِ الوَرد فيه ـ مثلاً ـ بنسبةٍ قليلةٍ[1] لا يُخرجه عن حقيقة أنه ماء، حتى وإن اُطلق عليه إسم (ماء ورد)، فقوله تعالى[ فلم تجدوا ماءً فتيمّموا ] يشمل ماءَ الورد القليل الكثافة لأنه ماءٌ حقيقةً، وأقصد بقولي (قليل الكثافة) أي بنسبة السدر والكافور في الماء المستعمل في غُسل الميّت، وبنسبة الملح في ماء البحر، ويؤيّد ما ذكرناه ما رواه في الكافي عن علي بن محمد (بن ابراهيم بن أبان الرازي المعروف بـ علاّن الكُلَيني ثقة عين) عن سهل بن زياد (القمّي الرازي أي من الريّ أي الطهراني اليوم) عن محمد بن عيسى(بن عبيد) عن يونس(بن عبد الرحمن) عن أبي الحسن (عليه السلام) قال قلت له : الرجل يغتسل بماء الورد ويتوضّأ به للصلاة ؟ قال : (لا بأس بذلك )[2] مصحّحة السند، فإنّ سهلاً ثقةٌ لتوثيق الشيخ الطوسي له في أصحاب الهادي (عليه السلام) ولرواية الكثير من الأجلاّء عنه ... ولا اعتبار بعد ذلك بقول الشيخ الطوسي عنه في عدّة مواضع (إنه ضعيف)، وقال عنه جش (ضعيف في الحديث، غير معتمد فيه، وكان أحمد بن محمد بن عيسى يشهد عليه بالغلوّ والكذب) (إنتهى)، نعم لا بدّ من الإحتياط بشأن رواياته في مقام الفتوى .
وقال الشيخ الصدوق في فقيهه : (ولا بأس بالوضوء والغسل من الجنابة والإستياك بماء الورد)(إنتهى) [3].
ومن هنا قد تُحمَل الرواياتُ التي تشترط كونَ ماء الوضوء ماءً عرفاً على ما يكون ماءً حقيقة، ولا يُنظَر إلى لزوم اشتراط إطلاق إسم الماء عليه، المهم هو أننا نغتسل أو نتوضّأ بواقع الماء لا بإسم الماء حتى ننظر إلى صدق إسم الماء .
والنتيجة هي أنّ قول الشيخ الصدوق من أنه يجوز الإغتسال والوضوء بماء الورد ـ إستناداً إلى المصحّحة السابقة ـ صحيحٌ لا غبار عليه بعدما عرفت مراده من ماء الورد بالإنصراف إلى ماء الورد الخفيف جداً المتعارَف في تغسيل الأيدي ..
أمّا بالنسبة إلى وجوب أن يكون الماء طاهراً فقد تواترت الروايات في ذلك، مِن قبيل (1) ما رواه في التهذيبين عن الحسين بن سعيد عن حَمّاد(بن عيسى) عن حريز عن الفضل أبي العباس قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن فضل الهرة والشاة والبقرة والإبل والحمار والخيل والبغال والوحش والسباع، فلم أترك شيئاً إلا سألته عنه، فقال : > لا بأس به < حتى انـتهيتُ إلى الكلب، فقال : ( رجس نجس لا تـتوضأ بفَضْلِه واصبُبْ ذلك الماءَ، واغسله بالتراب أول مرة ثم بالماء )[4] (صحيحة السند)، و(2) روى في التهذيبين عن محمد بن محمد بن النعمان المفيد عن أبي القاسم جعفر بن محمد(بن جعفر بن موسى) بن قولويه (صاحب كامل الزيارات) عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد(بن عيسى) عن الحسين بن سعيد وعبد الرحمن بن أبي نجران عن حماد بن عيسى عن حَرِيز بن عبد الله عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : ( كلَّما غلب الماء على ريح الجيفة فتوضّأ من الماء واشرب، فإذا تغيَّرَ الماءُ وتغيَّرَ الطعمُ فلا تـتوضأ منه ولا تشرب )، ومثلها (3) ما ورد في موثّقة سَماعة(إذا كان النَتَنُ الغالبَ على الماء فلا تـتوضّأ ولا تشرب)، و(4) في صحيحة أبي خالد القمّاط(إن كان الماء قد تغيَّرَ ريحُه أو طعمُه فلا تشربْ ولا تـتوضأ منه، وإن لم يتغيَّرْ ريحه وطعمُه فاشرب وتوضّأ)[5]، بل هو أمْرٌ بديهي، وإلاّ لتنجّس الشخص بدل أن يتطهّر، فالنهي هنا إرشادي إلى حصول النجاسة بدل حصول الطهارة المعنويّة .
