بحوث الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

37/03/17

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : ضيق الوقت عن رفع الحائل هل يسوِّغ المسح أم لا ؟
 مسألة 34 : ضيق الوقت عن رفع الحائل أيضاً مسوغ للمسح عليه، لكن لا يترك الاحتياطُ بِضَمِّ التيمّمِ أيضاً .
 لو فرضنا أنه ـ لسببٍ ماـ كان بحاجة إلى وقت طويل ليخلع حذاءه، بحيث يخاف من خروج وقت الصلاة، فهل يمسح على حذائه أم يتيمّم ؟ يحتمل وجوب المسح على الحذاء لما روينا في المسألة السابقة من مصحّحة أبي الورد حينما سأل الإمامَt فقال له : فهل فيهما ـ أي في المسح على الخفّين ـ رخصةٌ ؟ فقال : ( لا، إلاّ مِن عَدُوٍّ تَـتـّقيه، أو ثلجٍ تخاف على رجليك )[1] بناءً على فَهْمِ أنّ التمثيل بالعدوّ والثلج هما من التمثيل بما هو مصداق للضرورة، وحالتنا المذكورة داخلة في الضرورة، ويحتمل أن تكون هكذا حالة من مسوّغات التيمّم، لأنّ الحكم في ضيق الوقت هو التيمّم لما رواه في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن (عُمَر)ابن أذينة عن زرارة عن أحدهماo قال : ( إذا لم يجد المسافرُ الماءَ فليطلب ما دام في الوقت، فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمم وليُصَلِّ في آخر الوقت، وإذا وجد الماء فلا قضاء عليه، وليتوضّأ لما يستقبل )[2] صحيحة السند، بناءً على أنّ حالتنا المذكورة داخلة في مسائل ضيق الوقت .
ولما كان التشخيصُ هنا مشكلاً ـ لكون الحالة المذكورة مزيجاً من الضرورة وضيق الوقت ـ تعيّن القولُ بوجوب الجمع بينهما احتياطاً .
مسألة 35 : إنما يجوز المسح على الحائل في الضرورات ـ ما عدا التقيّة ـ إذا لم يمكن رفْعُه ولم يكن بد من المسح على الحائل ولو بالتأخير إلى آخر الوقت(428)، وأما في خصوص التقية فالأمر أوسع، فلا يجب الذهاب إلى مكان لا تقية فيه وإن أمكن بلا مشقة، نعم لو أمكنه ـ وهو في ذلك المكان ـ ترك التقية وإرائتهم المسح على الخف ـ مثلاً ـ فالأحوط بل الأقوى ذلك، ولا تجب بذل المال لرفع التقية بخلاف سائر الضرورات، والأحوط في التقية أيضا الحيلة في رفعها مطلقاً .
لا شكّ في عدم جواز المبادرة إلى المسح على الحائل كالخفّ بمجرّد عدم الإمكان في أوّل وقت الصلاة، وإنما تجوز المبادرة إذا لم يمكن المسح على الحائل أصلاً حتى في آخر الوقت، وهذا ما يستفاد من مصحّحة أبي الورد السابقة وغيرها من أدلّة الضرورة التي ذَكَرْنا أنها تُقَدّر بقدرها، ولما ذكرنا أجمعت الطائفة على ذلك .
 أمّا في حال التقيّة فهل يجوز لنا أن نتوضّأ معهم بالتقيّة ونصلّي معهم صلاة التقيّة ونحن قادرون على أن نصبر إلى أواخر الوقت فنصلّي في بيوتنا صلاة المختار، أم لا يجوز ؟
فلننظر إلى كلمات أئمّتنا في ذلك، وهي على طوائف، منها ما أمر فيها الإمامُ شيعتَه بالوضوء مثلهم لعلمه الغيبي أنهم سوف يتعرّضون للأذى أو للقتل، فمن الطبيعي أن يأمر الإمام شيعته بوضوء التقيّة حفاظاً عليهم، وهذا من قبيل :
 ما رواه في التهذيبين بإسناده الصحيح عن محمد بن الحسن الصفار عن يعقوب بن يزيد عن الحسن بن علي الوشاء عن داود بن زربي(ثقة) قال : سألت أبا عبد اللهt عن الوضوء ؟ فقال لي : ( توضأ ثلاثاً )، ثم قال لي : ( أليس تشهد بغداد وعساكرهم ؟ ) قلت : بلى، قال :فكنت يوما أتوضأ في دار المهدي، فرآني بعضهم وأنا لا أعلم به فقال : كذب من زعم أنك فلاني وأنت تتوضأ هذا الوضوء، قال : فقلت لهذا واللهِ أمرني .([3]) صحيحة السند . ومثلُها مكاتبةُ علي بن يقطين .
ومنها ما كان فيها العنوانُ "التقيّة ديني ودين آبائي، من لا تقيّة له لا دين له، ولا إيمان له" وهذا من قبيل :
ما رواه سعد بن عبد الله في (بصائر الدرجات) عن أحمد بن محمد بن عيسى ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن حماد بن عيسى عن حريز بن عبد الله عن المعلّى بن خنيس قال : قال لي أبو عبد اللهt : ( يا مُعَلَّى، اُكتم أمرنا ولا تُذِعْهُ، فإنه مَن كَتَمَ أمْرَنا ولا يُذيعُه أعزه اللهُ في الدنيا، وجعله نوراً بين عينيه يقوده إلى الجنة، يا معلى، إن التـقية ديني ودين آبائي، ولا دين لمن لا تـقية له، يا معلى، إن الله يحب أن يُعْبَدَ في السر كما يحب أن يعبد في العلانية، والمذيع لأمرنا كالجاحد له )[4] صحيحة السند .
وهي لا تدلّ على جواز التقيّة مع المندوحة .



[1] وسائل الشيعة، الحر العاملي : ج 1، ب 38 من أبواب الوضوء، ح 5، ص 322، الاسلامية..
[2] وسائل الشيعة، الحر العاملي : ج 2، ب 1 من أبواب التيمّم، ح 1، ص 963، الاسلامية..
[3] وسائل الشيعة، الحر العاملي : ج 1، ب 32 من أبواب الوضوء، ح 1، ص 311، الاسلامية..
[4] وسائل الشيعة، الحر العاملي : ج 11، ب 24 من أبواب الأمر والنهي، ح 23، ص 465، الاسلامية..