بحوث الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

37/04/10

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : إذا اعتقد تحقُّقَ إحدى الضرورات فمسح على الحائل
 مسألة 39 : إذا اعتقد التقية أو اعتقدَ تحقُّقَ إحدى الضرورات الأخر فمسح على الحائل ثم بَانَ أنه لم يكن موضعَ تقيّةٍ أو موضعَ ضرورة ففي صحة وضوئه إشكال، فالأحوط وجوباً إعادة الوضوء .
الكلام هنا هو في موضوعيّة الواقع أو في موضوعيّة الخوف، ويظهر من الآيات والروايات أنّ المناط في العمل على أساس التقيّة أو في سائر الضرورات هو حصول الخوف، قال الله تعالى[وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي اليَمِّ وَلا تَخَافِي وَلاَ تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ المُرْسَلِينَ (7)] [1]، وقال[ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا المُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُوا المَسْجِدَ الحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا، وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاءَ، إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ]([2]).
ويظهر من الروايات أيضاً أنّ المناط هو الخوف، لاحِظْ (1) ما رواه في التهذيبين بإسناده الصحيح عن الحسين بن سعيد عن فضالة عن حماد بن عثمان(من أصحاب الإجماع) عن محمد بن النعمان(الأحول مؤمن الطاق ثقة متكلّم) عن أبي الورد(فيه رواية مصحّحة السند مادحة له، وروى عنه في الفقيه مباشرةً وهي أمارة الوثاقة) قال قلت لأبي جعفر t: إنّ أبا ظبيان حدثني أنه رأى عليّاًt أراق الماء ثم مسح على الخفين ! فقال : ( كذب أبو ظبيان، أما بلغك قولُ عليٍّt فيكم : سَبَقَ الكتابُ الخِفَّين ) ! فقلت : فهل فيهما رخصة ؟ فقال : ( لا، إلاّ مِن عَدُوٍّ تَـتـّقيه، أو ثلجٍ تخافُ على رجليك )[3] مصحّحة السند، فتلاحِظُ التصريح بأنّ المناط في الضرورات غير التقيّة هو الخوف من الثلج على الرجلين .
 2 ـ ومثلها ما رواه في الكافي عن عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن (عُمَر)ابن أذينة عن زرارة عن أحدهماo قال : ( إذا لم يجدِ المسافرُ الماءَ فليطلبْ ما دام في الوقت، فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمَّمْ، ولْيُصَلِّ في آخر الوقت )[4] صحيحة السند، فتلاحظ هنا أيضاً أنّ المناط هو الخوف .
 3 ـ وأيضاً روى في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه، وعن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد جميعاً عن ابن محبوب عن علي بن أبي حمزة قال قلت لأبي الحسنt : المرأة تقعد عند رأس المريض وهي حائض في حد الموت ؟ فقال : ( لا بأس أن تُمَرِّضَه، فإذا خافوا عليه وقَرُبَ ذلك فلْتَنَحَّ عنه وعن قُرْبِه، فإنّ الملائكةَ تتأذَّى بذلك )[5].