وأمّا لزوم أن يكون كلّ عضو من أعضاء الوضوء طاهراً حين غسْلِه بنيّةِ الوضوء فهو أيضاً أمْرٌ لا بدّ منه عقلاً وشرعاً لأنّ أعضاء الوضوء إن لم تُطَهَّرْ وبقيت النجاسةُ على اليد مثلاً وتوضّأ الشخص على النجاسة مع بقاء النجاسة فإنّ الشخص سوف يتنجّس قطعاً ولن تحصل الطهارةُ، ولذلك أجمع العلماء على ذلك . نعم لو توضّأ ارتماساً في ماء معتصم بنيّة إدخال العضو في الماء ـ كما قلنا سابقاً ـ بعد حصول الطهارة فإنّ العضو يطهر بمجرّد دخوله بالماء وسوف يحصل الغَسلُ بعد ذلك مباشرةً لنيّة ذلك، ولذلك ذهب جمع من العلماء إلى ما قلناه .
وإذا بطل الوضوءُ بطلت الصلاة بالبداهة، حتى ولو كان الشخص أثناء الوضوء أو أثناء الصلاة جاهلاً بنجاسة الماء، وذلك لأنّ الصلاة مقيّدةٌ واقعاً بالطهارة، فإذا بَطَلَ قيدُها وشرطُها بطلت الصلاة واقعاً، إذ لا صلاة إلاّ بطهور، كما في رواية التهذيبين بإسناده ـ الصحيح ـ عن الحسين بن سعيد عن حماد(بن عيسى) عن حريز عن زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : ( لا صلاة إلا بطهور )[6]، وما رواه الصدوق في الخصال عن أبيه عن سعد عن أحمد بن محمد(بن عيسى) عن الحسين بن سعيد عن حماد بن عيسى عن حريز عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : ( لا تعاد الصلاة إلا من خمسة : الطهور والوقت والقبلة والركوع والسجود )[7] صحيحة السند، فطهارةُ ماء الوضوء شرط واقعي لا ظاهري، أي أنه إذا علم بنجاسة الماء بعد التوضّي به فإنّ عليه أن يعيد وضوءه وصلاته التي صلاّها بهذا الوضوء الباطل، وكذلك الطهارةُ المعنويّةُ شرط واقعي بالإجماع، فلو توضّأ وضوءً باطلاً واقعاً ثم علم ببطلانه شرعاً فعليه أن يعيد صلواته التي صلاّها بهذا الوضوء .


 [1] أقصد بذلك ماءَ الوَردِ التجاري ـ أي الدرجة الثانية ـ لا الأصلي ـ أي الدرجة الاُولى ـ، والفرق بينهما معلوم عند أهل الخبرة وهو أنّ المراد بالدرجة الاُولى ما يستخرج بالغَلْيَة الاُولى ويكون غليظاً ولا يمكن الإغتسال به عادةً لشدّة رائحته وغلاظته ولكونه فيه زيت .
[2] وسائل الشيعة، الحر العاملي : ج 1، ب 3 من أبواب الماء المضاف، ح 1، ص 148، الاسلامية..
[3] مَن لا يَحْضُرُهُ الفقيهُ : ج 1  باب الماء الذي لا ينجّسه شيءٌ، ص 6..
[4] وسائل الشيعة، الحر العاملي : ج 1، ب 1 من أبواب الأسآر، ح 4، ص163، الاسلامية..
[5] راجع المصدر السابق و وسائل الشيعة، الحر العاملي : ج 1، ب 3 من أبواب الماء المطلق، ص 102 ـ 105، الاسلامية..
[6] وسائل الشيعة، الحر العاملي : ج  1، ب 9 من أبواب أحكام الخلوة، ح 1، ص 222 . وراجع كلّ الباب أيضاً..
[7] وسائل الشيعة، الحر العاملي : ج  4، ب 1 من أبواب أفعال الصلاة، ح 14، ص 683، الاسلامية..