الأستاذ الشيخ ناجي طالب

بحث الفقه

37/04/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : إذا عمل في مقام التقية بخلاف مذهب مَن يتقيه

مسألة 42 : إذا عمل في مقام التقية بخلاف مذهب مَن يتقيه[1] وكانت التقيةُ ترتفع به فوضوؤه صحيح ، وذلك لأنّ المناط في الإتّـقاء من النواصب هو إظهار أنه ليس إثني عشريّاً ، وإنما هو من الفرق التي لا يرفضها الناصبي ، ولكن على الشيعي أن يتوضّأ كامل وضوئهم لا نصفه أو ربعه مثلاً ، حتى وإن ارتفعت التقية به ، كأن يغسل نصفَ وجهه أو نصف يدِه مثلاً ... وذلك للظنّ ببدليّة وضوء التقيّة بكامله ، عن الوضوء الواقعي الأوّلي ، ولأصالة الإشتغال ، وقد ذكرنا في مسألة 40 السابقة أنّه إذا أمكن أن يغسل رجليه ـ للتقيّة ـ وأن لا يمسح على الحذاء تعيّن عليه ذلك .

لا شكّ أن على المؤمن أن يتوضّأ كامل وضوئهم ، لا بعضه ، فهو القدر المتيقّن من الوضوء الذي ينوب عن الوضوء الأوّلي .

مسألة 43 : يجوز في كل الغسلات أن يصب على العضو عَشْرَ غُرْفاتٍ([2] ) بقصد غسلة واحدة ، فالمناط في تعدّد الغَسل المستحبّ ثانيه والحرام ـ على قول ـ ثالثُه ليس تعدّد الصبّ ، وإنما هو تعدّدُ الغَسل بقصد تعدّدِ الغَسلات[3] .

لم يحدَّد في الشرع عدد الصبّات ، والمهم هو الغَسل بقصد الغسلة الأولى أو الثانية ، لا الصبّات ، فقوامُ الغَسلة التي هي موضوع الوجوب أو الإستحباب أو الحرمة هو القصدُ ونيّة القربة ، لا مجرّد الصبّة . وقد ذكرنا الكثيرَ من الروايات في استحباب غسل كل من الوجه واليدين مرتين مرّتين (في فَصْل في بعض مستحبات الوضوء / التاسع) وكان مفادُ الروايات أنّ ( الوضوء مثنى مثنى )[4] .

وأمّا حرمة الغسلة الثالثة ففي ثبوتها شرعاً شكٌّ ، وقد روينا سابقاً عن ابن إدريس في السرائر أنه قال : قال أحمد بن محمد بن أبي نصر عن المثنى(بن الوليد الحنّاط ، لا بأس به) عن زرارة وأبي حمزة (الثمالي) عن أبي جعفر× أنه قال في الوضوء ( واعلم أنّ الفضل في واحدة واحدة ، فمن زاد على اثنتين لم يؤجر )[5] وهي واضحة الإرسال ، على أنها لا تفيد حرمة الغسلة الثالثة ، وأمّا رواية ابن أبي عميرعن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله× قال : ( الوضوء واحدة فرض ، واثنتان لا يؤجر ، والثالثة بدعة )[6] فمرسلة السند ، إلاّ أن تقول بأنه لا يروي ولا يرسِلُ إلاّ عمّن يوثق به ، على أنّ الظاهر قويّاً ـ بقرينة كلمة بُدْعَة ـ أن الغسلة الثالثة تكون بُدْعَةً فيما لو قصد التشريع بالغسلة الثالثة.

مسألة 44 : يجب الإبتداء في الغَسل من الأعلى ، لكن لا يجب الصبّ على الأعلى ، فلو صبّ على وَسَطِ يدِه مثلاً ، ورَفَعَ الماءَ بيده إلى المرفق وغَسَلَ من المرفق إلى رؤوس الأصابع ، صحّ وضوؤه ، لأنه نَوَى الغَسلَ مِنَ الأعلى.

المهم أن ينوي الغَسلَ من الأعلى إلى الأسفل ، وليست العبرة بمحلّ وضع الماء أوّلاً ، فله أن يصبّ على وسط يده مثلاً ثم يرفعه إلى المرفق ليغسل من المرفق إلى رؤوس الأصابع .

مسألة 45 : الإسراف في ماء الوضوء مكروه وقد يحرم أحياناً ، لكن الإسباغ مستحب ، وقد مر أنه يستحب أن يكون ماء الوضوء بمقدار مد ، والظاهر أن ذلك لتمام ما يصرف فيه من أفعاله ومقدماته من المضمضة والإستنشاق وغسل اليدين .

ورد أكثر من رواية في استحباب الإسباغ في الوضوء ، منها ما رواه في التهذيبين بإسناده عن الحسين بن سعيد عن صفوان(بن يحيى) عن (عبد الله)ابن مسكان عن محمد(بن علي)الحلبي عن أبي عبد الله ×قال : ( أسبغِ الوضوءَ إن وجدتَ ماءً ، وإلا فإنه يكفيك اليسير )[7] صحيحة السند ، وهي تفيد استحباب الإكثارِ من الماء ، ومثلها ما رواه في ثواب الأعمال عن أبيه عن محمد بن يحيى عن العمركي(بن علي بن محمد البوفكي النيشابوري شيخ من أصحابنا ثقة) عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد قال قال رسول الله| : ( مَن أسبغ وضوءه ، وأحسن صلاته ، وأدى زكاة ماله ، وكَفَّ غضبَه ، وسجن لسانه ، واستغفر لذنبه ، وأدى النصيحة لأهل بيت نبيه فقد استكمل حقيقة الإيمان ، وأبوابُ الجنة مفتحة له )[8] صحيحة السند .

طبعاً بنحو لا يصل إلى الإسراف المحرّم أو المكروه ، قال الله تعالى ﴿ .. وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المُسْرِفِينَ (141) ﴾ [9] .


[1] العروة الوثقى، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج1، ص395.
[2] قال الله تعالى[ فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ، فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ .. ] (البقرة ـ 249)، وجَمْعُ غُرْفَة، غُرُفات وغُرْفات.
[3] العروة الوثقى، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج1، ص396.
[4] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج1، ص310، أبواب الوضوء، ب31، ح28، ط الاسلامية.
[5] مدارك الاحكام، السيد محمد بن علي الموسوي العاملي، ج1، ص233.
[6] مدارك الاحكام، السيد محمد بن علي الموسوي العاملي، ج1، ص234.
[7] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج1، ص341، أبواب الوضوء، ب52، ح4، ط الاسلامية قال الجوهري في الصحاح ج4 مادّة (سبغ)، (شيء سابغ أي كامل واف، وسبغت النعمة تسبغ بالضم سبوغاً، اتسعت، وأسبغ الله عليه النعمة أي أتمها، وإسباغ الوضوء إتمامه، وسبغت الناقة تسبيغاً، ألقت ولدها وقد أشعر، وذنب سابغ أي واف، والسابغة، الدرع الواسعة) (إنتهى). وقال في لسان العرب، (وكلّ شيء طال إلى الأرض فهو سابِــغ، وقد أسْبَغَ فلانٌ ثوبَه أي أَوْسَعَه، وإسباغُ الوضوءِ، المبالغةُ فيه وإتمامه، وأَسْبَغَ اللهُ عليه النعمةَ، أَكْمَلَها وأتمّها ووسّعها، وإنهم لفي سَبْغَةٍ مِنَ العَيشِ أي سَعَة.) (إنتهى)
[8] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج1، ص342، أبواب الوضوء، ب51، ح2، ط الاسلامية.
[9] سورة الأنعام، آية146.