 4 ـ وروى في الكافي أيضاً عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد(بن عيسى) عن عثمان بن عيسى(ثقة كان واقفيّاً ثم تاب) عن سماعة بن مهران(ثقة) قال : سألت أبا عبد اللهt عن رجل جعل عليه اَيماناً أن يمشيَ إلى الكعبة أو صدقةً أو عِتْقاً أو نَذراً أو هَدْياً اِنْ هو كَلَّمَ أباه أو أُمَّهُ أو أخاه أو ذا رحم أو قطْعَ قرابةٍ أو مأثم (مأثماً ـ ظ) يقيم عليه أو أمر(أمْراً ـ ظ) لا يصلح له فِعْلُه ؟ فقال : ( كتابُ اللهِ قبلَ اليمين، ولا يمين في معصية الله، إنما اليمين الواجبة التي ينبغي لصاحبها اَنْ يَفِيَ بها ما جعل لله عليه في الشكر اِنْ هو عافاه مِن مرضه أو عافاه من أمر يخافه أو رَدَّ عليه مالَه أو رَدَّهُ من سفر أو رزقه رزقاً فقال (للهِ عَلَيَّ كذا وكذا) شكراً، فهذا الواجبُ على صاحبه الذي ينبغي لصاحبه اَنْ يَفِيَ به )[6] موثّقة السند .
 5 ـ وفي الجعفريات عن عليّt قال : قال رسول اللهp : ( إذا جامع الرجل فلا يغتسل حتى يبول مخافة أن يتردد المنيُّ فيكون منه داءٌ لا دواء له )[7].
 6 ـ وفي الدعائم عن جعفر بن محمد صلوات الله عليه أنه قال : ( لا تعتدَّ بالصلاة خلف الناصب ولا الحروري، واجعله سارية من سواري المسجد، واقرأ لنفسك كأنك وحدك، فهذا إذا كان في حيث يُتَّقَون ويُخاف منهم، فأما إذا لم يكن ـ بحمد الله ـ خوفٌ ولا تقيةٌ وظهر أمْرُ اللهِ جل ذكره وعز دينه وغلب أولياؤه، فلا يجب أن يصلَّى خلفَ أحدٍ منهم ولا كرامة لهم )، وقد رُوِينا عن أبي جعفر محمد بن علي صلوات الله عليه أنه قال : ( لا تصلوا خلف ناصب ولا كرامة، إلا أن تخافوا على أنفسكم أن تُشهَروا ويُشار إليكم، فصَلُّوا في بيوتكم ثم صَلُّوا معهم، واجعلوا صَلاتَكم معهم تطوُّعاً، فقد ذهب الخوف بحمد الله ومَنِّه ونِعْمَتِه، وسقطت التقية في مثل هذا، فلا يُصَلَّى خلفَ ناصبٍ ولا نُعْمَى عينٍ له )[8] وهي مرسلة جداً لأنها بلا أي سند.
أقول : ما ذُكِرَ في الآيات والروايات ـ من العمل بمقتضى الخوف من التقيّة وبمقتضى الخوف من الوقوع في الضرر ـ هو ما ينصرف إليه ذهن الناس من كلمات الضرورة والتقيّة أيضاً، فالناس تعمل بالإحتياط عادةً، وهو الصحيح، لكن هذا على صعيد التكليف ـ لا على صعيد الوضْع ـ فلعلّك تصلّي بين النواصب كصلاتهم تقيّةً منهم، ولو اطّلعْتَ عليهم لعرفتَ منهم الأمانَ والسلام، فأنت لا تعرف دائماً داخل كلّ ناصبي، فهذا من الغيب .
لكنْ مع ذلك لم يَرِدْ في هذه الآيات والروايات المذكورة فرضيّةُ تبيّنِ الخطأ، فإنْ تبيَّنَ الخطأُ ـ كأنْ اعتقدتَ وأنت في مسجد النواصب أنّ الذين يتوضّؤون ويصلّون قربك هم من النواصب، ثم تبيّن أنهم من الشيعة ـ فلم نعلم دليلاً على الإجزاء، فح يجب على الأحوط إعادةُ الوضوء والصلاة، وذلك لأنك عملت بخلاف الواقع، وكان عملك على أساس الوهْم . وكذا الأمر في الضرورات غير التقيّة، فإنْ مسحت على الجبيرة ثم قال لك الطبيبُ إنه كان يمكن لك نزْعُها بلا ضرر، فإنّ الأحوط وجوباً إعادة الوضوء، لا أقلّ لأصالة الإشتغال .



[1] سورة القصص : 7..
[2] سورة التوبة : 28..
[3] وسائل الشيعة، الحر العاملي : ج 1، ب 38 من أبواب الوضوء، ح 5، ص 322، الاسلامية. .
[4] وسائل الشيعة، الحر العاملي : ج 2، ب 1 من أبواب التيمّم، ح 1، ص 963، الاسلامية..
[5] وسائل الشيعة، الحر العاملي : ج 2، ب 46 من أبواب الحيض، ح 1، ص 595، الاسلامية. .
[6] وسائل الشيعة، الحر العاملي : ج 16، ب 11 من كتاب الأيمان، ح 9، ص 131، الاسلامية..
[7] تنقيح السيد الخوئي : ج 3، ص 470. .
[8] دعائم الإسلام : ج 1، ذكر الإمامة  ص 151..